أثار قرار تحرير أو تعويم الجنيه المصري انتباه كثيرين بغرض فهم الموضوع. وتبعا، كتبت هذا المقال بلغة بسيطة توضح أسعار صرف العملات.
ما الذي يحكم أسعار الصرف؟ وما آثارها على الاقتصاد؟
الجواب الابتدائي للسؤال الأول أنه مثل أي سلعة، قد تتدخل الحكومة بتحديد سعرها مسبقا، أو ما يسمى التسعير، وقد لا تتدخل الحكومة، بل تترك للسوق تحديد السعر. لكن الأمر ليس ببساطة أي سلعة، ذلك لأن إصدار العملة بمعنى طباعتها مقصور على الحكومة أو السلطة النقدية أي البنك المركزي، مثل مؤسسة النقد، فهل يد الدولة أو مؤسسة النقد مفتوحة تصدر ما تشاء من عملة؟
الموضوع له علاقة بالتضخم محليا، وله علاقة بتعاملات الدولة المالية مع الخارج التي تستند إلى سعر الصرف. وسعر الصرف المعتاد على سماعه، الذي يعني سعر عملة دولة بعملة دولة أخرى، (مثلا الدولار يساوي 3.75 ريال، أو الريال يساوي 0.27 دولار)، يسمى سعر الصرف الاسمي، وهو بطبيعته لا يظهر مدى تناسب أسعار السلع والخدمات بين الدول. وهناك سعر الصرف الحقيقي، الذي يقيس أسعار السلع والخدمات في دولة بالنسبة للأسعار في دولة أخرى، أو مجموعة من الدول.
أسعار الصرف الاسمية لم تكن لها أهمية كبيرة في السابق، لأن من المعروف أنه لم تكن هناك عملات ورقية قبل اختراع المطبعة، بل كانت العملات تسك من معدني الذهب والفضة.
بعد ظهور العملة الورقية بفترة طويلة، وبعد فترة من الاضطرابات في التجارة والمالية الدولية، تم وضع أساس النظام النقدي العالمي المعاصر في سنة 1944، حينما اجتمع عدد كبير من الخبراء الذين يمثلون 44 دولة، في برتون وودز، في ولاية نيو هامشاير في أمريكا، ووضعوا الخطوط العريضة لعدد من الاتفاقيات، التي تسمى اختصارا باتفاقية برتن وودز. على رأس هذه الاتفاقيات إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإقرار نظام أسعار الصرف الثابتة، التي بموجبها تلتزم كل دولة بالعمل على المحافظة على سعر صرف ثابت تجاه الدولار الأمريكي، وعلى ربط الدولار بالذهب بسعر محدد. ويحق للدول الأعضاء بيع احتياطياتها من الدولارات على السلطات النقدية الأمريكية بالذهب.
لم تستطع الولايات المتحدة الوفاء بكل التزاماتها، ما دفع الحكومة الأمريكية أوائل السبعينيات الميلادية إلى إيقاف العمل بربط الدولار بالذهب وفق الاتفاق السابق. بهذا انتهى العمل بأسعار الصرف الثابتة بين عملات الدول الصناعية، وأصبحت عملاتها وإلى الآن تسير وفق نظام أسعار الصرف الحرة تقريبا، وهو ما يسمى أحيانا نظام تعويم أو تحرير العملة. وقلت تقريبا، لأنه لا توجد أسعار صرف حرة تماما؛ إذ إن حكومات الدول الصناعية تدخلت وما زالت تتدخل في مسار أسعار الصرف.
الدفاع عن سعر الصرف الحر أو تعويم العملات ينطلق من مبدأ أن الأصل والأصلح هو تحرير أسعار كل السلع والخدمات، بما في ذلك أسعار الفائدة وأجور اليد العاملة وأسعار الصرف. أي ترك تحديدها للأسواق دون أي تدخل أو توجيه من الدولة. ومن يدافعون عن التعويم، يرون أن تدخل الدولة يضر أكثر من أنه يفيد. مثلا في حال تعويم العملة، فإن أي عجز تجاري (لتسهيل الفهم قيمة واردات الدولة أكثر من قيمة صادراتها) سيتسبب في انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، والنتيجة زيادة القدرة التنافسية للدولة التي انخفضت عملتها. وزيادة القدرة التنافسية يفترض أن تؤدي إلى زيادة الصادرات وانخفاض الواردات.
بالمقابل، وعلى مستوى الفرد خاصة، هناك أضرار من جراء تعويم العملة. هناك مشكلة التضخم وارتفاع أسعار الواردات، وتآكل قيمة النقود بالعملة المحلية (أجور وعوائد استثمارات وودائع مثلا) من جراء انخفاض سعرها، وهناك مشكلة المضاربات.
هناك اقتصاديون وغير اقتصاديين ما زالوا يرون أن العودة إلى نظام أسعار الصرف الثابتة للدول الصناعية أفضل لأكثر من سبب منها ودون ذكر تفاصيل: فرض الانضباط على السلطات النقدية في الدول، منع أو تقليل المضاربات في العملات، تقليل الخسارة في التجارة والاستثمارات الخارجية الناشئة من تذبذب سعر العملة، العمل على تقوية التنسيق بين الدول في سياساتها الاقتصادية.
من المهم أن يفهم أن الثبوت في نظام أسعار الصرف الثابتة ثبوت نسبي، أي نسبة إلى عملة دولة أو مجموعة دول. مثلا الريال السعودي مسعر بالدولار، فسعره إذا ثابت بالنسبة إلى الدولار فقط، أما تجاه العملات الأخرى فهو ليس ثابتا، وإنما يتحرك معها حسب حركة الدولار. المحافظة على أسعار الصرف الثابتة تقيد حرية الدولة في تصرفاتها الخاصة بالسياسة النقدية، وتضع قيدا على الكمية المصدرة من النقود.
خصائص أسعار الصرف تقود إلى نقطة من أهم نقاط المناقشة والبحث في أسعار الصرف وهي قضية كيفية تقويم (أو تقييم) أسعار الصرف. وفقا لما سبق من خصائص هناك عدة معايير أذكر منها ثلاثة أرى أنها الأهم: المعيار الأول حول مدى مساعدة أو عرقلة نظام الصرف لسياسة الدولة في سعيها لتحقيق الأهداف الاقتصادية كاستقرار الأسعار، وتحقيق النمو الاقتصادي. المعيار الثاني متعلق بمدى مساعدة نظام الصرف على تكييف المدفوعات الخارجية، بحيث يقضي على أو يقلص عجز ميزان المدفوعات. والمعيار الأخير يعني مرونة أسعار الصرف للتكيف مع التغيرات في البيئة الاقتصادية الداخلية والخارجية.
وتبعا، تؤثر أسعار الصرف في الاقتصاد من طرق كثيرة، وأهمها تأثيرها في الواردات والصادرات والدخل الوطني (القومي) وفي وضع السياسات الاقتصادية الداخلية.