نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا، نقلت من خلاله تصريحات المدافع الكرواتي في فريق
ليفربول،
ديان لوفرين، حول ذكريات طفولته مع جيرانه المسلمين قبل اندلاع حرب البلقان، ودعوته لإعطاء فرصة للاجئين في أوروبا وتفهم معاناتهم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن القناة الرسمية لفريق ليفربول الإنجليزي عرضت شريطا وثائقيا جديدا، تحدث من خلاله المدافع الكرواتي ديان لوفرين عن مسائل حساسة وذكريات شخصية متعلقة بمسقط رأسه وعائلته ومعاناته، في
البوسنة والهرسك ثم ألمانيا وكرواتيا.
وذكرت الصحيفة أن لوفرين اضطر هو وعائلته للهروب من قرية كرالييفو سوتيسكا، القريبة من مدينة زينيتسا. وفي هذا الإطار أفاد لوفرين، "لقد تعرضت هذه المدينة لهجوم كبير، ولكن الانتهاكات الحقيقية وقعت في القرى المجاورة، حيث تعرض الناس للقتل والترويع. لقد توفي عمي أمام أعين الناس مقتولا بواسطة سكين، أنا لا أحبذ التحدث حول هذه الأمور لأن ذلك صعب للغاية، إن فقدان أفراد العائلة أمر مؤلم".
وأوردت الصحيفة أن لوفرين كان يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط عندما اندلعت الحرب الأهلية، التي أودت بحياة 100 ألف شخص. وفي هذا الصدد صرح لوفرين "لقد كنا نعيش في رفاهية، ولم تكن لدينا مشاكل تذكر، وكانت الأمور تسير بشكل جيد بين الجيران، وعلاقتنا طيبة بالمسلمين والصرب، وكنا نعيش مع بعضنا حياة متناغمة، وفجأة اندلعت الحرب".
وأضاف لوفرين "إنه أمر أعجز عن شرحه بشكل كاف، لقد تغيرت حياتي بين عشية وضحاها، وأصبح الجميع يتقاتلون، في حرب كانت تدور رحاها بين ثلاث ثقافات مختلفة. كنا نسمع صفارات الإنذار، وحين أشعر بالذعر من القنابل، تأخذني أمي وننزل إلى القبو حتى تنتهي أصوات صفارات الإنذار. وذات يوم، غادرت صحبة أمي وعمي وزوجته المكان، أتذكر أننا أخذنا سيارة وتوجهنا نحو ألمانيا تاركين ورائنا كل شيء، المنزل ومحل المواد الغذائية الذي كنا نملكه".
وفي السياق ذاته، أقر لوفرين أن عائلته كانت محظوظة، حيث سمح لها بالدخول إلى ألمانيا لأن والده كان يعمل هنالك، أما من لم يسعفهم الحظ بهذه الفرصة فإن مصيرهم كان مأساويا. وأردف لوفرين "ربما لو بقينا هنالك لرأيت والديا تحت التراب، أذكر أن واحدا من أصدقائي في المدرسة كان يبكي حينها لأن والده توفي في تلك الحرب، وكلما تخيلت هذا الموقف كنت أشعر بالهلع الشديد".
وأشارت الصحيفة إلى أن لوفرين قضى سبع سنوات في ألمانيا، قبل أن تطلب منهم السلطات مغادرة البلاد بعد نهاية الحرب. وفي هذا السياق، قال لوفرين "لقد كان أمرا صعبا جدا وتأثرنا للغاية عندما منعنا من البقاء في ألمانيا، لقد كنت قد بدأت حياة جديدة هناك، كنت أشعر بالسعادة وأنا ألعب في نادي رياضي صغير، في حين كان والدي المدرب هناك وكانت الحياة جميلة. كانت والدتي تقول دائما إن ألمانيا هي بيتنا الثاني، وأنا إلى الآن ممتن للألمان لأنهم استقبلوا
اللاجئين من البوسنة".
وبينت الصحيفة أن الفترة التي قضاها لوفرين بعد ذلك في كرواتيا كانت صعبة للغاية، حيث أن نشأته في ألمانيا تسببت له في العديد من المضايقات في المدرسة فضلا عن سخرية الآخرين منه، واضطرت والدته للعمل بمقابل زهيد، وكانت عائلته تمر بظروف مالية صعبة مما دفع بوالده لبيع بعض ألعابه المفضلة على غرار أحذية التزلج.
وأشار لوفرين إلى أن استرجاع هذه الذكريات بعد كل هذه السنوات هو أمر مؤلم جدا، خاصة وأن عائلته طلبت منه عدم البوح بهذه المعلومات أمام العامة، حيث اتصلت به والدته وقالت له "لا تخبر أحدا، لا تخبرهم بما مررنا به"، وكانت تبكي مجددا، إذ أنها تشعر بالحزن كلما تذكرت تلك السنوات.
وأفادت الصحيفة أن لوفرين قد عبر من خلال هذا الوثائقي عن أمله في أن يحظى الجيل المقبل من الأطفال بحياة أفضل، حيث أورد "بالنسبة لابنتي وابني الصغير، ربما سينسون هذا الأمر ويتطلعون إلى الأمام، لا أعتقد أنهم سيفهمون ما عانيته في السابق لأنهم نشئوا في ظروف جيدة وفي عالم مختلف تماما".
وأضاف لوفرين "أحيانا تطلب مني ابنتي أن أشتري لها لعبة فأقول لها أنا لا أملك المال، أعرف أنها لن تفهم جيدا ما أعنيه ولكن أريدها أن تتعلم أنه لا شيء في هذه الحياة يتحقق بسهولة. أنا أعمل بجد حتى أوفر لها كل متطلباتها، ولا بد أن تدرك أنها ليست في حاجة لعشرين لعبة لتكون سعيدة، تكفي لعبة واحدة لأن السعادة لا تتعلق بالمكتسبات المادية".
وأشارت الصحيفة إلى أن لوفرين قد عبر عن مساندته للاجئين الذين يأتون إلى أوروبا هربا من الحرب، ودعا الدول الأوروبية لاستقبالهم والسماح لهم بالبقاء ومساعدتهم على الاندماج. وفي هذا الصدد، ذكر لوفرين "عندما أرى ما يحدث اليوم وما يمر به اللاجئون، أتذكر ما حدث معي، وما تعرضت له عائلتي عندما لم يسمح لنا بالبقاء في ألمانيا. أنا أفهم جيدا أن الأوروبيين يريدون حماية أنفسهم من أي تهديد من قبل اللاجئين، ولكنهم لا يدركون أن هؤلاء اللاجئين لم تعد لديهم منازل".
وفي الختام، أوضح لوفرين أن "اللاجئين لا يتحملون مسؤولية هذا الوضع، إنه ليس خطأهم، إنهم فقط يكافحون للبقاء على قيد الحياة وإنقاذ أطفالهم. إنهم يسعون فقط للحصول على مكان على هذه الأرض ليضمنوا لأطفالهم مستقبلا أفضل، لقد مررت بكل هذا وأنا أعرف ما تعانيه هذه العائلات الآن، أرجو أن تعطوهم فرصة، فقط أعطوهم فرصة، وعندها فقط سيكون بإمكانكم التفريق بين الناس الصالحين وغير الصالحين".