تعرض مسؤولون في حملة مرشح الرئاسة الفرنسية، إيمانويل
ماكرون، لعملية
قرصنة إلكترونية كبيرة، أثارت جدلا واسعا في
فرنسا، بعد نشر كمية كبيرة من الوثائق المسربة على الإنترنت، قبيل ساعات من الصمت الانتخابي الذي سرى مفعوله بعد منتصف ليل الجمعة بتوقيت فرنسا.
ويصل حجم الوثائق المسربة التي تم نشرها من حساب مجهول على الإنترنت، إلى 9 غيغابايت، وتناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل مكثف، تحت مسمى "ماكرون ليكس".
وأكدت حملة ماكرون أن الوثائق تضم رسائل للبريد الإلكتروني وبيانات مالية عن الحملة قد سرقت في عملية قرصنة "واسعة ومنسقة"، وأنها "خليط من وثائق حقيقية ومزيفة".
وقالت في بيان لها: "تم الحصول على الملفات المسربة خلال عدة أسابيع من قرصنة حسابات بريد إلكتروني شخصية ومهنية لعدد من الموظفين في الحركة".
وأوضحت أن الوثائق لا تتضمن أي شيء يشكل تهديدا لها، مؤكدة أن الوثائق الناتجة من القرصنة كلها قانونية وتعكس العمل الطبيعي لحملة رئاسية، ونشرها يكشف معطيات داخلية لا تقلقنا.
ولم تتهم حملة ماكرون جهة محددة بالمسؤولية عن عملية القرصنة لكنها قالت إنها تهدف لإفساد وإضعاف الحملة والديمقراطية في فرنسا. وقارنتها مع حادثة تسريب الرسائل الإلكترونية للحزب الديمقراطي خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام الماضي، التي أُلقي اللوم بالمسؤولية عنها على قراصنة إلكترونيين روس.
ويتنافس للفوز في جولة الانتخابات الثانية، التي تجرى اليوم، مرشح الوسط إيمانويل ماكرون مع مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان. وتجري الانتخابات وسط حالة الطوارئ المعلنة في البلاد، وقد جرت الجولة الأولى بعد ثلاثة أيام من مقتل شرطي في الشانزليزيه في قلب باريس.
اقرأ أيضا: الفرنسيون ينتخبون رئيسا جديدا اليوم.. هذه أبرز المعلومات
ومن المقرر أن تتضح نتائج جولة الانتخابات الثانية مساء اليوم، لكنها ستعلن رسميا من المجلس الدستوري الفرنسي في يوم الخميس 11 مايو/ أيار. وستنتهي فترة رئاسة الرئيس الحالي، فرنسوا هولاند، الأحد 14 مايو/ أيار، وهو آخر موعد ممكن لتسليم السلطة إلى خلفه وتنصيبه رسميا رئيسا لفرنسا.
حظر النشر
وحذرت لجنة الانتخابات، وسائل الإعلام والسياسيين والمواطنين، من إعادة نشر المعلومات المسربة، معتبرة أن أي خرق لقواعد الانتخابات قد يعرض صاحبه لاتهامات جنائية.
وقالت مفوضية الانتخابات في بيان أصدرته السبت: "في ليلة الانتخابات الأهم بالنسبة لمؤسساتنا، تدعو المفوضية كل من يحضر في مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وبشكل أولي وسائل الإعلام، وكذلك المواطنين أيضا، إلى الاتسام بالمسؤولية وأن لا يروجوا هذا المحتوى، لكي لا يربكوا أمانة عملية التصويت".
وأشار مراقبون، إلى أن السيطرة على وقف نشر الوثائق المسربة قد تبدو مستحيلة، خاصة في ظل التدفق المفتوح لمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت الذي التزمت فيه القنوات التلفزيونية الإخبارية بتحذيرات لجنة الانتخابات وآثرت عدم التطرق إلى الوثائق المسربة، تفاوتت الصحف الفرنسية في كيفية تناولها لعملية القرصنة.
وغطت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية اليومية التسريب بنشر موضوع في صيغة أسئلة وأجوبة عامة مع صحفي، فيما قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إنها "لن تنشر المحتويات قبل الجولة الثانية" وإنها ستدقق وتنشر مواد مناسبة "تحترم قواعدنا الصحفية والأخلاقية". وقد نشرت موضوعا في صيغة أسئلة وأجوبة عامة بشأن
التسريبات.
اقرأ أيضا: فرنسا تحاول الحد من تأثير قرصنة حملة ماكرون على الانتخابات
ويرى محللون، أن تحليل هذه الوثائق المسربة سيستغرق وقتا. لكن السؤال الذي يطرحه كثيرون، وخصوصا بعد تشكيك مؤسس "ويكيليكس"، جوليان أسانغ، يتعلق بما إذا كانت هذه الوثائق حقيقية أم لا؟
قرصنة ممنهجة
وظهرت الوثائق أولاً على شكل روابط على موقع "بايستبان"، وهو نوع من دفتر عام يعرفه العاملون في المعلوماتية والقراصنة لأنه يتيح نشر ملفات بطريقة تبقى مجهولة المصدر نسبيا.
وأعلنت رسالة على منتدى 4chan وهو المنتدى الأكبر في العالم ويرصد المتعاطفين مع اليمين المتطرف الأمريكي، وجود الوثائق على "بايستبان". وبعد ذلك، تولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا حسابات مؤيدة لترامب نشر الرسالة. وقام "ويكيليكس" بدوره بنشرها. وصار هاشتاغ "ماكرون ليكس" الأكثر تداولا حول العالم خلال الليل.
وظهر هاشتاغ تسريبات ماكرون على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" في حساب يعود إلى شخصية من اليمين المتطرف الأمريكي بعد ظهر الجمعة. وأفادت تقارير بأنه أعيد نشر التغريدات 87 مرة في الدقائق الخمس الأولى لظهورها، مشيرة إلى أنه ربما استخدمت برامج إلكترونية لتسريع نشر الرسائل تلقائيا.
وخلال 90 دقيقة، جذبت المعلومات المسربة انتباه مؤيدي حملة مارين لوبان، الذين أسهموا أيضا في مزيد من نشر هذه المعلومات باستخدام برامجيات تزيد انتشارها تلقائيا.
وبعد مرور نحو ثلاث ساعات ونصف بعد نشر التغريدة الأولى تسريبات ماكرون، استخدمت نحو 47 ألف مرة، ولعب حساب "ويكيليكس" دورا رئيسا في نشر الهاشتاغ، عن طريق وضع رابط الوثائق المسربة، لكنه أشار ضمنا إلى أنه ليس مسؤولا عنه.
ومن أول من قام بنشر الرسائل جاك بوزوبيك، المعروف جدا في واشنطن بأنه يعمل لصالح موقع "the rebel" المؤيد لدونالد ترامب ومارين لوبان.
ويرفض جاك بوزوبيك نسبه إلى منظمة "اليمين البديل"، وهي حركة رئيسية من اليمين المتطرف في أمريكا، ويعلن نفسه منتميا إلى "اليمين السلافي"، وهو تيار يميني متطرف عنصري ومعاد للإسلام ويؤمن بتفوق العرق الأبيض، ويتمركز بشكل أساسي في أوروبا الشرقية.
وقبل قليل من نشر بوزوبيك وثائق "ماكرون ليكس" المسربة، نشر صورة عن لقائه مع ميلو يينانوبولوس، إحدى الشخصيات الأساسية في "اليمين البديل" الأمريكي، والمعروف بتصرفاته الاستفزازية الكثيرة التي تنطوي على تمييز عنصري وجندري.
ليست المرة الأولى
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها حملة ماكرون إلى عملية قرصنة، فسبق لفريق ماكرون أن كان ضحية لهجمات قرصنة، حيث تعطلت مخدمات (سيرفرات) حملة ماكرون لدقائق في فبراير/ شباط بعد هجوم بدا أن مصدره في أوكرانيا.
وثمة من يتهم جماعات في روسيا وأوكرانيا بالوقوف وراء ذلك. ويشك في أن الكرملين يريد مساعدة لوبان التي تدعم سياسة خارجية مؤيدة لموسكو.
اقرأ أيضا: مناظرة عنيفة بين ماكرون ولوبان وتبادل للاتهامات
وفي الشهر الماضي، قال خبراء أمنيون من شركة "تريند ماكرو" إن القراصنة الروس كانوا يستهدفون حملة ماكرون، مستخدمين رسائل إلكترونية لاختراق حساباتها، وفيروسات وبرمجيات فضلا عن نطاقات (دومينز) كاذبة على الإنترنت في محاولة لالتقاط أسماء وكلمات سر وبقية المعلومات الأساسية للعاملين في الحملة. وقد نفت روسيا وقوفها وراء الهجمات التي تستهدف حملة ماكرون.
ورفع مرشح الوسط، ماكرون، الخميس الماضي دعوى قضائية بشأن إشاعات رُوجت على الإنترنت اتهمته بامتلاك حساب بنكي سري في منطقة الكاريبي، واصفا هذه المزاعم بأنها "أخبار مزورة وأكاذيب"، مشيرا إلى أن بعض المواقع التي تنشرها كانت "مرتبطة بمصالح روسية".
شكوك
وفي تقرير لها في 25 نيسان، قالت "ترند ميكرو"، وهي مؤسسة تعنى بالأمن المعلوماتي إن مجموعة القراصنة "باون ستورم" المعروفة أيضا باسم "فانسي بير" كانت مهتمة أيضا بحملة إيمانويل ماكرون. ويشتبه في أن هذه المجموعة المرتبطة بالكرملين تقف وراء قرصنة الحزب الديمقراطي.
وندد جوان برانكو، وهو مستشار أسانغ في فرنسا بالعملية "المقززة". وكتب على "تويتر": "على مسافة ساعات من نهاية الحملة، وفي ظل الصمت المفروض على المرشحين، نتأرجح في كميات ضخمة من المعلومات....لماذا؟ إثارة الشكوك؟ خلق أسئلة لا يمكن التحقق منها في وقتها؟".
وظهرت الوثائق المسربة في الوقت الذي تتوقع فيه استطلاعات الرأي أن ماكرون يتجه لتحقيق فوز مريح على زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في انتخابات اليوم الأحد؛ إذ تظهر أحدث الاستطلاعات اتساع تقدمه إلى نحو 62 في المئة مقابل 38 في المئة.
وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لوكالة الأنباء الفرنسية: "ندرك أن هذا النوع من الخطر ممكن الحدوث أثناء الحملة الانتخابية؛ لأنه وقع في أماكن أخرى. لن يمر شيء دون رد".
وحذرت نقابة رجال الشرطة في فرنسا، في بيان، من خطر وقوع عنف في يوم الانتخابات من جانب نشطاء اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف.
وقالت الشرطة إن طلبة ينتمون لليمين المتطرف اقتحموا أحد مكاتب حزب ماكرون في جنوب شرق مدينة ليون، مساء الجمعة، وأشعلوا قنابل دخان، ومزقوا أوراقا نقدية مزيفة تحمل صورته.