ماذا تعني إزاحة الستار وإظهاره الشيخ خليفة
بن زايد في عيد الفطر في
الإمارات؟
يمكن مقاربة هذا الملف الشائك من عدة زوايا كما يلي:
الزاوية الأولى: يقترب محمد بن زايد من تحقيق حلمه بتولي منصب حاكم أبوظبي والذي سيتفح له الباب لرئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الحلم الذي استمر معه ربع قرن بالتمام والكمال منذ أن استلم رئاسة الأركان في 30 ديسمبر 1992م، وقد اضطر لأن يضع خططا استراتيجية للوصول إلى هذا الهدف ساعده في ذلك جمال سند السويدي حيث اقتضت تلك الخطط السيطرة على الجيش ثم جهاز أمن الدولة ثم السيطرة على المواد المالية والاقتصادية أهمها شركات البترول وعلى رأسها شركة أدنوك والصندوق السيادي لأبوظبي والسيطرة على كل الأجهزة الحكومية المحلية لأبوظبي وكذلك الأجهزة الحكومية الاتحادية، مما مكنه من وضع الشيخ خليفة بن زايد
آل نهيان رئيس الدولة في شكل من أشكال الإقامة الجبرية والتحكم في كل أموره حتى أصبح دمية يخرجها للشعب الإماراتي تارة ويخفيها تارة أخرى حيث أصبحت الفترات الأخيرة من اختفاء وظهور رئيس الدولة تمتد لسنتين كاملتين، ويمارس محمد بن زايد كل صلاحيات الرئيس والتحدث باسمه ونسبة القرارات الرئاسية إلى الشيخ خليفة بن زايد بينما هي قرارات محمد بن زايد نفسه، وعليه فلم يتبق إلا القفزة الأخيرة وهي إعلان عجز أو تخلي الشيخ خليفة بن زايد عن حكم إمارة أبوظبي لصالح محمد بن زايد ومن ثم اجتماع المجلس الأعلى للاتحاد وإعلان تسميته رئيسا لدولة الإمارات، فهل يحقق محمد بن زايد حلمه الذي أصبح مثل اللقمة السائغة السهلة؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.
الزاوية الثانية: إشكالية عائلة آل نهيان والقبائل الموالية لهم التي تشكل تاريخيا حلف بني ياس فهناك تخوفات كبيرة في أوساط آل نهيان والقبائل الموالية لهم لسببين: السبب الأول هو كون والدة محمد بن زايد قد أتت من خارج عائلة آل نهيان والقبائل الموالية لهم مما يهدد بخروج السلطة عن الدوائر التقليدية داخل عائلة آل نهيان والاحترام الذي تحظى به تلك الدوائر، والسبب الثاني تابع له وهو قيام محمد بن زايد بتجاوز كل الأعراف ومراكز الثقل التقليدية في عائلة آل نهيان والتي على رأسها إزاحة أخويه خليفة وسلطان اللذين يتقدمانه في السن وفي الاستناد القبلي وخصوصا من ناحية الأم، ثم تجاوزه لموروث الشيخ زايد من حيث احترام كلمة ومكانة زعماء القبائل فقد حولهم محمد بن زايد إلى متسولين على بابه ووضعهم تحت رقابة أمنية مشددة.
الزاوية الثالثة: من حيث علاقة الحكم في أبوظبي ببقية حكام الإمارات ومنظومة الحكم التي تم إقرارها عند تشكل الدولة كونها دولة اتحادية (فدرالية) تتمتع فيها كل إمارة بحدود واضحة من الاستقلال يتمثل في إدارة شؤون الإمارة الاقتصادية والإدارية وشؤون الحكم مما أعطى نوعا من التوازن بين السلطة الاتحادية المركزية وسلطة الحكام والتي تم ممارستها في عهد الشيخ زايد لكن محمد بن زايد سعى لتغيير هذه القواعد وتجاوز الدستور، تمثل ذلك في إلغاء تام لدور المجلس الأعلى للاتحاد والتدخل في تسمية أولياء العهود القادمين بل وصل الأمر إلى مرحلة ترتيب الانقلابات وخصوصا على أسرة القواسم في كل من إمارة الشارقة ورأس الخيمة وذلك عندما فشل الانقلاب الأول على حاكم الشارقة عام 1987م والذي خططه وقاده محمد بن زايد ونجاح الانقلاب الثاني على ولي عهد رأس الخيمة الشيخ خالد بن صقر القاسمي في 14 يونيو 2003م الذي استخدم فيه محمد بن زايد جيش الإمارات لتمريره وفرضه على القواسم وعلى شعب إمارة رأس الخيمة، وبلغت ذروة الإقصاء والهيمنة التي مارسها محمد بن زايد ضد بقية حكام الإمارات عندما استغل الأزمة الاقتصادية العقارية التي ضربت العالم وإمارة دبي على وجه الخصوص عام 2008م فقام بشراء نسبة كبيرة من أصول دبي الرأسمالية مما جعل حكومة دبي تخرج من معادلة التوازن السياسي التي كانت تتمتع بها قبل ذلك مما سبب جرحا كبيرا في كرامة دبي واستقلالها وإمكانية استغلالها للفيتو الذي منحها إياه الدستور في المادة رقم 49 والذي أدى استخدام دبي لذلك الفيتو إلى وقف الانقلاب الذي قاده محمد بن زايد ضد حاكم إمارة الشارقة عام 1987م.
وتعتبر الرقابة الأمنية الكبيرة التي يفرضها محمد بن زايد على العوائل الحاكمة في الإمارات من خلال فروع جهاز أمن الدولة في كل إمارة من أكبر عوامل التوتر والتي تطورت في الآونة الأخيرة إلى درجة اضطرار حاكم كل إمارة - عدا دبي - إلى استئذان مدير فرع جهاز أمن الدولة في إمارته قبل الشروع في أي قرار سيادي اقتصادي أو إداري.
الزاوية الرابعة: علاقة السلطة بفئات الشعب الإماراتي حيث بات عدم اليقين والشك هي الحالة السائدة في تلك العلاقة نتيجة للسياسات القمعية والرقابة الأمنية الشديدة التي فرضها محمد بن زايد على شعب الإمارات والتي ظهر منها رأس جبل الجليد باعتقال دعاة الإصلاح وتقديمهم إلى محاكمات أمنية شهد العالم بأنها تفتقر لأدنى معايير المحاكمات العادلة وأتبعها باعتقال السلفيين واتهمهم زورا وبهتانا بأنهم مرتبطون بالإرهاب وكذا فعل بعدد غير محدد من الناشطين السياسيين على رأسهم الدكتور ناصر بن غيث المري رئيس حزب الأمة الإماراتي والناشط الحقوقي العالمي أحمد منصور الشحي، ووضع عددا غير معروف من مواطني الإمارات في قائمة الممنوعين من السفر، ثم جاءت المشاركة العسكرية لجيش الإمارات في اليمن وانكشف مدى الإرباك الذي تعانيه القيادة السياسية والعسكرية بوقوع أكبر مقتلة في تاريخ جيش الإمارات منذ تأسيسه عام 1971م حيث استشهد في ضربة واحدة 45 من الجنود الإماراتيين في اليمن وفي ظروف غامضة دلت على فشل استخباراتي خطير للقيادة السياسية والعسكرية ولا تزال جثامين شهداء الإمارات تُحمل من مواقع مختلفة من العالم وهي مرشحة للازدياد في ظل السياسة الخرقاء التي يتبعها محمد بن زايد والتي جعلت من أبناء الإمارات دروعا بشرية تحول دون سقوط الجنود الأمريكان في الساحات التي يتحركون ويطبقون فيها الخطط الأمريكية.
وإن صعود محمد بن زايد لحكم إمارة أبوظبي ومن ثم رئاسة دولة الإمارات يجعل الباب مشرعا لزيادة التورط العسكري والأمني الخارجي مما يرفع نسبة التوتر الداخلي المغلف في علاقة شعب الإمارات وتحسسه الكبير من استلام محمد بن زايد للحكم، فإذا أضفنا إلى ذلك طبيعة الأدوار السياسية والأمنية التي يؤديها محمد بن زايد في مختلف الساحات العربية والتي جعلت الشعوب العربية تعتبر حكومة الإمارات مساوية إذا لم تكن متفوقة في عدائل للشعوب العربية على حكومة الكيان الصهيوني ذاتها وخصوصا عندما سُلطت الأضواء على الدور الإماراتي المساند للانقلابات العسكرية في كل من مصر وليبيا ومحاولة العبث في جميع الساحات العربية الأخرى، وجاءت قاصمة الظهر عندما قاد محمد بن زايد حملة مقاطعة وحصار دولة قطر والتي أدت إلى انكشاف سياسي واستراتيجي خطير لمظلة مجلس التعاون الخليجي وضمور الدور السعودي الذي كان يُنظر إليه كدور مركزي ومستقل قبل ذلك في منطقة الخليج والجزيرة العربية، وهذا عامل آخر يُضاف إلى التوتر في علاقة شعب الإمارات بموضوع استلام محمد بن زايد للحكم في إمارة أبوظبي.
وختاما فإن الشعب الإماراتي يتهامس سرا بأن توقيت إظهار الشيخ خليفة بن زايد في العيد وبهذا الشكل المهين من المعاناة في السيطرة على أدائه الجسماني وحضوره العقلي إنما هو فتح الباب لإعلان محمد بن زايد نفسه حاكما لإمارة أبوظبي بعد أن أثبت لشعب الإمارات أن رئيسه عاجز عن ممارسة مهامه.