كتاب عربي 21

إفلاس نظام: حادث في المنيا وضرب في درنة

1300x600
 تعبر المنظومة الانقلابية عن أعلى حالات إفلاسها حينما تتكرر تلك الأحداث التي تستهدف الأقباط، ورغم وجود إعلان مباشر عن استهداف تنظيم متطرف للأقباط كما حدد وتوعد، إلا أن وقوع هذه الحوادث على هذا النحو وبأشكال مختلفة وفي مناطق مختلفة إنما يؤكد أن هناك حلقة مفقودة في هذا الشأن تعبر على أقل تقدير أن هذه المنظومة الانقلابية قد ارتكبت من الأفعال ما يشير إلى حالة من التخاذل والتقصير، لا ندري أهذا التقصير متعمد لجر البلاد إلى حالة من الفتنة الطائفية والاقتتال الأهلي، أم أنه عمل يستفيد منه النظام الانقلابي فيريد الإبقاء على عمليات تحريك هذا الملف بحيث يشكل غطاء لكثير من سياساته وتوجهاته ومواقفه.

إن هذا الحدث الجلل الذي وقع بمحافظة المنيا إنما يشكل أحد هذه الأحداث التي تتوالى وتتراكم بحيث تشكل بذاتها نيلا من مفاهيم الجماعة الوطنية وقدراتها على التماسك الالتئام، خاصة أن تلك المنظومة الانقلابية استطاعت بشكل أو بآخر أن تستفيد من تخويف الأقباط بدفعهم دفعا إلى الارتماء في أحضان السلطة الانقلابية ودعمها وتبني كل خطاباتها مما أحدث شرخا متعمدا لتماسك هذه الجماعة الوطنية وأحدث فجوات ضمن حملة صناعة الكراهية التي حملها النظام وزكاها بمزيد من أفعاله ومزيد من تخاذله وتقصيره.

إلا أن إفلاس النظام الحقيقي إنما يتمثل في تعامله مع هذه الأحداث باعتبارها أحداثا روتينية يكرر ذات الخطاب حينما يتحدث عن استهداف مصر واستهداف الوطن واستهداف الأقباط، وكأن هذه الحال صارت من الحالات المفضلة التي رعاها النظام بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، قد يقول البعض إننا نمارس اتهاما عفويا للمنظومة الانقلابية في هذا المقام، وأننا نسير ضمن تصرفات لعقلية المؤامرة ولكن الأمر على غير هذا، إن تكرار الأحداث من غير أن يكون هناك أدنى تحقيق أو نتائج تتبع هذه التحقيقات إنما يشكل تأشيرا على توظيف هذا النظام لجملة الأحداث تلك لتبرير سياسات معينة مستغلا تلك الأحداث.

كان بيان وزارة الداخلية يتحدث عن عربات دفع رباعي والتي إذا ما ذكرت فإن النظام يربط ربطا أتوماتيكيا وتلقائيا بين هذه السيارات وقدومها من ليبيا، صار هذا أمرا معروفا ومقررا لدى ذلك النظام، مدعيا أنه يخوض حربا في مواجهة هذه السيارات التي تحاول التسلل إلى مصر والتي تعد بالمئات، وأنه قام بتدمير بعضها، ربما يذكرنا ذلك بعربات الدفع الرباعي التي كانت تحمل سياحا من المكسيك وقامت قوات الجيش بقصفها الأمر الذي أسفر عن سقوط ضحايا وهو ما ترتب عليه التعويض ومحاولات التبرير في قتلهم بوجودهم داخل سيارات دفع رباعي.

ومن هنا فإن البعض من مؤيدي هذا الانقلاب وكذلك المجتمع الدولي قد لا يجد مبررا لمنظومة الانقلاب أن يقوم بالاعتداء السافر على ليبيا خاصة في شرقها ضمن ادعاءاته أن عربات من إياها -دفع رباعي- تدخل خفية إلى مصر، وفي حقيقة الأمر لم يكن ذلك إلا ضمن حسبة لهذه المنظومة ومعها دولة الإمارات لدعم ومساندة المنقلب حفتر في ليبيا، إذ أن محاولة ضرب درنة التي كافحت وطردت التنظيمات الإرهابية منها، ومع ذلك يضرب في مناطق عدة كلها تستعصي على حفتر وتحاول هذه الضربات أن تبدل من موازيين القوى داخل ليبيا وتمكن لحليفهم، ثم يتحدث هذا المنقلب أنه لا يتدخل في شؤون الدول.

وحينما أعلنت السودان أنها ضبطت أسلحة مصرية لدى المتمردين في دارفور لم يكن الأمر بعيدا عما يحاول أن يقوم به في ليبيا إن موقفه في ذلك المثلث (مصر السودان ليبيا) وتورطه في تلك الحروب رغم نفيه لذلك وتأكيده عن سياساته الشريفة في وقت عز فيه الشرف، هكذا نرى جملة أحداث متراتبة يقوم المنقلب باستغلالها لتحقيق أهدافه ومآربه ولا يتوانى في أن يقول إنه لا يتدخل في سياسات الدول الأخرى وأنه يمارس سياسة شريفة.

دعنا إذا نؤكد على تلك الأحداث التي ترتكب في حق أقباط مصر والتي تقع من جماعات متطرفة وبين مستبد متخاذل لا يقوم بأدواره الحقيقية في تأمين كامل تراب مصر بأهلها من مسيحيين ومسلمين، حينما يكون الهدف هو ذلك الأمن السياسي الذي يتعلق بكرسيه ومصالحه، وشكل تحالفاته التي تستهدف زرع الكراهية في الداخل وإشعال النيران ونشر عدم الاستقرار في الخارج خاصة في دول الجوار، ثم يتحدث أن مصر مستهدفة، ليجعل من كل ذلك مدخلا لتمرير تلك السياسات، تمر الأحداث في انتظار كارثة أخرى يٌضرب مسيحيون في المنيا ويضرب هو في درنة في ليبيا، ألا يعبر ذلك عن إفلاس حقيقي، فيما يوجه من اتهام وفيما يقدم من حلول في مواجهة كارثة حقيقية تتعلق بحق هذا الوطن وأمنه وأمانه وتأمينه.

إن الأمر ليس بعيدا عن إدراك بعض هؤلاء الذين وعوا هذه القضية من أصولها وارتباطها بعمليات تفكيك الجماعة الوطنية وزراعة الكراهية بين أبناء الشعب الواحد بكل أطيافه وتنوعاته بين أقباطه ومسلميه، لأن في هذا التفكيك وتلك الفرقة تأمين استبداد هذا النظام وطغيانه وسلطانه، هذه هي القضية الكبرى التي تتعلق باستهداف مشروع الجماعة الوطنية وضربه في مقتل ومن المؤسف حقا أن تستجيب الكنيسة بشكل أو بآخر لابتزاز المستبد لمحاولته للتمويه عن أصل القضية، متبعا ذات الطريقة في التخويف والترويع والتي تتخذ أشكالا متعددة، ترويع لفئات الشعب وترويع للأقباط منه، بدعوى حمايتهم وهو المقصر في ذلك، والتأشيرات تقدم ألف برهان على تخاذله وتقاعسه، وينادي في كل مرة أن الأجهزة الأمنية لم تقصر، وحينما يمرر هذا الأمر على هذا النحو فإن تلك الأحداث ستتكرر وستبرر وستمرر.

ومن هنا كانت تلك البيانات المهمة التي صدرت من الداخل والخارج في بيانات منفصلة من جانب قوى سياسية ومجتمعات مدنية وشخصيات مستقلة من مثقفين وسياسيين تعبر عن رد حقيقة المسؤولية عن هذه الأحداث إلى حقيقتها والتي تقوم على المشاركة في التخاذل والتقصير وحقيقة المحاسبة التي يجب أن تكون من جراء تقصير للجهاز الأمني ربما نراه متعمدا وممنهجا، ومرور هذه الأحداث دون تحقيق أو حساب إنما يشكل تأشيرا في هذا المسار إلى أن يثبت العكس، كذلك فإن تلك الإشارات المهمة التي وردت في تلك البيانات حول الآلية المجتمعية التي يجب الاستناد إليها ضمن تأسيس يتعلق بتماسك الجماعة الوطنية للتأكيد على أن حماية الأقباط يقع في الأساس في ذمة المجتمع وليست السلطة المستبدة التي تتلاعب بهذا الملف لمصلحتها وتستخدمه بلا شرف ضمن سياساتها الآنية ومصالحها الأنانية.

كل ذلك إنما يشكل حالة حقيقية يجب أن يقف أصحاب مشروع الجماعة الوطنية عليها والتدبر في معانيها ومغازيها مما يؤكد أن هذا المشروع من الواجب أن يسترد بكل قيمه التأسيسية وسياساته الجمعية وألا تترك هذه الملفات نهبا لمستبد يتلاعب بها أو جهاز أمن يجعله ضمن سياسات تحاول من خلالها أن يكون في خدمة المستبد ومصالح تثبيت كرسيه وسلطانه، إنه إفلاس نظام حينما يكون الحدث في المنيا فيقوم هو بضرب درنة في ليبيا، إنها عقلية المستبد حينما يخرب الوطن داخليا وخارجيا ويخرب أوطانا أخرى بتحالفاته المشبوهة.