كتاب عربي 21

عن الطابع السرّي للاتفاق الأمريكي-الروسي في سوريا

علي باكير
1300x600
1300x600
السريّة خلال مراحل التفاوض أمر مطلوب ومفهوم، وتكاد تكون ربما القاعدة الأولى لإنجاح أيّة مفاوضات لاسيما عندما تدخل مرحلة حرجة، إذ لا يمكن ضمان نجاح مفاوضات من خلال خوضها عبر وسائل الإعلام وعلى صدر صفات الصحف وفي الفضاء العام، هذا أمر مفهوم. لكن في الوقت الذي يتمّ التوصل فيه الى الاتفاق، يصبح تظهير الاتفاق أو الطابع العلني له شرطاً أساسيّاً ليس لإثبات نجاح المفاوضات فقط أو لإلزام الأطراف بما ورد فيه، بل لإطلاع المعنيين به والرأي العام على تفاصيله أيضا.

في الحالات المتمثّلة بمعظم المفاوضات التي خاضتها إدارة أوباما في أكثر من ملف على المستوى الدولي خلال السنوات الماضية، غالبا ما يكون الطابع السري جزءًا أساسياً لا من التفاوض وحسب، وإنما من الاتفاق نفسه! الهدف من هذا السلوك واضح جدا كما ثبت خلال السنوات الماضية، فهذه الإدارة تتلاعب بالحقائق، وتحاول خديعة الرأي العام، وتخفي تنازلاتها غير المبررة لخصومها بشكل متكرر ومستمر بما يؤذي حلفاءها بالدرجة الأولى ويفاقم من تراكم الأزمات والمصاعب.

شهدنا هذا الأمر مرارا وتكرارا في تعاملات إدارة أوباما مع نظام الملالي في إيران ومع النظام الروسي لدرجة دفعت عدداً كبيراً ممّن عملوا فيها خلال مراحل متعددة إلى الإعتراض على هذا الأسلوب، من بينهم وزراء لاسيما في الخارجية والدفاع، ناهيك عن مسؤولين في الخارجية والاستخبارات.

في 10 سبتمبر، تمّ التوصل إلى اتفاق أمريكي-روسي حول سوريا، لكن تفاصيل الاتفاق لم تخرج أبداً إلى العلن حتى هذه اللحظة. ما تمّ الإعلان عنه هو بعض العناوين العريضة لهذا الاتفاق بالإضافة إلى بعض الدلائل التي تشير إلى ما ورد في نسخة مسربة سابقا في 13 يوليو 2016 في الواشنطن بوست. خلال الأسبوع الماضي، كنت قد تساءلت في مداخلة عمّا إذا كان هذا الاتفاق يتضمن تفاصيل سرّية موازية أو أنّ هناك بعض البنود التي تمّ الموافقة على إبقائها سريّة فيه. لم يتأخر الجواب كثيراً، إذ سرعان ما طالب وزير الخارجية الروسي بجعل تفاصيل الإتفاق علنيّة، وهو الأمر الذي رفضته إدارة أوباما، ما يعني أنّ الاتفاق برمّته سرّي بالنسبة لها! في باب الذرائع التي أوردتها وزارة الخارجية الأمريكية لرفض نشر الاتفاق، تم التركيز على ذريعتين أساسيّتين؛ الأولى هي "الخوف من الاستغلال الخاطئ للنص أو التفسير الخاطئ له خاصة مع وجود بعض المواضيع الحسّاسة فيه" كما أعلن المتحدّث باسم الخارجيّة مارك تونر. أمّا الذريعة الثانية فهي الخوف من أن يجعل ذلك "مجموعات المعارضة في موضع خطر"!

هذه الذرائع في حقيقة الأمر تشير من خلال التحليل إلى وجود تنازلات تخشى إدارة أوباما من أنّ جعل النص علنياً أو الكشف عن التفاصيل سيضعها في موقف حرج أمام حلفائها وأصدقائها وأمام الشعب السوري أيضا. لكن حتى لو سلّمنا جدلاً بأنّ هذه الذرائع صحيحة، فما الذي كان يمنع إدارة أوباما من إطلاع حلفائها على الأقل على تفاصيل الاتفاق، سواء من الغربيين أم الإقليميين؟

التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الفرنسي "جان مارك إيرو" تشير بشكل واضح تماماً إلى أنّ إدارة أوباما لم تقم حتى بإطلاع حلفائها الغربيين على نص الاتفاق، وهذا تصرّف مخيف للغاية في حقيقة الأمر. بمعنى آخر، الجانب الأمريكي يريد من جميع الحلفاء ومن المعارضة السورية الالتزام بشيء لم يطّلعوا عليه أو يعرفوا ماهيته، وسلوك الإدارة الأمريكية خلال السنوات الخمس الماضي لا يبعث على الثقة، فإن كانت إرادة هذه الإدارة طيلة هذه المدّة مثار شك، فقد أصبحت نواياها مؤخرا مثار شك أيضاً.

من غير الواضح ما هي ذرائع هذه الإدارة في عدم إطلاع حلفائها على نص الإتفاق، ربما قد تطلعهم عليه بعد انهياره أو عند فوات الأوان أو ربما على دفعات، لكن ما نعرفه جيدأ أنّ الإدارة نفسها منقسمة إزاء ما ورد فيه، وقد بادر أوباما إلى جمع المستشارين والوزراء المعنيين لتوجيههم بهذا الخصوص.  

البنتاغون الذي لطالما نفّذ الشق السيئ من طروحات أوباما في سوريا سابقاً اعترض على هذا الاتفاق لكونه يضع التكتيكات العسكرية الأمريكية وطريقة استهدف الجماعات الإرهابية والأمور اللوجستية المتعلقة بجمع المعلومات وتشاطرها في يد روسيا التي من المفترض في أحسن الأحوال أنّها خصم للولايات المتّحدة على المستوى الدولي.

عموما، فإن الإصرار على إبقاء نص الاتفاق سرّياً يؤكد الشكوك أنّ لدى هذه الإدارة ما تخفيه وتخشى الإفصاح عنه بالتأكيد، إعطاء النص صبغة سرّية لن يعفي هذه الإدارة من تحمّل التبعات التي ستنجم عنه والتي لا يبدو حتى الآن أنّها إيجابية. وما يراهن عليه ربما البنتاغون أو غيره من اللاعبين هو فشل الهدنة وعدم الالتزام بالخطوط العريضة بشكل يقوّض الاتفاق برمّته. عموماً لن نضطر إلى الانتظار طويلا للكشف عن النوايا الكامنة وراء إبقاء الأمر سرّياً على ما يبدو، سيما أنّ هناك مساعي بموازاة ذلك لإطلاق العملية السياسيّة من جديد، وحينها ستصبح الأمور أكثر وضوحاً.
0
التعليقات (0)