أوقفت المملكة العربية
السعودية دعمها المالي للسلطة الفلسطينية منذ ما يقارب السبعة شهور.
ونقلت مصادر لـ "
عربي21" أن رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله أكد، الإثنين، خلال لقائه مع عدد من الخبراء الاقتصاديين في رام الله، "توقف السعودية بشكل مؤقت عن دفع التزاماتها المالية نحو
السلطة من تاريخ 31 آذار/ مارس المنصرم".
وكان محلل الشؤون العربية بموقع "واللا" العبري "آفي يسسخروف" كشف قبل أيام عن وقف السعودية للمساعدات المقدرة بعشرين مليون دلارشهريا، ما يجعل المبلغ الإجمالي المقطوع يصل إلى 140 مليون دولار.
وأوضح "يسسخروف" أن السلطة حاولت الاستفسار عند السعودية عن أسباب هذا التوقف، غير أنها قوبلت بالتجاهل السعودي، فيما لم يصدر أي بيان رسمي من السعودية أو فلسطين حول الموضوع.
وحاولت "
عربي21" الاتصال بوزارة المالية الفلسطينية للتعليق على الحدث، غير أن أيّا من مسؤوليها لم يوافق على الحديث.
فلسطين في قلب التغيرات الإقليمية
ورأى الخبير الاقتصادي الفلسطيني جعفر صدقة أن التطورات التي تعصف بالإقليم، ترجح السيناريو الذي يقول إن السعودية أوقفت الدعم المالي، ضمن مساعي الرباعية العربية لإعادة ترتيب التوازنات والعلاقات الداخلية الفلسطينية.
وأضاف صدقة لـ "
عربي21" أن القضية الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية، مجبرة أن تكون في قلب التغيرات الإقليمية الجارية، بحيث تقترب من دول وتبتعد عن أخرى، بحكم الأمر الواقع، وهو ما قد يؤثر على الدعم المالي.
واستبعد صدقة أن تسمح السعودية بانهيار الوضع المالي للسلطة الفلسطينية، مستشهدا بتوقف الدعم السعودي سابقا لشهور عديدة، قبل أن تعود المملكة وتدفع ما كان عليها من التزامات.
غير أنه استدرك: "من المعروف أن المال الذي يصل السلطة هو مال سياسي مشروط بالتزامات مقابلة، وإذا ما توجهت العلاقات بين السعودية والسلطة الفلسطينية إلى مزيد من التوتر، فلماذا ستدفع السعودية إذن؟".
وتشكل
المساعدات الخارجية ما يقارب ثلث ميزانية السلطة الفلسطينية، بينما تشكل الإيرادات الداخلية وعائدات الضرائب التي تتحكم بها "إسرائيل" باقي الموازنة.
وبيّن صدقة أن توقف المساعدات يعني ببساطة عجز السلطة عن الوفاء بكثير من التزاماتها، لا سيما وأن قطاع الرواتب يستهلك كل الإيرادات والضرائبالداخلية الفلسطينية، بينما تنفق السلطة على باقي القطاعات من أموال المساعدات.
ولفت إلى أن استمرار الوضع على حالته الراهنة يعني الخروج بفجوة مالية في نهاية العام، قيمتها التقديرية 600 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني، ما يرجح انفجار الأزمة المالية في وجوه الفلسطينيين مجددا، كما حصل حينما أوقفت الاحتلال دفع أموال الضرائب بداية هذا العام، وفي عام 2012.
محاولة للتخفيف
وحاول سفير فلسطين لدى السعودية بسام الأغا، التقليل من قيمة وقف المساعدات، حيث قال في حديث لإذاعة صوت فلسطين اليوم إن "ما يحدث هو تغير أو تأجيل مؤقت لصرف المساعدات دفعة واحدة".
وأضاف: "المساعدات ربما تتأخر، وذلك لا يعني على الإطلاق أنها وقفت أو منعت، هذا كلام لا أساس له من الصحة" مؤكدا أن "فلسطين لا تنظر للسعودية على أنها خزينة مال، بل دولة ذات مكانة عالية، وتربطنا بها علاقات تاريخية قوية وراسخة".
عصا المساعدات
من جهته أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي، أن السعودية ومعها الدول الثلاث التي تشكل الرباعية العربية (مصر والإمارات والأردن) ترى أن الأموال التي تدفعها يجب أن تترافق مع إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، لا سيما عودة القيادي المفصول من فتح
محمد دحلان، واحتواء حماس.
وشدّد على أن الموضوع لا يتعلق بشخص محمد دحلان أساسا، بل بالمشروع الذي تريد السعودية وعدد من النظم العربية ترسيخ جذوره، وتبدل من أجله وجوه السلطة المختلفة.
وتابع الشوبكي في حديث لـ "
عربي21": "كثير من النظم العربية ترى في القضية الفلسطينية نقطة توتر تؤدي إلى عدم استقرار حكمها، وهي تسعى إلى تشكيل القيادة الفلسطينية بما يتناسب مع سياساتها الهادفة إلى هدوء الساحة الفلسطينية وعدم انفجارها في وجه الاحتلال".
وأشار إلى أن "أموال المساعدات لطالما استخدمت في الضغط السياسي، مرة على اعتبار أنها جزرة، ومرة عصا، وهذه المرة من الواضح أنها تستخدم عصا في وجه السلطة" وفق تقديره.
وبين الشوبكي: "القوى الداعمة لن تترك السلطة حتى تنهار نهائيا، ولكنها تريد أن توجه لها رسالة واضحة بأن خطرا حقيقيا يهدد وجودها في حال عدم الاستجابة لشروطها".
واستبعد أن تستطيع السلطة تعويض توقف هذا الدعم، خاصة مع معاناتها من الانكشاف بسبب ارتهانها للدعم الخارجي، قائلا: "السعودية توقف الآن دعمها، والإمارات راعية دحلان، ومن المستبعد أن تقدم أي دعم، وهناك نكوص غربي وعربي عن المساعدات".