أكبر دليل على أن السيسي هو ذات نفسه أصبح" فنكوشا" هو أنه وبينما يعلن بذات نفسه عن قرارات مؤتمر شباب الفنكوش. هطلت الأمطار وسالت أودية ثم جاءت عاصفة تلتها سيول حولت شرم الشيخ المدينة المفضلة لكل المستبدين في مصر إلى ركام لم يستطع معه السيسي أن يحرك ساكنا فالتزم الصمت واختبأ وترك الباقي لعصابته، ولم يجرؤ على الخروج من مبيته ليواجه شعبه بالحقيقة المؤلمة وهي أنه غير قادر على إدارة أزمة بحجم أمطار وسيول.. فما بالك بدولة عظيمة كمصر؟
غرقت مصر في "شبر ميه"، هذا هو المانشيت الذي نقرأه منذ سنوات فما الجديد؟ الجديد هذا العام أن صحف الانقلاب استثمرت الفرصة وكالعادة لا لتفضح النظام وتعريه ولكن لتعلن أن الحكومة فاشلة وأن السيسي هو المنقذ. فقد قرر السيسي تخصيص 100 مليون جنيه لصالح الضحايا ولإعادة إعمار ما قد تهدم. وكأن السيسي صرف الأموال من جيبه أو جيب أبيه، وكأنه ليس مسؤولا عن تشكيل الحكومة، وعن غياب خطة واضحة للتعامل مع الأزمات والكوارث ومع الأمطار والسيول المعلوم سلفا موعد هطولها.
تكررت أزمة الأمطار والسيول رغم أنها نادرا ما تقع وعادة لا تستمر سوى لأيام قليلة وربما ساعات ولكن رغم ذلك فشلت حكومة الانقلاب في التعامل معها، والسر هنا لا يكمن في غياب الإمكانات كما يزعم البعض فلدينا المليارات في جيوب الأجهزة المسماة بالسيادية بدءا من الجيش ومرورا بالمخابرات وانتهاء بالمخابرات الحربية، ولكن المسألة هي مسألة مبدأ وهو أن السيسي لا يرى أن الشعب يستحق بذل أي مجهود لإنقاذه بل إنه ينظر إلى الشعب شذرا ولا يستحي في كل مناسبة أن يحمل الشعب وزر أخطائه الكارثية.
يعتقد السيسي أن هذا الشعب لا يستحق الحياة، فلم يحزن ولم يعلن الحداد على شهداء قارب الموت في رشيد، ولم يعلن البلاد التي أصابتها السيول مناطق منكوبة، ولم يخرج على الشعب معزيا ولا متضامنا وكأنه يخرج لسانه للناس قائلا: أنتم تستحقون من الله أكثر مما أنتم فيه الآن.
لايستحي الجنرال أن يذكر الناس بأنهم هم من نادوا عليه واستعطفوه وحملوه على الأكتاف وعليهم أن يتحملوا نتيجة اختياراتهم. هو قال لهم منذ البداية سترون أياما سوداء معي فأصروا هكذا يرى السيسي أنه حذر شعبه قبل أن يختاروه، ولكنه ينسى أنه وقبيل ترشحه وعدهم بالمن والسلوى كما يعدهم أحمد موسى بوق النظام حاليا بالذهب والياقوت والمرجان في مقبل الأيام، وكأن شعب مصر قد سرقت ذاكرته أو دمرها فيروس حتى ينسى فشل السيسي في الوفاء بأي وعد من وعوده.
قارن بين صمت السيسي واختبائه في جناح فندقه الفخم في شرم الشيخ وبين رئيس وزراء إيطاليا الذي وبمجرد حدوث الزلزال المميت والذي ضرب بقوة غير معهودة، كيف خرج هذا المسؤول الإيطالي الشاب ليواجه شعبه بشجاعة معلنا أن الدولة مسؤولة عن الجميع وأنها لن تتأخر وستوفر الأموال اللازمة للمتضررين، ولكن قبل أن يخرج المسؤول الإيطالي كان لدى حكومته خطة إخلاء.. لذلك فحتى كتابة هذا المقال لم تسجل حالة وفاة واحدة في المناطق المنكوبة وكل ما جرى هو إصابات ناهيك عن الدمار الذي أحدثه الزلزال. لكن يبقى الإنسان هو القيمة العليا لأي بلد محترم والهدف الرئيس لأي خطة في بلد تحترم وتقدر شعبها.
في مصر الانقلاب تم التحذير من وقوع سيول وحدوث فيضانات وزعمت حكومة النقلاب عبر أحد وزرائها أنها مستعدة هذا العام أكثر من أي وقت مضى، وفجأة جاءت الصور لتكذب الجميع وتظهر أن الانقلاب ليس لديه سوى خطة واحدة وهي خطة تدمير مصر وتفاصيلها تكمن في اعتقال الشباب وقتلهم، وسجن الشيوخ وتدميرهم، ونهب خيرات مصر وتحويل أموالها وخيراتها إلى خارجها استعدادا لساعة الرحيل التي أراها تقترب أكثر من أي وقت مضى.
حادثة السيول ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.. ففي شبه الدولة يحدث مثل ذلك وأكثر، ثم يخرج علينا من يحمّل الشعب وزر عدم الصبر على ابتلاءات الرب، حتى تكاد وأنت تشاهد معلقي قنوات الانقلاب أن تقول: ما لهذا الشعب الخفيف الذي لا يتحمل شوية كوارث طبيعية؟ أو تشاهد آخر يقول وبمنتهى البجاحة: "هو السيسي هيعملكوا إيه؟ يا جماعة دي جاية من عند ربنا".. وآخر يقول: "احمدوا ربنا مش أحسن ما كنا نبقى زي سوريا والعراق؟".