نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على معاناة مسلمي جمهورية إفريقيا الوسطى من مشكلة التطهير الديني الذي تشنه الميليشيات المسيحية على المنطقة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الصراع بين الطرفين قد أدى إلى نزوح الآلاف من الأسر إلى مخيم "تيمانغولو" للاجئين، الواقع في الإقليم الشرقي للكاميرون. وقد كان أدامو إبراهيم من بين الضحايا، حيث شهد تبادل إطلاق النار الذي جد مؤخرا في أحد المساجد بين الطرفين المسلم والمسيحي، ما أدى إلى إصابته على مستوى الفخذ.
ونظرا لتردي الأوضاع الأمنية، اضطر إبراهيم إلى الفرار من منطقة يالوكي، الواقعة غرب جمهورية أفريقيا الوسطى رفقة زوجته وابنيه دون حتى أن يقدر على معالجة جرحه، إلى مخيم اللاّجئين في الكاميرون.
وبينت الصحيفة أن حالة إبراهيم ليست الأولى من نوعها، إذ لاذ حوالي 160 ألف شخص من سكان أفريقيا الوسطى بالفرار إلى مناطق مجاورة، هربا من أعمال العنف المروعة. وقد كان أغلب المتضررين من رعاة الغنم الرحل أي مسلمين البورورو، وهي عبارة عن مجموعة عرقية من شعب الفولاني.
وأوردت الصحيفة أن النزوح القسري لسكان هذه المنطقة كان نتيجة لتأجيج نار الصراعات بين الجماعات المتمردة ذات الأغلبية المسلمة "سيليكا"، ضد الميليشيات المسيحية "أنتي بالاكا". وقد أدى الصراع على السلطة في المنطقة إلى نشوب حرب أهلية ذات صبغة دينية، تحولت شيئا فشيئا إلى مذابح ضد المدنيين وأدت إلى فرار آلاف الأسر.
وأضافت الصحيفة أنه بعد فترة وجيزة من الهدوء الخادع، عادت الاشتباكات من جديد وبشكل خطير، حيث زادت وتيرة العنف ليضاعف معها عدد القتلى والنازحين. لكن يبدو أن البعثة العسكرية لقوات حفظ السلام تمكنّت بالكاد من السيطرة على الوضع، وهو ما أدى إلى وفاة خمسة عناصر من قوات حفظ السلام في هجوم جد في شهر أيار/ مايو الفارط.
وذكرت الصحيفة، وفقا لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن نسبة اللاجئين في الكاميرون قد وصلت إلى 275 ألف من بين 481 ألف نازح في الدول المجاورة منذ سنة 2004. في المقابل، يسعى هؤلاء النازحون إلى التغلب يوما بعد يوم على الأخطار المحدقة بهم والتأقلم مع هشاشة الوضع أمام استحالة عودتهم إلى البلاد.
وأفادت الصحيفة أن المنفى القسري احتفظ بحوالي 30 بالمائة من النازحين في سبعة مخيمات للاجئين في الجزء الشرقي وشمال وسط الكاميرون، بينما استقر أغلبهم في بقية مدن المنطقة. ورغم صعوبة العيش اضطرت المنظمات الإنسانية الدولية، بعد ثلاث سنوات من الصراع، إلى الحد من المساعدات المقدمة لهذه الفئة بما في ذلك المواد الغذائية.
وفي هذا السياق، صرح رئيس مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في شرق الكاميرون، باسيم كوليموشي، بأن "المجتمعات المحلية استقبلت اللاجئين بصدر رحب، لكنها هي بدورها تعاني من فقر مدقع، نظرا لشح الموارد وقلة فرص العمل".
وبينت الصحيفة أنه رغم اختلاف العائلات والعلاقات الثقافية، لم تشهد المنطقة أي توترات دينية كبيرة بين المسلمين النازحين والسكان المحليين، ذوي الأغلبية المسيحية. لكن التمييز بين الفئتين يتجلى من خلال توزيع الموارد، ولعل ذلك يعود إلى أن اللاجئين هم أساسا رعاة رحل بينما جل السكان المحليين للمنطقة هم مزارعون محليون، وهو ما سيشكل تحديا في مسألة تقسيم المعيشة.
وتجدر الإشارة إلى أن وكالة منظمة الأمم المتحدة، بفضل المساعدة المالية التي تلقتها من الاتحاد الأوروبي، قد تمكنت من توزيع هواتف على حوالي 6 آلاف أسرة من مخيم "تيمانغولو". سيمكنهم ذلك من تلقي رسالة قصيرة تفيدهم بالمبلغ الذي يتسنى لهم إنفاقه في المواد الأساسية في ظرف شهر، الذي يقدر بحوالي 6.7 يوروهات للشخص الواحد. وبالتالي، سيساعدهم هذا النظام على توسيع قائمة المواد الغذائية الأساسية مع المنتجات المحلية. كما سيكون لذلك دور في دعم تجار الكاميرون وفتح باب الوظائف أمام اللاجئين.
ونقلت الصحيفة قصة عثمان، البالغ من العمر 25 سنة والذي تعكس نظرته الحادة والجدية الواقع المرير الذي يعيشه، فالمقدار الذي توفره وكالة الأمم المتحدة عبر المحمول لا يكفي لتغطية حاجيات إخوته الأربعة، ما جعله يبحث عن حل بديل لاستكمال حصص الغذاء.
وبينت الصحيفة أن زيادة الحاجات الغذائية، جنبا إلى جنب مع توفر المزيد من فرص العمل، هي كل ما يطلبه اللاجئون الذين لاحظوا انخفاض هذه المساعدات التي لطالما نبّهت إلى شحها وكالات المساعدة الإنسانية والاتحاد الأوروبي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاتحاد الأوروبي قد خصص أكثر من 500 مليون يورو منذ سنة 2013 لصالح جمهورية أفريقيا الوسطى والبلدان المضيفة للاجئين. إلى جانب ذلك، في السنة الماضية، تم عقد مؤتمر للمانحين في سبيل مساعدة اللاجئين ووضع حد لهذه الأزمة المتفاقمة، خوفا من أن تتحول إلى أزمة منسية.
وأفاد المسؤول عن المساعدات الإنسانية التابع للمفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية (إيكو) في الكاميرون، دلفين بويز، أن "اللاجئين في أمس الحاجة للمساعدات الإنسانية، إلى جانب وضع استراتيجيات فعالة تمكّن من تحقيق استقلاليتهم وتحول دون نشوب التوترات مع السكان المحليين".