يثير اتفاق وقف إطلاق النار بين النظام السوري والمعارضة المسلحة برعاية وضمانة تركية روسية يشمل كافة الأراضي السورية تساؤلات حول كون الاتفاق حلقة من حلقات بياني
جنيف 1 و2 لحل الأزمة السورية أو بديلا عنهما.
وجرى التوقيع على ثلاث وثائق لوقف إطلاق النار والرقابة عليه، بالإضافة إلى ورقة تتعلق بمباحثات السلام المزمع عقدها في العاصمة الكازاخية "أستانة" بين الأطراف الراعية للاتفاق والنظام والمعارضة.
ويبدأ سريان وقف إطلاق النار منتصف هذه الليلة، وقالت موسكو وأنقرة إنهما الضامنتان لكافة الأطراف في
سوريا لعدم خرق الاتفاق وسط ترحيب دولي وأممي.
وكان بيان "جنيف1" حدد ملامح عامة لحل الأزمة السورية سياسيا بما يكفل انتقالا للسلطة وفق تطلعات الشعب السوري ووقف إطلاق النار بين كافة الأطراف على الساحة السورية.
وشارك في "جنيف1" الذي عقد عام 2012 في العاصمة السويسرية وزراء خارجية روسيا وتركيا والصين وفرنسا وقطر والعراق والكويت والمملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية والولايات المتحدة وممثلة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بوصفهم مجموعة العمل من أجل سوريا برئاسة المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة كوفي عنان وجامعة الدول العربية.
واتفق أعضاء فريق العمل في جنيف على مبادئ وخطوط توجيهية للقيام بعملية انتقالية بقيادة سورية شددت على صياغة منظور مستقبلي لكافة الأطراف في سوريا وتحديد خطوات زمنية واضحة وفق جدول زمني للانتقال السياسي بالإضافة إلى إعادة الهدوء وتحقيق المتطلبات السابقة بسرعة دون إراقة مزيد من الدماء.
ولم يكتب لمقررات "جنيف1"، النجاح ومضى النظام في الحل العسكري لقمع الثورة لتعقبها محاولات لعقد مؤتمر "جنيف2" الذي شهد أيضا عثرات عديدة منها توجيه الدعوة لمشاركة إيران في المؤتمر، وهو ما رفضته
المعارضة السورية عدا عن رفض فصائل المعارضة المسلحة الاعتراف بمشاركة الائتلاف الوطني السوري في المؤتمر.
الباحث والمحلل السياسي السوري محمود عثمان قال إن الاتفاق الحالي لوقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة برعاية تركية روسية وما سينتج عنه من محادثات في العاصمة الكازاخية لن يكون سوى "حلقة في سلسلة المؤتمرات الدولية السابقة لحل الأزمة السورية".
وقال عثمان لـ"
عربي21" إن المؤتمرات السابقة "تكتسب شرعية وإرادة دولية والمطلوب كان تنفيذها وإذا جاء مؤتمر الاستانة ليضيف إلى هذه المقررات ويعمل على تنفيذها فهذا يسهم في تسريع وجود حل لما يجري في سوريا".
ورأى أن اتفاق وقف إطلاق النار الحالي لا يخرج عن مقررات جنيف لوجود ترحيب دولي وأممي، لكن المضي في هذا الاتفاق والمحادثات المقبلة مرهون بالإدارة الأمريكية المقبلة والتي لا يعرف ما إذا كان ستقبله كأمر واقع أو تضع العراقيل في وجهه وتعيده إلى نقطة الصفر.
وأشار إلى أن انفصال الاتفاق الحالي عن المؤتمرات الدولية السابقة يعيدنا إلى نقطة الصفر والأزمة السورية بحاجة إلى حل بعد كل هذه السنوات ،لأن تبعات الحرب على الشعب السوري كبيرة والحل الآن أصبح أمرا ملحا.
وقال عثمان إن كل الأطراف الدولية التي شاركت في مؤتمرات جنيف لها مصلحة في نجاح الاتفاق بدءا من إيران وتركيا مرورا بكافة اللاعبين على الساحة السورية.
وأوضح أن روسيا لها مصلحة الآن في نجاح هذا الاتفاق من أجل الحصول على نتيجة واضحة من تدخلها في سوريا، ويبدو أن الروس على عجلة من أمرهم لخلق أمر واقع ما قبل مباشرة الإدارة الأمريكية الجديدة مهام عملها في البيت الأبيض ورحيل إدارة أوباما.
ولفت إلى أن الرئيس الروسي نجح في الضغط على حلفائه لإبرام الاتفاق وأعلن نفسه ضامنا لوقف إطلاق النار وهو بهذا يسحب جزءا من الدور الأمريكي.
وأضاف: "لا يمكن معرفة موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الاتفاق هل ستتعامل معه باعتباره أمرا واقعا أم ستلجأ لعرقلته والبحث عن مشاريع جديدة تناسب مصالحها؟".
مخاوف من الدور الإيراني
وعلى صعيد المخاوف التي تتهدد الاتفاق، قال عثمان إن "إيران ربما تسعى لإفشال الاتفاق عبر أذرعها ومليشيات التي زرعتها في سوريا".
وقال إن الاتفاق "جرى بعيدا عن إيران وهذا يزيد المخاوف من تفلتات هنا وهناك كونها تشارك بشكل رئيسي في القتال على الأرض على عكس الروس الذين يقدمون الدعم الجوي في أغلب الجهد القتالي".
وتساءل عثمان عن مدى التزام الإيرانيين بالاتفاق، مشيرا إلى أن "الكرة في ملعبهم الآن ولا يكفي من طهران الموافقة شكلا عليه بل تنفيذه والتوقف عن القتال وسحب عناصر حزب الله والمليشيات الشيعية التي جلبتها للقتال في سوريا".
وعلى صعيد المواقف العربية قال عثمان إن السعودية لها مصلحة كبيرة في نجاح الاتفاق لما يحققه من هدوء على الساحة السورية ويكبل الطرف الإيراني.
وأضاف: "لا أعتقد أن السعودية وقطر ستقفان في وجه اتفاق يحقن دماء السوريين ويأتي بموافقتهم"، لكنه أشار إلى أن "الخوف يأتي من تدخلات إيران ومحاولة التلاعب بالاتفاق وهذا ما لن تقبله السعودية ولن يقبله الثوار السوريون في الدرجة الأولى".
وتعقيبا على تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بدعوة مصر للمشاركة في الاتفاق ودعمه قال عثمان: "أعتقد أن سر نجاح الاتفاق اقتصاره على دولتين أو ثلاث دول وكلما نقصت عدد القوى المشاركة في الاتفاقات نجح وكلما زادت تبدأ العراقيل والفشل".
وقال إن مصر دولة رئيسية وكبرى في المنطقة لكن في هذا الظرف وبوضعها الحالي رأى السوريون انحيازا من نظامها تجاه نظام الأسد الذي قتل الشعب السوري ونحن نريد أن تكون مصر راعية لما يخفف عن السوريين لا أن تنحاز لطرف واحد.
التقاط الأنفاس
ولفت عثمان إلى أن الاتفاق لو تم الالتزام به فـ"سيكون فرصة كبيرة للمدنيين في المناطق المدمرة وعموم الأراضي السورية لالتقاط الأنفاس واستعادة جزء من حياتهم اليومية".
وأشار إلى المدنيين المهجرين المشردين في البرد القارص عقب تهجيرهم من حلب وما يمكن أن يوفره الاتفاق لهم من مساعدات عاجلة وخدمات إغاثية.
وأضاف: "المدن التي تقبع تحت حصار خانق من قبل النظام سيعود عليها الاتفاق بالإيجاب من خلال إدخال المساعدات اللازمة لبقائهم على قيد الحياة واستمرار صمودهم في أرضهم".