عبد السميع يصطحب الأستاذ فرحات معه في السيارة ثم يلقي بتعليماته على فرحات المستكين وحين ينتهي العمل يكون عبد السميع قد كدس آلافا جديدة أضيفت إلى حسابه المصرفي ثم ينقد فرحات عمولته، فيتلقاها هذا الأخير في انكسار ويعود إلى غرفته فوق السطح ليتناول عشاءه مع أسرته ثم يخلد للنوم بنظرات زجاجية وبوجه خال من التعبيرات.
الأستاذ فرحات يزداد انكماشا والأسرة الصغيرة تزداد تعاسة بينما يتضخم حساب عبد السميع في البنك ويزداد هيبة ونجاحا بين رفاقه بعد أن يصبح أكثرهم نفوذا وبعد أن وصل لمنصب (رئيس الرابتة).
فيلم (البيه البواب) الذي لعب فيه أحمد زكي دور عبد السميع البواب وفؤاد المهندس دور الأستاذ فرحات، ربما كان معبرا عما يريده الانقلاب الآن من معسكر الشرعية.
البعض حاول بعد اللغط الأخير حول (المصالحة) كما يسمونها، أن يستهين بالأمر برمته ليردد أن الانقلاب لم يعرض مصالحة وأن الثورة ليست في موقف قوة يسمح لها بتلقي عروض من هذا أو ذاك. وهذا دقيق جدا، فالانقلاب لا يعرض مصالحة بل يريد استسلاما كاملا، يريد اعترافا ينكس فيه معسكر الثورة رأسه ليصبح مشهد قائد الانقلاب وهو يهذي بكلماته عن (ماسر – مجابهة التحديات – الارهاب.. الخ) أمرا طبيعيا.
عبد السميع حارس البناية يريد أن ينكس معسكر الثورة رأسه وينظر إلى الأرض في انكسار كما كان يفعل الأستاذ فرحات في فيلم البيه البواب.
نعم الانقلاب لم يعرض مصالحة ولا يسعى أبدا ليظهر بمظهر من يعرض المصالحة. على الأقل لا يمكن أن يحدث هذا علنا.
والدلائل على سعي الانقلاب من البداية للتطبيع مع جماعة الإخوان على وجه الخصوص، كثيرة.
فمن البداية تمت دعوة الدكتور الكتاتني لحضور اجتماعات الإنقلاب، ومن البداية دعى الانقلاب الدكتور باسم عودة للانضمام للحكومة الانقلابية التي شكلت بعد 30 يونيو.
ويمكنني سرد عشرات المواقف التي حاول فيها الانقلاب تصدير فكرة المصالحة أو بالأحرى التطبيع، بدءاً من دعوة وزير التموين الأسير، دكتور باسم عودة للانضمام لأول حكومة انقلابية، مرورا بخروج محمد حسان للحديث عن الدية وحتى المبادرة الأخيرة التي اسموها المصالحة والتي يتبناها أحمد الطيب (بعد أن سبقتها حملة تلميع لأحمد الطيب لا تخفى على أحد).
بل إن الأمر أقدم من ذلك، فحديث قائد الانقلاب نفسه لرؤساء تحرير الصحف الانقلابية في 2014 حين قال إن ما أسماه قرار المصالحة بيد الشعب، يكشف عن رغبة الانقلاب منذ البداية في التطبيع.
وإذا أردنا أن نجد تسمية سياسية سليمة لما يعرضه البعض من حين لآخر من مبادرات يطلقون عليها اسم (المصالحة)، لكانت كلمة تطبيع هي افضل وصف.
الانقلاب يريد من معسكر الثورة أن يعتبر رابعة آخر الحروب وأن يعقد معاهدة سلام مع الكيان الانقلابي أسوة بمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني.
الانقلاب يريد اعترافا يمكنه من إتمام أجندة التخريب التي كلفوه بها. أما أن الثورة في حالة ركود حقيقي والانقلاب لا يخشى فعلا ثوريا الآن، فهذا حقيقي ولكنه لا يعني أن الانقلاب لا يسعى لفرض استسلام على معسكر الثورة، فمجرد وجود معسكر كبير خارج سيطرته، يهدد بانفجار الأوضاع ضده في أي لحظة مهما بدا للبعض أن الثورة تمر بحالة من الركود.
والحقيقة أن ما يريده الانقلاب وتشير إليه مئات الدلائل ليس الا استسلاما. عبد السميع يريد أن يستسلم الأستاذ فرحات وينكس رأسه وأن يتركه في هدوء لينجز مهمة بيع البناية للأعداء.
إلا أن الأستاذ فرحات الحالي يختلف كثيرا عن فرحات نسخة 1987 وقت إنتاج الفيلم.
المنطق والعقل والواقع والتاريخ والدنيا بحالها تعرف أن الطرف الضعيف هو من يسعى للمصالحه لأن ما الذى يجبر الطرف القوى على حتى مجرد التفكير فى المصالحه طالما هو الطرف القوى القابض على مقاليد أمور كل شئ .. فياترى من الطرف القوى ومن الطرف الضعيف ؟
مصري
الأحد، 26-02-201707:52 ص
بالفعل مدلول كلمة المصالحة عند العسكر الأوباش هو الإنكسار و الخضوع والذل وهو ما يمارسونه علي الشعب المصري بجميع طوائفه حتي المؤيد لهم .