نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا، حول تحقيق قامت به هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" استمر لمدة عام، حول برنامج رقابة زودته شركة أنظمة تصنيع الأسلحة "بي إيه إي سيتستمز" البريطانية، لحكومات في الشرق الأوسط؛ لملاحقة المعارضين والناشطين في مجال الدفاع عن الديمقراطية؛ ومراقبة رسائلهم؛ وتحديد أماكنهم.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن القسم العربي في "بي بي سي" وصحيفة دانماركية، قاما بتقصي البرنامج، الذي باعته الشركة المعروفة لأنظمة قمعية عربية، وشمل البيع على برامج فك شيفرات يمكن أن يستخدم ضد
بريطانيا وحلفائها.
ويستدرك الموقع بأنه مع أن الصفقات التي وقعتها الشركة تعد قانونية، إلا أن ناشطي حقوق الإنسان وخبراء الأمن الإلكتروني عبروا عن مظاهر قلق كبيرة من أن هذه الأدوات قد تستخدم على ملايين الأشخاص؛ لمنع أي ظاهرة
معارضة.
ويلفت التقرير إلى أن التحقيق يبدأ في بلدة دانماركية صغيرة في نوريسنادباي، وهي مقر شركة "إي تي آي" المتخصصة بأنظمة الرقابة المتقدمة، حيث طورت الشركة نظاما اسمه "إيفدنت"، الذي سمح للحكومات بالقيام بعمليات رقابة جماعية على مواطنيها واتصالاتهم.
ويورد الموقع نقلا عن موظف سابق تحدث لـ"بي بي سي"، قوله إن النظام "يسمح لك بالتنصت على أي حركة في الإنترنت"، وأضاف: "لو أردت أن تراقب البلد كلها فإنه يمكنك فعل هذا، وتستطيع الحصول على بيانات الهاتف المحمول، ومتابعة الناس في حركتهم، ولدى البرنامج قدرة على التعرف على الأصوات وفك الشيفرات".
ويقول موقع "بي بي سي" الإنجليزي إن أول زبون لهذا النظام كان الحكومة
التونسية، وتوصلت "بي بي سي" إلى مسؤول أمني تونسي، تعامل مع نظام "إيفدنت"، لصالح حكومة زين العابدين بن علي، وقال: "قامت شركة (إي تي آي) بتركيبه، وجاء المهندسون لتقديم جلسات تدريبية".
وتابع المسؤول الأمني قائلا للموقع: "يعمل النظام من خلال مفاتيح، ويمكنك وضع اسم المعارض، وترى المواقع والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي التابعة للمستخدم كلها"، وقال المصدر إن ابن علي استخدم النظام حتى الإطاحة به في عام 2011 في ثورة شعبية.
وينوه التقرير إلى أنه مع انتشار التظاهرات المعارضة للحكومات العربية، فإن الأخيرة بدأت بالبحث عن أدوات لمواجهة استخدام الناشطين للإنترنت، وهو ما فتح بابا تجاريا مربحا لشركات مثل "بي إيه إي سيستمز" البريطانية، التي اشترت في عام 2011 "إي تي آي" الدانماركية، وأصبحت جزءا من أنظمة الأمن التطبيقية.
ويقول الموقع إن الشركة البريطانية الدانماركية، التي أصبحت جزءا منها، استخدمت وعلى مدار خمسة أعوام، لتزويد الأنظمة العربية ببرنامج "إيفدنت".
وبناء على طلب تقدمت به "بي بي سي" لحرية المعلومات مع الصحيفة الدانماركية "داغلبلادت"، كشف عن أن الشركة زودت
السعودية والإمارات وقطر وعُمان والإمارات العربية المتحدة والمغرب والجزائر بهذا النظام.
ويبين التقرير أنه "مع أنه من الصعب الربط بين النظام وحالات فردية معينة، إلا أن (إيفدنت) زاد من درجة الرقابة مع بداية الربيع العربي، تاركا أثرا مدمرا على الناشطين ودعاة حقوق الإنسان".
وينقل الموقع عن الطيار العسكري يحيى العسيري، الذي هرب من بلاده السعودية، بعد وضعه مدونات داعية للديمقراطية، قوله: "قد لا أبالغ بالقول إن أكثر من 90% من ناشطي عام 2011 قد اختفوا"، وتقول الناشطة السعودية منال الشريف: "كان يقال إن للحيطان آذانا، أما الأن فإن للهواتف الذكية آذانا"، وأضافت: "لا توجد دول تراقب أبناءها مثلما تفعل دول الخليج، فلديها المال، ولهذا فإنها تستطيع شراء أنظمة رقابة متقدمة".
وبحسب التقرير، فإن هذا الوضع قاد الناشطين للشك في مستقبل المجتمع المدني في الشرق الأوسط، حيث يقول غوس حسين من "بيرفسي إنترناشونال" في لندن: "تدمر الرقابة ثقة الناس في التنظيم والتعبير والتشارك بالأفكار، أو محاولة خلق حركة سياسية".
ويشير الموقع إلى أن حكومات الإمارات والسعودية لم ترد على اسئلة من "بي بي سي"، فيما تم بيع الأنظمة بناء على المعايير القانونية المعمول بها في الدانمارك، وقالت "بي إي إي سيستمز" إنها تتبع المعايير القانونية في نشاطاتها التجارية حول العالم.
ويكشف التقرير عن أنه خلال التحقيق كشف أن "إيفدنت" قد يترك آثارا على بريطانيا، ففي نسخة معدلة فإن النظام فيه تطور وقدرة على تفكيك الشيفرات، ويمنح المستخدمين القدرة على قراءة الاتصالات، حتى لو كانوا يتمتعون بالتشفير الأمني.
ويفيد الموقع بأن "بي بي سي" حصلت على رسالة إلكترونية بين الحكومة البريطانية والشركة الدانماركية في عام 2015، تعبر فيها عن قلقها من صفقة لبيع النظام لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقالت إنها ترفض بيع هذا النظام، الذي يحلل الشيفرات من بريطانيا؛ بسبب معيار5، الذي يشير للامن القومي.
ويذكر التقرير أن هناك مخاوف من أن يتم استخدام البرنامج للتوصل إلى الاتصالات في بريطانيا، حيث يقول أستاذ هندسة الأمن في جامعة كامبريدج روس أندرسون: "عندما تبيع الجهاز لجهة ما، فإنه يمكنها عمل ما تريد به"، ويضيف أن الدول العربية تريد شراء جهاز تحليل الشيفرات من أجل فرض النظام، ولديها سفارات في لندن وباريس وبرلين وواشنطن، ويتساءل قائلا: "ماذا يمنعها من وضع جهاز مراقبة في مدننا للتنصت، مستخدمة نظام تحليل الشيفرات، لتحليل المكالمات التي يستمعون لها".
ويستدرك الموقع بأنه رغم اعتراضات الحكومة البريطانية، فإن الدانمارك قامت بالموافقة على صفقة لبيع النظام، وقالت عضو البرلمان الأوروبي الهولندية مارييتجي شاك، التي كانت واحدة من السياسيين التي وافقت على مناقشة مخاطر النظام، إن الدول الاوروبية ستدفع ثمن التنازلات التي فعلتها، وأضافت: "أعتقد أن كل حالة تم فيها إسكات شخص، أو انتهى في السجن، بمعونة من التكنولوجيا الأوروبية، أمر غير مقبول".
وتابعت شاك قائلة: "إن حقيقة هذه الشركات التجارية اللاعبة، التي تطور تكنولوجيا متقدمة بشكل كبير، ستترك أثرا على أمننا القومي، وعلى حياة الناس، وهو ما يدعونا للنظر مرة أخرى لطبيعة القيود التي نريدها، والشفافية والمحاسبة المطلوبة في هذه السوق، قبل أن ترتد ضد مصالحنا ومبادئنا".
ويؤكد التقرير أنه رغم ذلك، فإن الحكومة البريطانية كانت حريصة على دعم نشاطات "بي إي إي سيستمز"، التي توفر وظائف كبيرة لنشاطاتها في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن السعودية تعد سوقا مهمة للشركة، التي توظف 80 ألف موظف حول العالم، وتمثل نشاطاتها نسبة 1% من صادرات الشركة البريطانية.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أن الحكومة البريطانية صادقت على عقود بنسبة 4.2 مليار دولار، لبيع أسلحة منذ بداية الحرب في اليمن عام 2015.