باركت
الحكومة اليمنية مقررات مؤتمر حضرموت بشأن إعلانها إقليما مستقلا، في وقت ما يزال الجدل محتدما إزاء بعض البنود المثيرة التي تضمنها بيان المؤتمر الذي عقد السبت الماضي.
ففي الوقت الذي برزت المخاوف من بعض النقاط التي أقرها المؤتمر الحضرمي الجامع، ووصفت بـ"الخطيرة"، أبدى البعض تفاؤله بما خرج به المشاركون من مقررات قد تلبي الحد الأدنى من مطالب أبناء المحافظة الغنية بالنفط.
وجاء الموقف الحكومي رسميا، على لسان المتحدث باسمها، راجح بادي، الذي أعلن عن مباركة وتأييد ودعم الحكومة لإعلان حضرموت إقليما مستقلا.
وفي مداخلة مع فضائية "الجزيرة" القطرية، حث بادي بقية المحافظات الأخرى على البدء بمرحلة تقسيم وتدشين أقاليمها، باعتباره الحل المتوافق عليه شعبيا في اليمن، الذي توصلت إليه كل القوى اليمنية في مخرجات مؤتمر
الحوار الوطني الشامل.
ورغم ما أقره ما سمي "مؤتمر حضرموت الجامع" بمدينة المكلا، شرقي البلاد، قبل يومين، إلا أنه لم يردم هوة الانقسام التي ظلت ظاهرة طيلة الفترة السابقة من الترتيبات لانعقاده، بل لا تزال بعض القوى متمسكة بموقفها السابق، رغم ما طرأ على هذا المشهد.
عيوب وتوازن
وبهذا الخصوص، أكد الشيخ طارق بن محفوظ، الذي رأس اللجنة التحضيرية للمؤتمر في منطقة الغربية بمدينة جدة السعودية، أن البيان الختامي الذي صدر عن جلسة المؤتمر في المكلا، يوم السبت، لا يمثل طموحهم، لكنه استجاب للحد الأدنى من مطالب أبناء حضرموت في إقامة "إقليم كامل الصلاحية"، دون أن يحدد هوية الدولة القادمة.
وقال بن محفوظ، وهو رجل أعمال مقيم في السعودية، في حديث خاص لـ"
عربي21"، إن هناك بعض السلبيات التي ابدى انتقاده لها كونها عابت المؤتمر، وهي: "موقفه السلبي من مخرجات مؤتمر الحوار، وعدم دعوته لمحافظات "شبوة والمهرة وسقطرى" للانضمام للإقليم التي جرى تقسيمها ضمن نطاقه الجغرافي، حتى وإن كان هذا الموقف يعود إلى أبناء تلك المحافظات في الأساس.
وأوضح أنه من الصعوبة بمكان أن يستجيب البيان لمختلف آراء القوى والمكونات السياسية، لكنه جاء متوازنا.. وترك الكرة في ملعب القوى الإقليمية والدولية، ووضع شروط حضرموت ومصالحها أولا.
وأبدى الشيخ بن محفوظ ملاحظاته على المؤتمر، الذي قال إنه لم يستوعب كل القوى والمكونات منذ المراحل الأولى للتحضير له، حيث كان المفترض ترك الحرية لاختيار ممثلي القوى الاجتماعية والسياسية بمحض إرادتهم، وليس بطريقة التعيين التي انتهجها القائمون عليه.
وتابع قوله: لذلك تم رفض مخرجاته مقدما من كثير من القوى والمكونات، وهذا ما يثير كثير من الملاحظات حول حقيقة تمثيل المؤتمر للرأي العام الحضرمي في الداخل والمهجر.
وحول اعتذار رجال أعمال حضارم المشاركة بالمؤتمر، أفاد المتحدث ذاته بأن رجال الأعمال السعوديين من أصول حضرمية، الذين اعتذروا، لم يتخلوا عن مجتمعهم في كل المنعطفات التاريخية، وهم قدموا النصح للقائمين على هذا المؤتمر بأن تنسجم مقرراته مع دول التحالف وما بذلته من جهد في العملية السياسية باليمن، ومنها مخرجات الحوار الوطني، وعدم عزل حضرموت عن محيطها، أو إقصاء أي من فئات المجتمع الحضرمي.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أعلن رجال أعمال يحملون
الجنسية السعودية من أصول حضرمية، أبرزهم "عبدالله بقشان ومحمد حسين العمودي"، اعتذارهم عن المشاركة في هذا المؤتمر، بسبب غياب المعايير السليمة في اختيار كل الهيئات واللجان التي تمثل كافة فئات المجتمع الحضرمي.
إجماع حضرمي
من جهته، قال القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح (إسلامي)، صلاح باتيس، إن مؤتمر حضرموت الجامع أعلن رأي وإجماع أبنائها، وحقهم في أن تكون إقليم عاصمته المكلا ضمن الدولة الاتحادية، كما نصت وثيقة الحوار الوطني الشامل، لا يتبع أي إقليم آخر.
وأضاف لـ"
عربي21" أن حضرموت تشارك أبناء اليمن الأحرار والشرعية والتحالف العربي في إسقاط الانقلاب بطريقة ذكية واحترافية متميزة. مؤكدا أن
إعلان المكلا الأخير يمثل ضربة قاضية لمشروع إيران في اليمن... وكانت هذه كلمة الحضارم لكل أبناء الوطن والعالم.
وأعتبر باتيس أنه إقليم ضمن الدولة الاتحادية من ستة أقاليم، وفق مخرجات الحوار الوطني، والمرجعيات الثلاث المتفق عليها والمعترف بها إقليميا ودوليا، مشددا أنهم مع الشرعية ضد التمرد والمتمردين، وقضي الأمر.
بنود مثيرة
من أبرز البنود المثيرة للجدل التي أقرها المؤتمر الحضرمي الجامع رقم 5 و40، حيث ينص البند الخامس على أن "تكون حضرموت إقليما مستقلا بذاته، وفق جغرافيتها المعروفة, ويحظى بشراكة متكاملة لبعديها الجيوسياسي والحضاري"، الأمر الذي اعتبره البعض نسفا لمقررات الحوار الوطني الذي قضى بأن تكون حضرموت والمهرة وشبوة وجزيرة سقطرى" إقليما واحدا وعاصمته المكلا.
بينما يشير البند 40 إلى إحالة قرارات المؤتمر إلى وثيقة مؤتمر حضرموت الجامع لتفصيلها ووضع الآليات والوسائل لتنفيذها، وهو ما يبعث على التساؤل: عن أي وثيقة؟ ومن الذي سيقوم بإعدادها؟.
نسف المخرجات وتجاهل المهجر
وفي هذا السياق، أوضح وكيل حضرموت المساعد لشؤون مديريات الوادي والصحراء، عبدالهادي التميمي، أن البند "40" في بيان المؤتمر نسف كل مخرجاته على ما يبدو.
واعتبر في حديث خاص لـ"
عربي21" أن الإحالة إلى وثيقة مؤتمر حضرموت الجامع، كما ورد في البند، معنى ذلك أن المرجعية الحقيقية التي أقرها هذا المؤتمر، هي الوثيقة المذكورة في البند نفسه، وليس البيان الختامي نفسه، متسائلا عن الذي سيقوم بإعداد هذه الوثيقة.
ولفت وكيل المحافظة لشؤون الوادي والصحراء إلى أن المؤتمر تجاهل وأغفل من أسماهم بـ"حضارم المهجر"، على الرغم أنهم يمثلون ثقلا بشريا واقتصاديا كبير.
فتح الباب لانفصال حضرموت
وفي شأن متصل، يعتقد الصحافي والباحث في مركز نشوان للدراسات، رياض الأحمدي، أن الدولة الاتحادية لا تزال مجرد، وهم سواء على مستوى اليمن بشكل عام أو على مستوى الجنوب على وجه الخصوص.
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21" أن الحديث عن دولة يستلزم وجود مؤسسات قوية وجامعة تدخل في إطارها الأقاليم كمستوى ثان من السلطة، وعندما تغيب السلطة الجامعة فلا جيش ولا مؤسسات جامعة.
وقال الأحمدي إن ما ينشأ حاليا هو أقرب لكتل أقاليم بلا دولة، في صورة أقرب للصومال، وبصورة أخرى، يمكن القول إن الحديث عن الدولة الاتحادية لا يزال سابقا لأوانه.
وأشار الباحث في مركز نشوان للدراسات إلى أن البيان الختامي لمؤتمر حضرموت الجامع جاء على قدر من التسيس، ومهدفا إلى حد كبير. لافتا إلى أنه جعل الباب مفتوحا على كل الاحتمالات، بما فيها انفصال حضرموت والبقاء في الاتحادية التي لم يحددها، بل حدد حضرموت كإطار يسعى لبناء كيان سياسي يعتبر بعض الحضارم أنه "حق لهم".
ووفقا للمتحدث ذاته، فإن البيان يبقى وثيقة لها ما لها وما بعدها، على الأرجح.