"المسيحي يا يمشي يا يموت.. مفيش حل تالت"، كانت هذه عبارة لواحد من المصريين الأقباط الذين اضطروا للنزوح خارج مدينة العريش بشمال سيناء بعد الهجمات الأخيرة التي استهدفت السكان المسيحيين بالمدينة ، كان المشهد مروعا وابنة أحد الضحايا ترويه لأحد الفضائيات حيث قالت ابنة سعد حكيم حنا أحد الضحايا: "أخويا كان كبير في السن، وجم الإرهابيين خبطوا على باب بيتنا، وكنا عارفين ده لأن الأحداث حصلت في كذا بيت قبل كده، ودخلوا أخويا في أوضة، وضربوا أخويا برصاصه في دماغه، وأمي قعدت تصرخ وتقول عملتوا إيه في ابني". وتابعت: "أبويا مكنش بيسمع وقاعد يقول ارحموني، ورموا أمي في الشارع، ومن غيظهم من أبويا، ضربوا بالنار في ودنه وعدت الرصاصة من الناحية التانية، وبعدها سرقوا بيتنا كله، وولعوا في البيت، وجثمان أخويا اتحرق بالكامل"!
تسارعت وتيرة عمليات القتل الممنهج للمسيحيين في مدينة العريش بعد أن أعلن تنظيم داعش بسيناء (ولاية سيناء) الحرب على المسيحيين واستهدافهم في شريط متلفز قيل إن من تحدث فيه هو الإرهابي الذي قام بتنفيذ تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة، لم يكن جديدا على تنظيم داعش قتل العجائز وكبار السن فقبل حوالي الشهرين قام التنظيم بذبح الشيخ سليمان أبو حراز، أحد أكبر مشايخ الطريقة الصوفية بمحافظة سيناء، ونشر التنظيم فيديو يظهر إعدامه ذبحا بعد اتهامه بالكفر وممارسة السحر والكهانة، كذلك لم يكن النزوح من العريش خاصا بالأسر المسيحية الأخيرة التي خرجت عقب توالي عمليات القتل والاستهداف، فهناك مئات الأسر من أهل العريش قد آثروا السلامة وخرجوا للقاهرة ومحافظات أخرى خوفا على حياتهم بعد أن أصبح مشهد القتل متكررا فى ميادين العريش حيث يقوم مسلحو داعش باختطاف البعض واتهامه بالتعاون مع الجيش والشرطة ثم إعدامه وإلقاء جثته في الشارع بالقرب من مسكنه ليكون عبرة لغيره ممن يفكرون في مساعدة الجيش والشرطة في مواجهة التنظيم الإرهابي، وطالت عمليات الاغتيال الكثيرين ممن لا علاقة لهم بما يحدث من الأساس، بالإضافة للطلقات والقذائف الطائشة التي لا يُعرف مصدرها وتقتل الناس في بيوتهم.
سلاح داعش بسيناء موجه ضد كل المصريين مسلمين ومسيحيين فهو يعتبر المسلمين مرتدين ويعتبر المسيحيين كفارا وكلاهما يستحق القتل من وجهة نظره، لكن الجديد في هذه الأزمة هو القتل على الهوية الدينية والإصرار على بث الرعب في قلوب الناس وجعلهم يتركون بيوتهم ومدنهم فرارا من القتل لا لذنب ارتكبوه سوى عقيدتهم وقناعتهم الدينية.
من يراجع الأحداث يجد تشابها كبيرا بين ما فعله داعش بالمسيحيين فى سيناء وما فعله بالمسيحيين فى مدينة الموصل بالعراق، في عام 2014 شهدت مدينة الموصل حالة نزوح كبيرة للعائلات المسيحية بعد التهديد الذى أطلقه الخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي حيث خير المسيحيين بين الدخول في الإسلام ودفع الجزية أو الخروج من مدينتهم، وخرج من المدينة تقريبا كل المواطنين العراقيين المسيحيين بعد قرون طويلة من تاريخهم فيها وتركوا وراءهم منازل وكنائس ومحال تجارية وتراثا شوهته همجية الدواعش الذين ما زالوا يقاتلون لمنع سقوط تنظيمهم الذي يسيطر على الموصل منذ ذلك الوقت.
رسالة داعش واضحة لإرهاب المسيحيين وإحراج النظام في مصر وتصويره بمشهد العاجز عن حماية الأقباط، يتذرع الدواعش بموقف الكنيسة السياسي الموالي للسلطة لكن الحقيقة أن الدواعش لا يحتاجون لمبررات لأنهم يقومون بتكفير الجميع ويعتبرون الآخر عدوا محاربا يستحلون ماله ودمه، وهذا الآخر هو كل من لا يدين بأفكارهم ويخضع لبيعتهم وإرهابهم.
قمة المأساة في مشهد تهجير المسيحيين من سيناء أن أبواق السلطة تهلل فقط للجهد الإغاثي في استقبال من خرجوا هاربين من القتل في العريش – وهو جهد مطلوب وحتمي - بينما تتغافل عن خطورة خضوع الناس للخوف ونزوحهم عن ديارهم بسبب عجز الدولة عن حمايتهم وسقوطهم في أيدي إرهابيين قتلة، مؤسسات الدولة نفسها تبدو وكأنها قررت التعايش مع فكرة التهجير رغم أن مشاهد الخروج الجماعي لأهالي سيناء مسلمين ومسيحيين تعني أن الإرهاب قد نجح في ابتزازنا وإملاء إرادته.
لا نستطيع إلا أن نلتمس العذر لمن خرجوا من العريش كي ينجوا بحياتهم وحياة ذويهم وأي شخص مكانهم سيفعل مثلهم، لكن ما هو عذر الدولة التي لم تعلن حتى الآن على لسان أي مسؤول أن هذه خطوة مؤقتة ستنتهي بمجرد تأمين العريش وتطهيرها من التكفيريين ليعود إليها أهلها يعيشون في بيوتهم التي احتوتهم عشرات السنين؟ هل تتعامل الدولة مع القضية على أن التهجير حل نهائي؟ وإذا خرج كل أهل العريش منها غدا تحت وطأة الإرهاب هل نترك الدواعش يفرضون سيطرتهم الكاملة على المدينة ويحققون حلمهم المخبول باقتطاع جزء من مصر وإعلانه إمارة تابعة للإرهابي أبي بكر البغدادى؟ وأين الكيان الصهيوني مما يحدث على أرض سيناء؟ وما هو دوره؟ وما هو المشهد القادم الذي يتم نسج فصوله وملامحه في عواصم دولية وإقليمية؟
إخلاء سيناء من أهلها تحت أي مبرر هو طعنة للأمن القومي المصري، ضبابية المشهد وعدم حسم المعركة يكلفنا الكثير ويفتح الباب لمقامرات ومغامرات قد تقوم بها أي جهة معادية.
مشاهد النزوح من سيناء وطوابير الرحيل ستكون نقطة فاصلة لما ستشهده بوابة مصر الشرقية خلال الفترة القادمة، إما أن تتحرر سيناء من الإرهاب الداعشي وتعود آمنة لحضن الوطن أو ننهزم في المعركة الحقيقية ونفتح الباب لشرور بلا نهاية يخط سطورها التطرف والإرهاب!
مع رفضنا للإرهاب ضد أي إنسان جملة وتفصيلا ، لم نسمع صوتك وأهل رفح يهجرون وتدمر بيوتهم ، ويقتلون على مدار الساعة حتى اليوم أطفالا ونساء ورجالا بحجة أنهم إرهابيون وتكفيريون . هل لأنهم مسلمون ، والمسلم ثمنه رخيص ؟ متى تنظرون بعينين بدلا من عين واحدة ، ومتى تكيلون بكيل واحد بدلا من كيلين ؟ ما أتعس الهوى!