أثارت طبيعة تجاوب فصائل
المقاومة الفلسطينية مع سلسلة الاعتداءات الأخيرة لقوات الاحتلال على قطاع
غزة، فضولا لدى المتابعين للوقوف على أسبابها، ومناقشة قدرتها على التعامل مع الاستفزازات
الإسرائيلية ضمن الإمكانات المتاحة والظرف الإقليمي المعقد.
فمنذ انتهاء العدوان الأخير على القطاع، يبدي الاحتلال رغبة في جر المقاومة تجاه حرب مفتوحة؛ وما يدعم ذلك، شنه العديد من الهجمات بواسطة مقاتلاته ومدفعيته المتواجدة على حدود القطاع، واستهدافه مواقع خاصة بالمقاومة، كان آخرها ما نفذته مقاتلات إسرائيلية ضد مواقع في غزة لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس".
وتعد الهجمات الأخيرة أمس هي الأكبر من نوعها منذ انتهاء عدوان 2014، وشهدت رد فعل من المقاومة أقل مما اعتادت عليه ضد قوات الاحتلال المتواجدة على الشريط الحدودي، والمستوطنات المحاذية له.
ويسعى الاحتلال الإسرائيلي في كل مناسبة يقدم فيها على قصف غزة إلى الحديث عن تحقيقه قوة ردع ضد فصائل المقاومة، الأمر الذي تؤكده تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرئيلي غادي آيزنكوت.
إذ صرح آيزنكوت في أكثر من مناسبة قائلا إن القصف الإسرائيلي في غزة يستهدف تحقيق "وضع أمني أفضل للبلدات الإسرائيلي".
لكن في المقابل، لفت محلل فلسطيني في حديثه لـ"
عربي21" إلى أن القدرات الصاروخية لفصائل المقاومة تحقق وضعا أمنيا للفلسطينيين، على الرغم من ظروف الحصار الخانق، وحرمان القطاع من أبسط المقومات الحياتية.
فمن جهته، أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح في نابلس الدكتور عبد الستار قاسم، أن حديث الاحتلال عن تحقيق قوة ردع تجاه المقاومة في غزة حديث "غير واقعي".
وشدد في حديثه لـ"
عربي21"، الخميس، على أن ردود المقاومة حاليا إنما هي "رسالة للاحتلال بأن قوة الردع لا يمكن تحقيقها، على الرغم من الظروف العصيبة التي يمر بها القطاع".
وأكد أن فصائل المقاومة "تمتلك قوة صاروخية كبيرة يمكنها أن تطال مناطق كبيرة في عموم فلسطين، وباستطاعتها إيذاء إسرائيل وتحقيق خسائر".
ولفت إلى أن إسرائيل "تدرك حين تذهب إلى حرب مفتوحة أنها لن تحقق انتصارا"، مشيرا إلى أن "جل ما ستقوم به هو التدمير بسبب الترسانة الهائلة من الأسلحة المدمرة التي تمتلكها مع تلقيها ضربات مؤذية من جانب المقاومة في عمقها الاستراتيجي".
لكن قاسم قرأ من خلال طبيعة الرد الأخيرة للمقاومة على الاستفزازات الإسرائيلية أن "المقاومة على الرغم من امتلاكها مخزونا صاروخيا، إلا أنها لم تسترد عافيتها بعد عداون 2014"، مضيفا أنها "تسعى بالطرق كافة الآن إلى إعادة ترميم ما تضرر في تلك الحرب، لذلك تتجاهل كثيرا من استفزازات الاحتلال لتقوم بترتيب لجولة تكون فيها أكثر أريحية من ناحية التسليح".
وعلل هذا الرد بأن فصائل المقاومة تتعامل بـ"عقلانية ورشد" مع الاستفزازات الإسرائيلية التي تهدف لمزيد من التدمير في القطاع، لذلك "تحسب حساباتها جيدا في الردود، بانتظار ظروف أكثر ملائمة".
"تخاذل العرب"
وأشار إلى أن طبيعة الرد تختلف بحسب معطيات عدة مهمة، في ضوء الوضع العربي تجاه القضية الفلسطينية الذي قال عنه إنه "أصبح مهترئا أكثر من السابق، وبات الفلسطينيون يدركون أن المواجهة مع الاحتلال أصبحت مهمتهم وحدهم، بعد أن ثبت وقوف دول عربية مثل مصر والإمارات ضدهم في الحرب".
وتابع القول: "لذلك فإن الفلسطينيين يدركون أن الظرف الحالي لا يخدم فتح مواجهة شاملة مع إسرائيل، لأن جزءا كبيرا من الضربة سيأتيهم من العرب المتعاونين مع إسرائيل".
وشدد على أن الحصار الذي يعاني منه القطاع اليوم جعل فصائل المقاومة "تدقق في حسابات المواجهة مع إسرائيل ليس خوفا منها، ولكن تقديرا لمصالح الشعب الذي يقف معها في المعارك التي تخوضها".
وأضاف أن قطاع غزة "لا يحتمل حاليا أي حرب مفتوحة مع إسرائيل، في ظل تباطؤ الإعمار وقطع الكهرباء".
ولفت إلى أن كل هذه المعطيات تضع أمام المقاومة مسؤولية كبيرة، "لكنها في المقابل لا تسمح للاحتلال بالتمادي في توجيه ضربات تجاه غزة"، على حد قوله.
وعلى الرغم من حديث قاسم عن "تقديرات المقاومة للظروف الصعبة في القطاع وحساب كيفية ردودها"، إلا أنه أشار إلى أن "الفصائل ربما تلجأ في لحظة ما إلى رد قاس جملة واحدة على الاعتداءات الإسرائيلية".