معذرة!.. فعندما أكتب عن العلاقة بين الدكتور محمد مرسي والعسكر، فإنني أكرر ما سبق وأن كتبته أكثر من مرة، ومنذ مقالي بجريدة "الأحرار" بمناسبة مرور مئة يوم على توليه منصبه والذي حمل عنوان: "نصف نجاح.. ونصف فشل.. ولو لم يكن له إلا إسقاط حكم العسكر لكفاه"!
لم يكن في نيتي الكتابة اليوم في هذا الموضوع، لكن الإعلامي محمد ناصر استضاف على قناة "مكملين"، "أسامة فتحي"، الذي قيل إنه كان أحد أفراد الطاقم الرئاسي الخاص بالدكتور محمد مرسي، فقلب علينا المواجع!
المذكور – وليس بيننا سابق معرفة – قال إن المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع الأسبق، هو من اشترط تعيين عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع، كما أن مرسي كان على دراية بمخطط السيسي الانقلابي، وأخبره في شهر مايو، أي قبل الانقلاب مباشرة، أنه لا يوجد أحد يثق في السيسي.
فالرئيس المغلوب على أمره، نغمة رائجة، يعزفها البعض لاسيما من جماعة الإخوان المسلمين، لتبرير الانقلاب العسكري الذي وقع، وذلك في معرض ردهم على من يصفهم بأنهم من "أهل الغفلة"، فكان خيارهم أن يكونوا مستضعفين في الأرض، وأنهم من أهل الأعذار، باعتبار أن اتهاما أهون من اتهام!
تنويعات هذا "اللحن الحزين"، أن الانقلاب كان واقعا لا محالة، وأن المؤسسة العسكرية، لم تكن لترضى بأن يحكم مدنيا، ومن هنا فقد كانت ستنقلب سواء كان من في القصر هو مرسي، أو غيره، والبعض يذهب بعيدا حد وصف مبارك بأنه لم يكن سوى واجهة لحكم الآباء الكهنة في كوبري القبة، حيث المقر البابوي، وحيث توجد وزارة الدفاع!
وفي هذا السياق يجري تجريد مرسي من أهم انجاز قام به، وهو إقالته لوزير الدفاع ورئيس الأركان، فهم يروجون بأن هذا لم يكن قرار الرئيس لكنه قرار طنطاوي الذي اشترط أن يكون عبد الفتاح السيسي خليفته، وبالتالي فليس بيده أن يعزله عندما وقف على استعداده للانقلاب، وظل مستسلما لقدره إلى أن جرى اعتقاله ومن معه من أفراد الطاقم الذي كان معه في الرئاسة، بيد أن "أسامة فتحي"، لاحظته عيون العناية الإلهية فأفلت من القبض والاعتقال، ليستضيفه محمد ناصر ويظهر عجز الرئيس، وقلة حيلته، وهوانه على العسكر!
هذا الكلام يتم الترويج له في الجلسات الخاصة، لكن لأول مرة يُذكر في العلن، ومن شخص قيل أنه عضو فريق التعاون الدولي بمؤسسة الرئاسة في عهد مرسي!
وفي الواقع، أن القوم ليسوا أول من عزفوا هذه النغمة، فقد تم عزفها من قبل في مقالات نشرت ببعض الصحف المصرية، لأن حالة من الفزع انتابت الدولة العميقة من جراء إقدام مرسي على عزل المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع وسامي عنان رئيس الأركان، فتم تهدئة النفوس لمنع هذه الدولة من الانهيار فزعا، بالقول إن طنطاوي هو من تقدم باستقالته لأنه رفض أن يعمل مع رئيس مدني، وهذا ضد طبائع الأشياء، لأن طنطاوي استغل حل البرلمان، ليعلن أن له وللمجلس العسكري سلطة التشريع، في وجود رئيس الدولة، ومن خلال إعلان دستوري وضعه، وقد ألغاه الرئيس محمد مرسي.
كما أن طنطاوي ليس بالشخصية القوية حتى يقبل أو يرفض، وهو الذي ارتعش عندما طُلب منه أن يبلغ مبارك في أيام الثورة بطلب وحيد هو إقالة حبيب العادلي وزير الداخلية، وكان من كلفه هم أركان دولة مبارك، ولم يفعل. كما أن جمال مبارك كان قد اعتاد إهانته!
وبعد ذلك كان ترويج هذه الدعاية مهما، بدون رد من الرئاسة، وذلك للتمهيد للانقلاب، وحتى لا يتصور أحد أن السيسي معين في موقعه بقرار من مرسي، تماما كما تم ترويج دعاية مفادها أن الجيش هو من حمى الثورة، لأنه كان ضد التوريث، وهو كلام كاذب جملة وتفصيلا، وفي الوقت الذي كانت تنشر فيه هذه الخزعبلات، كان طنطاوي في شهادته السرية أمام المحكمة يبرئ مبارك من قول أو عمل يمثل مساسا بالثوار، كما ينفي جملة وتفصيلا أن يكون الجيش هو من أمره بالتنحي!
كان الهدف من ترويج الدعاية، هو تبرير ما سيحدث بعد ذلك فالجيش الذي حمى الثورة من حقه أن يحكم، وأن يعزل، وأن يدير الدولة!
وللأسف فقد قدم الحكم أكبر مساندة لهذه الدعاية الكاذبة، فتم إطلاق اسم المشير طنطاوي على أحد الأنفاق وتم تشييد مسجد باسمه، كما أن القوم وإن قرروا عزل رئيس تحرير جريدة "الجمهورية"، لأسباب أخصها أنه كان على شجار دائم مع الرجل الثاني في مجلس الشورى فتحي شهاب الذي فهم ملكية المجلس للصحف فهماً خاطئاً، وجعله يعتقد أن من مهام الملكية أن يتدخل في أعمال هى من اختصاص رئيس التحرير، مثل نقل محرر من قسم لقسم، فقد قالوا بأن عزله تم لان الجيش غاضب، لنشر خبر فيه إساءة لطنطاوي، وبشكل يوحي أن الجيش الغاضب قد هدد باحتلال مؤسسة التحرير للطباعة والنشر التي تصدر منها "الجمهورية". وبعد أن وقع الانقلاب تم إعادة رئيس التحرير المعزول لموقعه في ظل انقلاب خليفة طنطاوي في الملاعب!
لقد كان عزل طنطاوي وعنان، هو قرار مرسي فعلا، وبعيداً عن الروايات التي استمعت لها مبكراً من مصادر مطلعة، فهناك دلائل ترتقي لمرتبة الأدلة على أنه من اتخذ القرار ولم تكن رغبة طنطاوي كما تردد!
أولاً: في صاح يوم العزل احتشد شباب الإخوان من المحافظات المختلفة في ميدان التحرير، وهناك من اتصلوا بي من شباب بلدتي وسألتهم عن سر وجودهم في القاهرة، فقالوا لأن الرئيس سيتخذ قرارات مهمة اليوم وأنه تم جلبهم دون معرفة لهم بهذه القرارات، وأنهم جاءوا لحمايتها، ويومئذ كتبت على صفحتي على "الفيس بوك" إن الرئيس سيتخذ قرارات مهمة اليوم فكانت التعليقات كلها سخرية مني، فأي قرارات يمكن أن يتخذها هذا الرئيس الضعيف؟!
ثانيا: في مساء هذا اليوم كان الاحتفال بليلة القدر، ولم يحضر طنطاوي وعنان الاحتفال، مع أنهما كانا مدعوين وحضورهما كان سيعطي انطباعا بأن ما جرى تم بالتوافق فعلا!
ثالثا: أن هناك تلميحات في خطاب مرسي تكشف أنه اتخذ قراراته التي لم يكن دافعه لها سوى المصلحة العامة!
إن هناك من لديه استعدادا لأن يصدق بوجود ما يسمي بالمؤسسة العسكرية، كما لو كنا أمام المؤسسة التي كانت تحكم في تركيا، قبل أن يهمشها أردوغان، في حين أننا في الحالة المصرية لم يكن لدينا سوى المجلس العسكري، الذي كان يعينه مبارك بإرادته الحرة والمستقلة، وكان يحرص دائما على ترقية الأضعف بعد مرحلة وزير الدفاع أبو غزالة، ورئيس الأركان حمدي وهيبة، وقد شاهدنا العينة الممثلة في الفريق سامي عنان، الذي وضعوا هاتفه تحت المراقبة فلم يغضب بعد تسريب مكالمة له مع البرادعي، وأهين عندما قرر الترشح للانتخابات الرئاسية فانسحب بالأمر الذي حمله إليه غلمان العهد الجديد!
ثم إذا صح أنها مؤسسة آمرة ناهية، فإن مرسي أطاح بـ (12) فردا من عضوية المجلس الأعلى للقوات المسلحة، من جملة (22) عضوا.
ما علينا، فمن بين جماعة الإخوان من يرى الضعف أهون من الاتهام بأنهم من "أهل الغفلة"، حيث أمكن للسيسي أن يبدد شملهم في غمضة عين، لأن في الاتهام بالغفلة ما يسيء للرئيس وجماعته، في حين أن الاتهام بالضعف يمكن رده إلى قوة العسكري باعتباره قوة حاكمة منذ عهد محمد علي باشا، ومن هنا فإنهم يتقبلون أن يتم تصوير الرئيس بأنه كان أسير حرب في يد العسكر، لا حول له ولا قوة، وبما يمثل إهانة للرئيس، ويمثل افتقادا لشرط من شروط تولي مهام الرئاسة والرسول قال لأبي ذر إنك امرؤ فيك ضعف!
وعندما تحتج على هذا الضعف المهين، فإن الدفاع ينطلق من سؤال ماذا كنت ستفعل لو كنت مكان الرئيس؟!
لقد سلموا بضعف الرئيس فانتقلوا للسؤال التالي، ماذا ستفعل لو كنت مكانه؟ وسأسلم بما سلموا به مؤقتا للإجابة على هذا السؤال المحوري!
لقد كانت أمام الرئيس فرصة جمع الثوار من حوله، فيشكل منهم الفريق الرئاسي والحكومة، وقد جاء لموقعه بعد أن أجبرت الثورة المجلس العسكري على أن يغادر الحكم، وكان متمسكا بالاستمرار حد التهديد بإجراء استفتاء على استمراره، وقلنا لم تأتون باستفتاء لنخلعكم باستفتاء!
سيقولون إن الرئيس عرض عليهم مناصب وأنهم رفضوا ويؤسفني أن هذا ليس صحيحا، فلم يعرض الرئيس رئاسة الحكومة لا على البرادعي ولا على أيمن نور والأخير لم تكن رئاسته للحكومة ستحل معضلة الانقسام!
وليس صحيحا أن الرئيس طلب من حمدي قنديل تولي منصب وزير الإعلام وأنه رفض، والصحيح أن القوم ظهروا في مشهد العاجز من عودة برنامجه على شاشة التلفزيون المصري، الذي أوقفه حسني مبارك، وما أظنه عجزا ولكن كان عدم رغبة، لحسابات نشأت حديثا!
إنني اكتب هذه السطور، وقد اطلعت على ما ذكرني به "الفيسبوك" ففي مثل هذا اليوم من عام 2013، ففي هذا اليوم كتبت أكثر من "بوست" مندداً بدعوة وزير الإعلام الإخواني بفتح صفحة جديدة مع أعضاء الحزب الوطني المنحل، وهو ما أتبعه تصريح وزير العدل، بأن المصالحة قادمة مع بعض الرموز مثل حسين سالم، وقال إن تجاوزات الوزير السابق في عهد مبارك والهارب لا تمثل انحرافات بالغة، وأنه يميل للعفو عن مبارك!
كانت الفكرة أن قوى الثورة، لا يمكن أن تنافس جماهيريا، وقد التقي الرئيس بقادة جبهة الإنقاذ "البرادعي، وحمدين صباحي، وعبد المنعم أبو الفتوح" وكان مطلبهم هو تشكيل لجنة جديدة لوضع الدستور، وبعد هذه اللقاءات كانت الدعوة للاستفتاء على الدستور!
لو كنت مكان مرسي لدعوت القوى الأخرى منذ بداية الأزمة وعهدت لقادتهم بتشكيل لجنة لوضع الدستور، على ألا يكون من بينها واحد من الإخوان، ولم يكونوا سيتفقون أبدا، ولأصبح بأسهم بينهم شديدا، وأكون أنا الحكم بينهم عند اللجوء إلي!
ولنفترض جدلا أنهم توافقوا.. فماذا سيخيف في الأمر؟!
هناك كلام يردد على أن هناك خوفا على مادة الشريعة الإسلامية من هذه القوى، وهذا غير صحيح، فلم يكونوا يجرؤون على الدخول في صدام مع الرأي العام، وبالنسبة لي كرئيس فحسنا أن يصطدموا بالناس إذا كان القبول بهم على قاعدة المناورة السياسية. ومن شارك منهم في اللجنة التأسيسية لم يجرؤ على أن يطلب بحذف هذه المادة من الدستور!
الخوف الحقيقي، والذي كان سببا في كل الأزمة التي جرت هو وضع نص بإجراء الانتخابات الرئاسية بعد الاستفتاء على الدستور، وهذا هو "مربط الفرس"، فماذا يزعجني كرئيس من مادة ستجعلني سأنفذ بجلدي من الأسر!
ولو كنت مكان الرئيس، وقد علمت بأن السيسي لا يثق فيه إنسان على النحو الذي ذكره عضو فريق التعاون الدولي بمؤسسة الرئاسة "أسامة فتحي" نقلا عن الدكتور محمد مرسي، لما تركت السيسي هو من يختار قادة المؤسسات الأمنية، ومن أول وزير الداخلية إلى قائد الحرس الجمهوري!، ولاخترت ضباط الحرس على قواعد الرجولة والولاء لي والالتزام بتقاليد العسكرية الوطنية!
لو كنت مكان مرسي، فلن أجد نفسي بين خيارات تبدأ بالسيسي وتنتهي بالعصار، ولاخترت اللواء عبد الحميد عمران مثلا وزيرا للدفاع بعد أشهر من اختيار السيسي!
لو كنت مكان الرئيس لعزلت السيسي فإذا انقلب علي علمت الدنيا كلها أنه جنرال متمرد ويقود انقلابا، وقد جف ريقنا ونحن نقول في مساجلاتنا ومقالاتنا انه انقلاب عسكري فيقال إن الجماهير ضد الرئيس فاستجاب لها الجيش، وأوب معها!
لكنني لا أسلم بأن الرئيس كان على علم بنية السيسي في الانقلاب، أو أن السيسي من اختيار طنطاوي، أو أنه كان مسلوب الإرادة!
فلا بأس إن كان السيسي خدعه فقد خدع الآخرين ومن البرادعي إلى حمدين، لكن البأس الشديد أن يقدم الرئيس محمد مرسي مفتقدا لشرط من شروط الولاية وهو القوة، فلماذا أطالب بعودته الآن ؟.. هل لصلابته في السجن؟ أنا أريده صلباً في القصر!
كل الكلام عن مرسى يحتاج الى اثبات اما المؤكد انه الرئيس الشرعى المنتخب المسجون الذى على كل مصىرى ان يسعى الى تحريره حتى وان اختلف فى تقييم كفاءته وقوته.
حسام مرسي
الجمعة، 27-01-201706:05 م
كلام منطقي جدا
عبد الفتاح حواس
السبت، 21-01-201704:03 م
الأستاذ الفكرة المركزية والمحورية في المقال قمة في الروعة والفن والاقتباسا التعبيرية في بعض التراكيب والمفراد أكثر روعة ودلالة على واقع معناها ............ لكن لكن الدخول في مجادلات عدم صحة أخبار بعينها ثبت للقاصي والداني وتمت متابعتها في حينها وأنور نور نفسه قال : عرض علي مرسي الوزارة ولكن أعتذر لأني خذلت ... مثل هذا كان حريا ألا يكون في المقال لأنه موضع أخذ ورد قد يضعف من تأثير المقال في الجملة وخاصة على الفكرة المركزية والمخورية له .......... ولك وافر شكري وبالغ تقديري.
عاصم الشرقاوى
السبت، 21-01-201703:55 م
لا فوض فوك أستاذنا ... كلام حضرتك تمام بنسبة 99 فى المائة .
و1% أتمنى أن يكون المهندس أسامة فتحى صادقاً لألتمس للرئيس محمد مرسى سبباً لضعفه الغير مبرر !!! ولكنها مشيئة الله وقدر الله وماشاء فعل.
نصرك اللهم
السبت، 21-01-201702:16 م
اتمني ان تنشر هذه المقالة في جريدها يقرءها كل الشعب