تتدحرج الأزمة السياسية شيئا فشيئا إلى داخل بيت
العدالة والتنمية، وتنتقل من أزمة نظام سياسي إلى أزمة حزب، فبعد الدعوات إلى عقد جلسة استثنائية للمجلس الوطني للحزب (البرلمان)، تم تأجيل لقاء الأمانة العامة للحزب (الجهاز التنفيذي) لأجل غير مسمى.
وساهمت السرعة التي اعتمدها رئيس
الحكومة المكلف سعد الدين
العثماني في تشكيل الحكومة في إثارة غضب كبير في صفوف الحزب، انتقل من فضاءات التواصل الاجتماعي إلى مؤسسات الحزب، من خلال دعوات إلى عقد مجلس وطني استثنائي.
ابن كيران يرفض وسيط العثماني
وعلمت "
عربي21" من مصادر متطابقة أن رئيس الحكومة
المغربية المكلف سعد الدين العثماني، ورئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، قد "أرسل وسيطا إلى أمين عام الحزب عبد الإله بن كيران، يطلب منه "دعم" الحزب للحكومة الوليدة".
وتابعت المصادر "
عربي21" التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن "سعد الدين العثماني، لساعات بعد تعيينه رئيسا للحكومة اتصل بأحد مسؤولي الحزب المركزيين، الذي يشتغل قرب ابن كيران، يطلب منه إبلاغ أمين عام الحزب عقد لقاء للأمانة العامة".
وتابعت المصادر أن "رئيس الحكومة المعين طلب من الوسيط كذلك، إخبار ابن كيران باقتراح صياغة بلاغ باسم قيادة حزب العدالة والتنمية، يعلن فيه الحزب دعمه للحكومة الجديدة".
وشددت المصادر على أن "ابن كيران رفض طلب عقد اللقاء من أساسه"، وفسرت المصادر رفض ابن كيران بأنه يرفض الزج بالأمانة العامة للحزب في الجدل الدائر حول الحكومة في هذه الفترة.
رفض عبد الإله بن كيران يأتي انسجاما مع مواقفه السابقة، حيث أعلن أكثر من مرة أنه لن يتحدث حتى تتشكل الحكومة، حتى لا تعتبر تصريحاته تشويشا على عمل رئيس الحكومة المكلف.
وسجل عدد من قيادة حزب العدالة والتنمية غضبهم للطريقة التي أدار بها سعد الدين العثماني مشاورات تشكيل الحكومة، والتنازل عن "لاءات" الحزب التي أعلنتها قيادته منذ بداية أزمة تشكيل حكومة ابن كيران.
وكان عضو الأمانة العامة للحزب، ونائب رئيس المجلس الوطني للحزب، عبد العالي حامي الدين، قد كتب أن "رئيس الحكومة المكلف سعد الدين العثماني لم يكن يستشير أعضاء الأمانة العامة في مشاورات تشكيل الحكومة".
"التوتر" الذي انتقل إلى الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، سبقته دعوات لعقد لقاء استثنائي للمجلس الوطني (برلمان) الحزب، لمناقشة الموقف الذي يتوجب على الحزب اتخاذه من حكومة العثماني الجديدة.
وقال حسن حمورو، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، إن "الإعلان عن الأحزاب المشاركة في الحكومة، شكّل صدمة حقيقية لأعضاء الحزب المتعاطفين معه وكذا أعضاء المجلس الوطني، مما يتطلب معه عقد دورة استثنائية في القريب العاجل".
وتابع حمورو في تصريح لـ"
عربي21" :"اللقاء العاجل يجب أن يشرح حيثيات اتخاذ الأمانة العامة لقرار إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي، بما يعنيه من استجابة للاشتراطات التي سبق أن عبر عنها عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار".
وزاد حسن: "وتوضيح الدوافع التي استدعت ذلك، خاصة أن عددا من أعضاء الأمانة العامة دافعوا عن قرار إشراك الاتحاد الاشتراكي بمرجعية البلاغ الختامي للمجلس الوطني الاستثنائي، غير المتضمن أصلا لهذه النقطة ولا هذا التوجه".
وشدد على أن المجلس الوطني الاستثنائي المنعقد، يوم 18 آذار/ مارس 2017، تداول في مستجدات المرحلة السياسية، وكانت خلاصة النقاش وتوجهاته العامة سائرة في التفاعل مع المواقف التي عبرت عنها القيادة السياسية للحزب، تركزت على تفويض الأمانة العامة مواكبة المشاورات الحكومية، بمرجعية واضحة وهي بلاغات الأمانة العامة وآخرها البلاغ الصادر يوم 16 آذار/ مارس ".
وقلل حسن من مخاطر التصدع الداخلي للحزب بسبب الحكومة الجديدة، قائلا: "طبعا لا خوف على وحدة الصف، بالعكس النقاش الدائر حاليا دليل قوة وحيوية وسيعزز من وحدة الحزب القائمة على الانتصار للإصلاح ولقضايا الوطن والمواطنين".
ويقضي النظام الأساسي لحزب العدالة والتنمية ونظامه الداخلي بأن المجلس الوطني ينعقد إما بطلب من رئيسه أو بطلب من "ثلث" الأعضاء، ويعد أعلى هيئة تقريرية في الحزب بعد المؤتمر.
وغدت مواقع التواصل الاجتماعي، فضاء للنقاش بين أعضاء حزب العدالة والتنمية وبعض قياداته، ومطالب قواعد الحزب والمتعاطفين معه ومع الديمقراطية في البلاد، توضيح أسباب التراجع عن كل "لاءات" الحزب التي كان يرفعها في مواجهة خصومه السياسيين.
ويعتبر مراقبون أن حكومة سعد الدين العثماني تواجه غضبا شعبيا متصاعدا، كما أن أغلب الصحافة المستقلة اعتبرتها حكومة التراجع الديمقراطي، مع الأخذ بعين الاعتبار غضب أعضاء الحزب والمصوتين له في الانتخابات.
هذا، وأدت الحكومة الجديدة التي يرأسها سعد الدين العثماني، اليمين الدستورية أمام العاهل المغربي الأربعاء، وطبقا للدستور فإنها لن تصبح قانونية إلا بعد التنصيب البرلماني.