نجحت دولة قطر في تجاوز الصدمة الأولى للأزمة التي فجرتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين، وبدأت تتأقلم مع الوضع الجديد، وتبحث عن بدائل عن تلك الدول، لتنوع علاقاتها، وتفشل محاولة فرض الحصار عليها. ومما لا شك فيه أن وقوف تركيا إلى جانب قطر في اللحظة الحاسمة لعب دورا هاما في هذا النجاح.
هذه الأزمة يجب أن تدفع تركيا إلى طرح أسئلة عديدة، والبحث عن أجوبتها، لاستشراف مستقبل علاقاتها مع الدول التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، كي لا تتفاجأ هي الأخرى بأي أزمة مفتعلة، وحملة تستهدفها بسبب موقف يتناسب مع مصالحها ومبادئها. لأن الأحداث والتطورات التي شهدتها منطقة الخليج منذ تفجر الأزمة الأخيرة أكدت أن العلاقات مع دول تحكمها أهواء شخصية، مهما كانت متينة، يمكن أن تنقلب رأسا على عقب في يوم وليلة.
علاقات قطر مع السعودية كانت تبدو جيدة، حيث قام العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز بزيارة الدوحة في ديسمبر / كانون الأول، وأدَّى "العرضة" أمام الكاميرات، وسط احتفاء كبير بزيارته، وشارك أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في قمة الرياض التي جمعت زعماء دول عربية وإسلامية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولم يكن هناك أي مؤشر لأزمة مرتقبة. ثم أعلنت العواصم الخليجية الثلاث فجأة قطع علاقاتها مع الدوحة، وأطلقت حملة إعلامية شرسة ضد قطر، بالتزامن مع إجراءات عقابية تهدف إلى فرض عزلة على الدوحة. وتم إعلان العالم الجليل الشيخ يوسف القرضاوي الذي استضافوه قبل أيام فقط من الأزمة "إرهابيا" و"ضالا مضلا" بفتاوى من قاموا بدعوته، وجلسوا معه، وابتسموا في وجهه.
وليس هناك ما يضمن ألا تشهد العلاقات التركية السعودية مثل هذا التحول، وعدم توجيه ذات التهم والحملة الإعلامية ضد تركيا. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: "هل أنقرة مستعدة لمثل هذه المفاجآت؟".
تركيا حريصة على تطوير علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي عموما، ومع السعودية على وجه الخصوص، إلا أن هذا التوجه قد يتم تفسيره بأن تركيا يمكن شراء موقفها من خلال تحسين العلاقات وبعض الاستثمارات. ومما يثير الشكوك حول أهداف استثمارات الدول الثلاث في تركيا ورغبتها في تحسين علاقاتها مع أنقرة، التصريحات التي أطلقها وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش تعليقا على الموقف التركي من الأزمة، وقال فيها إن "تركيا تحاول الإبقاء على التوازن في أزمة قطر ما بين موقفها الإيديولوجي ومصالحها"، معبرا عن أمله بـــ"أن تبقى أنقرة "حكيمة" وتدرك أن مصلحتها تكمن بدعم التحرك ضد الدوحة". ولذلك، على أنقرة أن تتوجس من تقارب تلك الدول معها، واستثماراتها في تركيا، وتتخذ التدابير اللازمة حتى لا تتحول يوما إلى أدوات ابتزاز يتم استخدامها للضغط عليها.
منذ بداية الأزمة الأخيرة، يدور الحديث حول وقوف ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وراء خطة محاصرة قطر والانقلاب فيها. ومن المعلوم أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد هو الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وأن رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد غائب عن المشهد منذ فترة طويلة. ومن المعلوم أيضا أن الأمير محمد بن سلمان يعزز نفوذه يوما بعد يوم في ظل حكم والده، ويخطو خطوات متسارعة نحو التحلي بلقب "الحاكم الفعلي للسعودية"، وسط تكهنات حول الاستعداد لعزل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف عن منصبه. وإن كان من يتولى الحكم في السعودية ويتربع على عرشها بعد الملك سلمان شأنا داخليا للمملكة ولا تتدخل فيه تركيا بأي حال، إلا أن أنقرة يجب أن تطرح أسئلة تساعدها في معرفة ما يمكن أن تؤول إليها العلاقات التركية السعودية في ظل حكم هذا الأمير الشاب الذي يصفه محللون بـــ"المغامر المتهور".
* كاتب تركي