نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا للكاتب تايلور لاك، يقول فيه إنه بالنسبة للمراقبين المخضرمين لشؤون الشرق الأوسط، فإن الكشف عن دور
الإمارات العربية المتحدة بالقرصنة على وكالة الأنباء القطرية، الذي أدى إلى أزمة دبلوماسية، لم يكن إلا حبكة لرواية بوليسية مرفوضة، أما بالنسبة للناشطين في مجال حقوق الإنسان والمطالبين بالديمقراطية في العالم العربي، فإن هذه السيناريوهات عادية وحقيقية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه منذ ما أطلق عليه الربيع العربي قبل سبعة أعوام، أنفقت المؤسسات الأمنية العربية الملايين على أجهزة القرصنة وفيروسات التجسس على الإنترنت، بشكل قامت فيه بحرب إلكترونية ضد مواطنيها.
ويكشف لاك عن أن الأنظمة العربية تقوم باستخدام تطبيقات الحاسوب التي تصنعها شركات غربية؛ من أجل وقف المطالب بالديمقراطية، ومن خلال اختراق
التكنولوجيا ذاتها التي يستخدمها الناشطون من أجل الإطاحة بالأنظمة
الديكتاتورية، مثل "فيسبوك" و"سكايب".
وتنقل الصحيفة عن ناشطين في الخليج وشمال أفريقيا، قولهم إنهم تلقوا رسائل إلكترونية من زملائهم، أو رسائل هاتفية، تدعوهم إلى لقاءات أو بناء مواقع للإنترنت، وهي مصائد تقود إلى وقف اللقاءات، ومنع التظاهرات واعتقال الناشطين.
ويورد التقرير نقلا عن مؤلف كتاب "التاريخ الأسود: التاريخ السري للحرب الإلكترونية" فريد كابلان، قوله إن "صناعة القرصنة أصبحت كبيرة جدا، وهي تجارة بالمليارات، وتحاول الحكومات عمل ما تستطيع واستخدام التكنولوجيا لملاحقة مواطنيها، فمن جهة يستطيع الناشطون الحديث مع بعضهم وتجميع الحشود، كما شاهدنا أثناء الربيع العربي، ومن جهة أخرى فإنه عندما تستخدم وسائل التواصل فهي طريق ذو اتجاهين".
ويلفت الكاتب إلى أنه عندما اندلعت الاحتجاجات في العالم العربي عام 2011، فإن حكومات عربية عدة قامت بتوقيع عقود بمليارات الدولارات مع الشركات الأجنبية للمراقبة والقرصنة، بحسب الخبراء ووثائق نشرها موقع "ويكيليكس"، حيث وقعت الشركة "هاكينغ تيم"، ومقرها ميلان، عقدين مختلفين مع مصر، وثلاثة عقود مع السعودية، وواحد مع كل من البحرين والإمارات وعُمان.
وتذكر الصحيفة أن تحقيقا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في شهر حزيران/ يونيو، كشف عن استخدام شركة أنظمة التسليح "بي إي إي سيستمز" البريطانية شركة دانماركية تابعة لها لتروج لنظام "إيفدنت" وتسوقه في الإمارات والسعودية وقطر وعُمان والمغرب والجزائر، مشيرة إلى أن نظام "إيفدنت" يسمح لمستخدميه بمراقبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على المستوى الوطني، وفك شيفرات الرسائل، التي كان من الصعب فكها في الماضي.
وينقل التقرير عن ناشطين وخبراء، قولهم إن الأنظمة العربية تلاحق الشخصيات البارزة في مجال حقوق الإنسان والمحامين، لكنهم ليسوا الهدف الرئيسي لعمليات
التنصت والرقابة، فأجهزة الأمن لديها معلومات كبيرة وملفات عنهم، جمعت بالطرق التقليدية، لكن ما ترغب الوكالات الأمنية بالحصول عليه من خلال عمليات التنصت والقرصنة الإلكترونية هو اتصالات هؤلاء، والحوارات التي يجرونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأي شيء يقودهم إلى الناشطين غير المعروفين والمتعاطفين معهم.
ويورد لاك نقلا عن الباحث البارز في "سيتزن لاب" في جامعة تورنتو بيل مارزاك، الذي يقوم بمتابعة حروب الإنترنت الحكومية ومساعدة الناشطين الذين تلاحقهم حكوماتهم، قوله: "الهدف دائما هم الأشخاص الذين ليسوا ضد الحكومة، لكنهم يقومون بدعم القضية بشكل صامت، حيث يمكن ملاحقتهم من خلال البريد الإلكتروني الشخصي والحوارات، وهذا هو الهدف".
وتقول الصحيفة إن قدرات الحكومات العربية التكنولوجية في هذا المجال تظل في مراحلها الأولى، ولهذا فهي تعتمد على خبرات الشركات الأجنبية، التي يصفها الخبراء في المجال بأنها "مسدس للإيجار"، التي تقوم باستخدام الثغرات القانونية في بلادها، وتبيع التكنولوجيا المتقدمة للأنظمة الديكتاتورية في تلك البلاد.
وينوه التقرير إلى أن الحالات التي تم جمعها في السنوات السبع الماضية تكشف عن أن الشركات التكنولوجية كانت حيوية لنشاط الأنظمة الديكتاتورية العربية ضد مواطنيها، وأن منظمات حقوق الإنسان لم تكن ناجحة في ملاحقة هذه الشركات ومنعها من بيع التكنولوجيا لهذه الأنظمة.
ويفيد الكاتب بأن البحرين مثلا استخدمت تطبيق "فين فيشر"، حيث أنه من خلال هذا التطبيق يتم إرسال رسائل إلكترونية إلى الناشطين، فيها بيانات سياسية مشحونة، ومرفقات تحتوي معلومات حول وضع ناشط سجين، وتحتوي في الوقت ذاته على نظام خبيث، يقوم بسحب المعلومات الموجودة على جهاز الناشط كلها، لافتا إلى أن موقع "ويكيليكس" كشف عن حوارات تمت بين البحرين والشركة الألمانية البريطانية "غاما"، التي تبيع النظام "فين فيشر"، وكيف تم ربط عنوان الناشطين في البحرين مع ناشطين آخرين في بريطانيا.
وتكشف الصحيفة عن أن الإمارات تستخدم تطبيقا إسرائيليا لتخريب الـ"آيفون"، وهو ما استخدمته مع الناشط الإماراتي أحمد منصور، حيث قال الخبراء الذين فحصوا هاتفه إن المعلومات التي جمعت من هاتفه هي التي قادت إلى اعتقاله في نيسان/ أبريل.
وبحسب التقرير، فإن شركة "أن أس أو" تقوم ببيع الفيروس الذي يقوم بنقل الاتصالات كلها ومواقع الأهداف التي يحتوي عليها جهاز "آيفون"، بما فيها التواصل عبر الـ"واتساب" و"تلغرام" و"سكايب"، وهي برامج تمتع فيها عمليات التواصل، بالإضافة إلى "أي مسيج" و"جي ميل" و"فايبر" و"فيسبوك".
ويبين لاك أن مصر وقعت عقدا بمليون يورو مع "هاكينغ تيم" في ميلان؛ وذلك لاستخدام نظام التحكم من على بعد، كما كشفت شركة الحريات المدنية البريطانية "برايفسي إنترناشونال"، مشيرا إلى أن مصر لم تستخدم نظام "ريموت كونترول سيستم" في عمليات القرصنة على أجهزة "أبل" و"آيفون" فقط، بل بالقرصنة على "مايكروسوفت ويندوز"، الذي تحبذ استخدامه نسبة 90% من مستخدمي الحاسوب في مصر.
وتورد الصحيفة أنه بحسب "سيتيزن لاب"، فإن حملة قرصنة حكومية استهدفت سبع منظمات غير حكومية، وعددا من المحامين والصحافيين والناشطين المستقلين، ووردت أسماؤهم كلهم في القضية 173، التي رفعتها الحكومة المصرية ضد التمويل للمنظمات الحكومية في مصر.
ويشير التقرير إلى أن مسؤولين أمنيين عربيين دافعا عن شراء أنظمة التجسس الإلكترونية؛ كونها وسيلة ضرورية لمكافحة الإرهاب، وقالا إن الأجهزة ضرورية لوقف الخلايا النائمة، وإحباط المؤامرات المستلهمة من تنظيم الدولة، وزعما أن الأنظمة العربية بحاجة لعمليات التجسس الجماعي.
ويذكر الكاتب أن منظمات حقوق الإنسان حاولت مواجهة الشركات الغربية، ففي عام 2014 حاولت "برايفسي إنترناشونال" محاسبة شركة "غاما"، نيابة عن ناشطين بحرينيين في بريطانيا، وأرسلت شكوى لوحدة الجريمة الإلكترونية، في وكالة الجريمة الوطنية البريطانية، منوها إلى أنه لم يتم اتخاذ إجراءات حتى اليوم بشأن الشركة.
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم شكوى منظمات حقوق الإنسان، إلا أن هذه الشركات لا تزال تبيع منتجاتها للأنظمة الديكتاتورية، وفي الوقت ذاته فإنها تبعد نفسها عن الكيفية التي تستخدم فيها.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى قول الناشطين في مصر إنهم يجتمعون خلف الأبواب المغلقة، ويتركون هواتفهم وأجهزة الحواسيب في الخارج، لافتة إلى أن الناشطين في
دول الخليج يستخدمون كلمات مشفرة ورموزا لمناقشة موضوعات معينة.