ماذا تريد "إسرائيل" من مشروع "وجه القدس" التهويدي؟

في خطوة "تهويدية" جديدة، تعمل "إسرائيل" على تغييب المعلم الأثري التاريخي لمدينة القدس المحتلة، عبر خلق وجه جديد للمدينة المقدسة، وتغيير المشهد العام لها، وهو ما يهدف -بحسب خبراء في الشأن المقدسي- إلى جعل المدينة العربية الإسلامية جاذبة للسكان الإسرائيليين؛ من خلال توظيف البعد الاقتصادي والديني.

وأوضح المختص في شؤون القدس والأقصى، محمود أبو عطا، أن الاحتلال وضع في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حجر الأساس للمرحلة الأولى من مشروع "وجه القدس" التهويدي ضمن مخطط "القدس الكبرى" بتكلفة 350 مليون دولار، مشيرا إلى أن التكلفة الإجمالية للمشروع الذي يطلق عليه "الحي الاقتصادي" تبلغ نحو 2.5 مليار دولار.

وقال لـ"عربي21" إن "مساحة المشروع الذي سيبنى في المدخل الغربي للقدس؛ تبلغ 211 دونما، ويحتوي على مراكز تجارية وسياحية وترفيهية وسلسلة فنادق، ومركز مؤتمرات"، لافتا إلى أن المشروع "سيوفر أكثر من 40 ألف فرصة عمل للإسرائيليين".

وأكد أن "الإسرائيليين يعدّون هذا المشروع الاستراتيجي؛ الأكثر أهمية لمستقبل القدس، وهو ما يتطلب مزيدا من مصادرة الأراضي والاستيطان، والإسراع في تهويد المدينة المقدسة".

غرس جذور مزيفة

من جانبه؛ قال خبير الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية، ومسؤول ملف الخرائط في "بيت الشرق" بالقدس المحتلة، خليل التفكجي، إن هذا المشروع التهويدي "له مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، منها تغيير المشهد العام لمدينة القدس التاريخية، حيث إن القادم من الناحية الغربية باتجاه الشرق؛ يشعر أنه في مدينة عصرية ليس لها علاقة بالتاريخ".

وأضاف لـ"عربي21": "يترتب على ذلك؛ إزالة بقايا قريتي لفتا والشيخ بدر في هذه المنطقة، واستبدالهما بمباني عصرية بثوب إسرائيلي".

وأوضح التفكجي أن المشروع يهدف إلى جعل المدينة المقدسة "جاذبة للسكان الإسرائيليين؛ عبر إقامة هذه الأبنية الضخمة التي هي مشاريع استثمارية اقتصادية، وربطها في منطقة الساحل من خلال السكك الحديدية".

وبين أن هذا المشروع "سينتهي العمل فيه عام 2017"، مشيرا إلى أن "استثمار مبالغ كبيرة جدا في المشروع؛ يهدف إلى زيادة عدد السكان اليهود الإسرائيليين في القدس، وذلك ضمن الرؤية التهويدية الإسرائيلية التي تتكلم دوما عن أقلية عربية وأكثرية يهودية في المدينة المقدسة".

وحذر من خطورة "الجريمة التاريخية التي يرتكبها الاحتلال بحق القدس التي تكتسب معالم خاصة؛ تاريخية وتراثية"، لافتا إلى أن "الجانب الإسرائيلي يريد أن يقول للعالم (هنا تاريخنا ونحن هنا من قبل 3000 عام)، وهذا يتطلب اقتلاع بقايا الشعوب التي ظهرت على تلك الأرض، وغرس جذور جديدة تتعلق بالرؤية اليهودية المزيفة".

مدن قمرية عصرية

بدوره؛ بيّن خبير تخطيط المدن والديمغرافيا الفلسطيني، البروفيسور راسم خمايسي، أن "إسرائيل تنظر إلى مدينة القدس بشكل أوسع من كونها مدينة مقدسة".

وأوضح أن "الاحتلال يرى أن للقدس ثلاثة مركبات؛ الأول هو منطقة حائط البراق وما حوله، والثاني هو المحيط الذي بني بحسب النموذج الغربي في فترة الانتداب البريطاني، والثالث هو المدينة العصرية التي تأخذ في الاعتبار نموذج الاقتصاد الليبرالي؛ الذي يعتمد على تنظيم فعاليات اقتصادية تستقطب شركات استثمارية ضخمة متعددة الجنسيات".

وأضاف خمايسي لـ"عربي21": "إذا تجاوزنا المكان المقدس في القدس؛ فإن حيز المدينة أصبح كبيرا جدا؛ من أجل إقامة مدن صناعية أو تشغيلية مبنية على مفهوم الاقتصاد الحر".

ولفت إلى أن هذه المشاريع والخطط الإسرائيلية تهدف إلى "منع هجرة اليهود من القدس المحتلة، وخاصة الطبقات الوسطى، إضافة إلى استقطاب الأزواج الشباب والعلمانيين الإسرائيليين للعمل في القدس"، مشيرا إلى أن "إسرائيل توظف البعد الديني إلى جانب البعد الاقتصادي؛ لجلب أكبر عدد ممكن من اليهود للمدينة المقدسة".

وأوضح خمايسي أن الاحتلال "خلال السنوات الماضية؛ عمل على إقامة مدن قمرية عصرية مقامة على العديد من الهضاب ضمن المنطقة الإدارية لمدينة القدس؛ وهي تبعد قليلا عن البلدة القديمة في القدس، ويتم ربطها بشبكة مواصلات".