هل يمكن أن يتهم سائق التوك التوك بمحاولة اغتيال السيسي؟ فتكون المحاولة الثالثة؛ إذ إن السيسي نجا من محاولتين كما زعم ونجا!
هناك أمر أساسي في مصر انقلب قلبا، وتعرض لنكبة ويحتاج إلى تصويب، سأشير إليه في متن المقال، وليس لكم إلا الصدق والصبر كما قال طارق بن زياد، والصدق قاتل والصبر مر، وما بعد الصبر إلا الفرج، وقد جعل الله مع العسر يسرين. مصطفى كان يخطب مثل طارق بن زياد، أصلا هناك باحثون برهنوا أن طارق بن زياد لم يخطب، وخطبته موضوعه، مثل معظم كتاب نهج البلاغة الذي يقال إن الشريف الرضي وضعه. فطارق بن زياد بربري لم يكن يتقن العربية. ولو كان السائق مصطفى من بلاد فارس لكان المهدي المنتظر فكل الفيديوهات الشجاعة التي ظهرت بعد خطبة التوك توك الفاصلة، والتي تتوعد السيسي، يُشك في مكان تصويرها!
ذهب أصدقاء مصريون معارضون للانقلاب وأكلة الكباب، وتربية ذئاب الإرهاب، إلى أن سائق التوك توك، مؤامرة مخابراتية للإلهاء، مثله مثل قصة أحمد زكي في فلم الهارب. وهناك تقارير متضاربة بعضها يقول إنه هارب، وأخرى تقول إنه ضيف عند الداخلية، قد لحق بـ"بتوع الأتوبيس"، وربما يتهم بعضهم مصطفى، وقد بات كَأنّهُ عَلَمٌ في رأسِهِ نارُ، وأن السيسي إذا نَشتوا لَنَحّارُ ، نَحّارُ للشعب وليس للعير والجزور، بأن توك توكه من الجيل الرابع! وقال إعلاميو السيسي إن السائق دحم بتوك توكه القصر الجمهوري، إخواني وصاحب محل كومبيوتر، وقميصه بوستر. وسقف توكتوكه مبطن بالذهب والحرير! لكني أظن أنه صادق وعفوي، وخطبته مترعة باللوعة، وقد يخرج بعد غد على برنامج، ويعترف أنه مع السيسي، ويمارس نكاح التوك توك، وأنه قال ما قال في لحظة حماس أو لحظة فتح. وكان السائق قد خطب خطبة قال فيها أقوالا تذهب مثلاً، مثل "مصر في التلفزيون فيينا، وفي الواقع بنت عم الصومال"، ولم يذكر الرجل الحائز على دكتوراه في علوم التوك توك، السيسي المعظم المقدس بسوء، وإنما اتهم التجار، وفي سورية تتهم السلطة التجار دائما بأنهم سبب الفساد، لأن التجار هم من أهل السنّة الأشرار، والشبيحة هم الملائكة.
ولم يذكر السائق سوى التعليم والصحة والطعام، لم يذكر الديمقراطية، ولم يذكر رابعة، ولم يذكر ثورة يناير، الرجل عنده أكثر من ثلاثة فلاتر، والعارفون يعرفون عين اليقين أن الخبز كمطلب سيليهِ قائمة من أنواع الطعام، فيها اللحمة، والهدمة.. وستصل إلى الكرامة والقمّة. وتسري أخبار أن السائق الذي هبط على مصر من كوكب باندورا هرّب أهله خوفا عليهم، وكنا في سورية نراقب أحوال الخبز الذي اسود وجهه، وصارت له طبقات اجتماعية مثل طبقات الهندوس، خبز عنترة وخبز عمارة بن الزياد. ورأيت تقريرا إخباريا مصريا ورد فيه أن الخبز الذي يسميه المصريون ببلاغتهم الفطرية "العيش" يخلط بالتراب، ويخشى أنه يخلط بمواد أسوأ من التراب ومسرطنة والعياذ بالله، فالشعب كتير، والسيسي ضائق بهم ذرعا وبطنا، فهو يؤكد في كل حديث أنه يجري على تسعين مليونا، الرجل رب أسرة عملاقة... دكر.
الشعب المصري هو قلب الأمة، لذلك سلموا أم الدنيا الذي صار اسمها الثاني بنت عم الصومال للسيسي. وهو يطرح نفسه بطلا للاستقلال من احتلال الإخوان المسلمين لمصر في ثورة يناير المنكوبة: هو أحمد عرابي الثاني أو سعد زغلول السيسي. وكان الإخوان قد نزلوا من أجل الغنائم، فخسروا المعركة. كما خسر المسلمون معركة أُحد، لكن القراءات العادلة ترى أُحد نصرا ودرسا، وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى.
دعا عضو مجلس شعب سوري، إلى إعدام المعفشين، ولأنه سني بالولادة، دسَّ رشوةً فكرية في دعوته، حتى يوازن الكفة، فلا أحد يستطيع أن يقترح فكرةً للرئيس إلا ويقدم لها كبشا أو قربانا من السنّة أو القرآن عملا بقوله تعالى مقلوبا: (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً)، فتذكر للمذيع معركة أحد، وزعم أن المسلمين وهم صحابة فاضلون، نزلوا من أجل السرقة، نعم قال السرقة، ولم يقل الغنائم، فسكت المذيع، والسكوت علامة الرضى غالبا، وأحيانا علامة البهائم، ولم يعترض، كأن يقول إن الصحابة خالفوا أمر النبي، وإنها معركة بين جيشين، وليست بين جيش وشعب مدني، فلم ينزل المسلمون لينهبوا بيوت مكة، إذ كانت تجري عند جبل أحد وفوقه وتحته، وإن اسم المتاع في الحرب على جبل أحد :غنائم.
لقد خرج سائق توك توك عن النص، ووفرَّ السكر لتسعين مليون بخطبته السكرية، واقتحم القصر، والسيسي هو الوحيد الذي يحق له الخروج عن النص، وهو يختم كل خطبه بجملة، مثل دعاء المجلس: "تحيا مصر" ثلاثا، فينال التصفيق، وكان السيسي قد قال في لقاء مع "الأستاذة" لميس، فهو يلقبها بالأستاذة لأمرين: إنه يرفع من شأنها كي يرفع من شأنه، والثاني إنه ينظر بعين الهيبة لكل مذيع تلفزيوني، ويحبُ الظهور على الشاشة حتى يقول لزوجته: شفتيني في التلفزيون، فهو يحب الصورة ويعشق الظهور. قال وقتها مستشهدا بحديث ضعيف :وعزتي وجلالي لأرزفن من لا حِيلة له، حتى يتحيَّرَ أصحابُ الحِيَل". وهو صاحب حيلة قوية وإن كان عيييا في الكلام والخطب والمنطق، واحتال على الشعب المصري وباعه "القطر" أي القطار، كما بيع للصعيدي، والغريب أنه يستخدم أحيانا عبارات مثقفين مثل "العقل الجمعي" و"إرهاص" الذي نسب لمصطفى الفقي، وأظن أن الفقي قد طرب لذكر اسمه في خطاب الرئيس، وكما قيل عن أبي تمام أنه كان مدّاحة نوّاحة، فقد يقال عن الفقي إنه كان مصّاصة رهّاصة.
الأمر الذي وعدنا بكشفه للقارئ: هو أن أكبر حزب معارض في مصر دائما، كان حزب النكتة، كما قال جمال حمدان، وقد قضي عليه، فقد صار الحاكمون هم النكتة، وتحول الشعب إلى التراجيديا ومثل ذلك سائق التوك وخطبته العصماء، وقد اختفى في ظروف غامضة مثل "أبو الفتوح" وحزب حمدين صباحي، عن المشهد السياسي.
السلطة حاليا تلعب دور المعارضة بالنكتة: فهم يزعمون أن الإخوان يدبرون غزو مصر بالتكاتك، كما زعموا من قبل أن الإخوان احتلوا الأندلس، وأن أبا جهل كان إخوانيا، ومثل ذلك أن السيسي، وقد صار معارضا، بدليل معادلة جمال حمدان في حزب المعارضة، قال: إن كثيرا من الناس ألحدوا، ولكن لم يخرجوا من دائرة الإيمان، وقال أيضا ما تكلوش وما تشربوش وما تخلفوش قالها من قبل.. ووجه التحية للملائكة، وهو يجمع لها النقطة، وقال احنا نأخذ من مصر بما يرضي الله، فهي غنيمة، والغنيمة غير السرقة. وقال محمد عابد الجابري إنّ الدولة العربية هي إما دولة قبيلة وإما دولة غنيمة. وقد أضاف لها العسكر دولة الهبيلة، أما السائق الذي أغرق تويتر والعالم بالسكر، واختفى مثل برنامج عمرو الليثي في ظروف غامضة، فقال عن أم الدنيا:
- إنها بنت عم الصومال
- مالها؟
- عايز أتجوزها
- اللي ح يقرب لها ح شيلوا من وش الأرض.
لقد ألحد السيسي سياسيا لكنه لم يخرج من دائرة الحكم. و"لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ".