قال وزير العدل ووزير التعليم العالي في فترة حكم نظام زين العابدين بن علي، الصّادق شعبان، خلال مشاركته في برنامج إذاعي في إذاعة "ديوان أف أم"، إنه يتقدّم باعتذاره لضحايا
الانتهاكات في الفترة السابقة.
واعتبر شعبان أن ما حصل خطير، ويدعوه على المُستوى الشخصي لأن يعتذر لمن قُتلوا وذويهم ولمن تعرضوا للتعذيب، رغم تأكيده على أنه لم يكُن طرفا مُباشرا في هذه الانتهاكات.
وأضاف: "لا أعتذر لأني قمت بشيء مُخالف للقانون، أبدا، بل أؤكد أنني وأغلب القيادات لم نكن على علم بهذه التفاصيل (التي كشفتها جلسات الاستماع لضحايا الانتهاكات)، ولكن أعتذر لأنني كنت جزءا من النظام وليس من الرجولة أن أتملص من انتمائي لهذا النظام".
وتابع: "أعتذر لكل من تعرّض لهذه الانتهاكات، وهذا هو أساس العدالة الانتقالية، أعتبر أن هناك أخطاء حصلت ويجب أن نتجاوزها وأن نبني الجديد".
"تصريح مهم"
من جهته، قال سامي الطريقي، عضو مجلس شورى النهضة وعضو مكتبها السياسي، إن تصريح شعبان يُعتبر موقفا شجاعا يجب تثمينه، وفق تعبيره.
واعتبر الطريقي في تصريح لـ"
عربي21" أن ما ذهب إليه وزير العدل السابق في فترة الدكتاتورية يصُب في مسار العدالة الانتقالية ولا يمكن إلا تعزيزه.
وواصل: "هذا تصريح مهم جدا وعلى بقية قادة النظام القديم الاقتداء به لتجنيب بلادنا مزيد التجاذبات، خاصة في هذا الظرف الصعب".
وفي إجابة على سؤال "
عربي21" حول ما إذا كانت مثل هذه الاعتذارات قادرة على تضميد الجراح التي خلّفها الماضي، قال الطريقي، إن الجراح لا تضمد خاصة أن الناس تريد معرفة الحقيقة إلا أنه يجب تشجيع هذه المبادرات.
وأكّد الطريقي أن "تصريح رمز متقدم من رموز النظام القديم من الناحية السياسية قد يُنشئ حركة اعتذار لدى رموز أخرى وهو ما يحتاجه مسار العدالة الانتقالية".
شجاعة لا تكفي
من جهتها، قالت مريم دابي، الناشطة الحقوقية في المجلس الوطني للحريات، إن أي اعتذار يصدر ممن كان جزءا في المنظومة القديمة يُساهم في تقدّم مسار العدالة الانتقالية، مستدركة أن الاعتذار لا يكون إلا من قبل ضحايا الانتهاكات، و"ليس من حقّ أي طرف سياسي أو حقوقي أن يُصادر هذا الحق".
وأضافت دابي في تصريح لـ"
عربي21": "على قدر التّرحيب بهذه المُبادرات التي تُعتبرا فعلا شُجاعا خاصة مع تزامنه مع جلسات الاستماع، إلا أنها لا تعوّض الاعتراف والاعتذار لدى هيئة الحقيقة والكرامة".
وتابعت قائلة: "المصالحة التي ينشدها مسار العدالة الانتقالية تقتضي حوار مباشرا بين الضحية والجلاد. مثل هذه الاعتذارات تكون سهلة على وسائل الإعلام، لكن لن يكون لها أثر حقيقي إلا متى كانت في شكل حوار حقيقي بين من انتهك ومن تعرّض للانتهاك".
واعتبرت دابي أن رموز النّظام القديم مُطالبون بأكثر من مجرّد الاعتراف، مضيفة: "هم أقدر الناس على تفكيك المنظومات التي رسّخت الانتهاكات في عصر الاستبداد، وجُزء من مسار المُصالحة يمر عبر إسهامهم في تفكيك هذه المنظومات عبر شهاداتهم بهدف إعادة بناء البلاد على أساس صلب".
وكانت
تونس قد بدأت، يومي الخميس والجمعة 17 و18 نوفمبر/ تشرين الثاني، بالبث المباشر لجلسات الاستماع لعدد من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان خلال 58 عاما من حكم الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، ضمن بث موحد لقنوات محلية وأجنبية.
وتأتي هذه الخطوة كمواصلة لمسار العدالة الانتقالية الذي أقره الدستور التونسي بالتنصيص على إنشاء هيئة الحقيقة والكرامة كمؤسسة دستورية مستقلة مكلفة بتنفيذ العدالة الانتقالية في تونس عبر البحث في قضايا الانتهاك والفساد بهدف إعادة كتابة التاريخ ومُعالجة رواسب الماضي.
يُذكر أن هيئة الحقيقة والكرامة التونسية أعلنت الثلاثاء أن جلسات الاستماع العلنية القادمة، والتي تنطلق يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول، سيحضر فيها "الجلادون والضحايا"، وأن 2017 سيكون عام الجلسات العلنية بامتياز، حيث سيشهد بث الجلسات العلنية نسقا تصاعديا للكشف عن أكبر قدر من الانتهاكات السياسية والاجتماعية التي حصلت في تونس منذ العام 1955 إلى 2013، كما سيتم توزيع الجلسات العلنية داخل العاصمة وفي المحافظات التونسية، إلى جانب تدشين معهد للذاكرة الوطنية.
وكشفت سهام بن سدرين، رئيسة الهيئة، وجود العديد من الجلادين الذين هم بصدد الاتصال بالهيئة والاعتراف بمسؤوليتهم عن الانتهاكات التي حصلت، وذلك بعد بث الجلسات العلنية، معتبرة أن "الاعتراف هو السبيل الوحيد للنجاة، وإلا فإنهم سيكونون عرضة للملاحقات القضائية. الهيئة لا تخشاهم، بل هم من يخشون الهيئة".