أثار إعلان رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق سامي صرصور، حول تقديمه لاستقالته قبيل تأديته للقسم القانوني صدمة، وموجة سخط واسعة من قبل المنظمات الحقوقية الفلسطينية، لأنه كشف عن كيفية هيمنة رئيس
السلطة الفلسطينية على القضاء والمحاكم.
وكان صرصور قد أقيل من منصبه في 13 تشرين أول/ أكتوبر الحالي إثر خلاف مع عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، اللواء توفيق الطيراوي، ورئيس السلطة
محمود عباس.
وقال صرصور في تصريحات نقلتها وكالة "قدس برس" للأنباء، إنه وقّع على ورقة استقالته قبيل تعيينه رئيسا لمجلس القضاء الأعلى، وذلك في الـ20 من كانون الثاني/ يناير بداية العام الحالي.
غضب حقوقي كبير
وقالت أكثر من 17 منظمة حقوقية فلسطينية في بيان مشترك، إنها ترى في توجيه طلب "الاستقالة المسبقة" للمستشار صرصور مخالفة دستورية، معلنة رفضها للتدخل في القضاء من أي طرف كان.
وأضاف بيان المنظمات الحقوقية: "إن الطلب من رئيس مجلس القضاء الأعلى، تقديم استقالته في لحظة التعيين، أو في أي وقت آخر لاحق، يؤشر إلى وجود نية واضحة لتدخل خطير، من قبل أطراف متنفذة في السلطة التنفيذية في عمل الجهاز القضائي، ويمس باستقلالية القضاء، ويفرغ منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى من مضمونه واستقلاله".
وانتقد البيان قبول المستشار السابق لتقديم الاستقالة المسبقة، وقال "إن قبول رئيس مجلس القضاء التوقيع على هذه الاستقالة يعتبر رضوخا للسلطة التنفيذية مسبقا وقبل تنصيبه هو تقويض لاستقلال القضاء، ويعتبر رضوخا للسلطة التنفيذية، وموافقة مسبقة على التدخل بشؤون القضاء".
وطالبت المؤسسات الحقوقية بمحاسبة جميع الأطراف، التي تورطت في طلب الاستقالة من المستشار لحظة تعيينه، لضمان عدم تكرار ما حصل، إضافة لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لفحص فرض الاستقالات المسبقة من قبل السلطة التنفيذية، على من يتولى مناصب مستقلة وذات حصانة.
وحاولت "
عربي21" الاتصال برئيس المحكمة العليا، والمستشار السابق "المُقال" سامي صرصور، لكنه لم يستجب، كما أنها حاولت الاتصال بمكتب رئيس المحكمة العليا والمستشار الحالي الذي عينه رئيس السلطة عباس، وبعد طلب مكتبه معاودة الاتصال به في وقت لاحق، فإنه لم يستجب للاتصالات المتكررة.
رغبة في السيطرة على السلطة القضائية
من جهته، قال المفوض العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" عمار الدويك، في تصريحات خاصة بـ"
عربي21": "إن ما حصل مع المستشار صرصور يعكس رغبة في الهيمنة، وعدم قبول وجود رقابة قضائية فاعلة ومستقلة على عمل السلطة التنفيذية. كما أنه يعكس حالة من عدم الثقة بين المؤسسات الفلسطينية، وغياب تقاليد العمل المؤسسي".
ووصف المفوض العام ما جرى بأنه أضعف ثقة المواطن بالقضاء، "المهزوزة أصلا"، وقال:" أمام القضاء شوط كبير الآن لاستعادة هذه الثقة، خاصة في القضايا التي تكون السلطة التنفيذية فيها خصما".
وأضاف الدويك أن ضرب الثقة بالقضاء، ستكون له نتائج سلبية ووخيمة على مجمل النظام السياسي الفلسطيني.
وأشار أيضا إلى أن غياب البرلمان الفلسطيني له تأثير كبير بالقول: "لم تعد هناك مؤسسات كثيرة يمكن للمواطن اللجوء إليها في مواجهة السلطة التنفيذية، ومن ثم فإن إضعاف السلطة القضائية المتزامن مع تعطيل البرلمان، يعني انسداد الطرق الديمقراطية السلمية أمام المواطنين للمطالبة بالتغيير والحصول على حقوقهم".
استبعاد صرصور من أية عملية إصلاح
وطالب الدويك باستبعاد المستشار السابق "سامي صرصور" عن أي عملية إصلاح قضائي ممكنة في المستقبل، وعدم دعم مطالبه بالعودة إلى منصبه، إضافة إلى استبعاد القضاة من داخل الجهاز القضائي الذين "يستقوون بالسلطة التنفيذية وأجهزتها المختلفة في خلافاتهم الداخلية".
ويرى الدويك أن المشكلة الأساسية هي الخلاف داخل الجهاز القضائي ذاته "ما أضعف القضاء أمام السلطة التنفيذية، حتى إنه استدعى تدخل السلطة التنفيذي في عمل القضاء".
وختم المفوض العام حديثه بالقول "إن تحالف مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، سيقوم بتقديم تصور شامل لإصلاح الجهاز القضائي".
وقالت مصادر خاصة لـ"
عربي21"، إن الدائرة القانونية للرئيس الفلسطيني محمود عباس بررت -في أحاديث جانبية مع بعض الحقوقيين- إجبار المستشار السابق على توقيع ورقة استقالته قبل تعيينه، بأن الرئيس لم يكن ينوي ترشيح صرصور لهذا المنصب، بسبب "عدم كفاءته"، ولكن وجوده كنائب لرئيس المحكمة العليا هو ما حتم عليه اتخاذ مثل هذا القرار.
وأضاف المصدر أن الورقة جاءت كي يرفض صرصور قبول المنصب، ولكنه فاجأ الرئيس الفلسطيني بقبولها والتوقيع عليها.