قضايا وآراء

هل تغيّر الثورة السورية أساليبها؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600
ثمّة آراء بدأت تظهر داخل قيادات العمل الثوري العسكري في سوريا تطالب بتغيير أساليب وآليات العمل المتّبعة حاليا في مواجهة قوات نظام الأسد وحلفائه ومشغليه، وبدلا من العمل العسكري الكلاسيكي الذي يقوم على المواجهة بجيوش، أو أشباه جيوش، يطالب البعض بالتحوّل إلى أسلوب حرب العصابات الذي يقوم على مبدأ العمل في إطار خلايا صغيرة الحجم وبأسلوب الهجمات الخاطفة على مراكز الخصم ومكان تجمع قواته وخطوط إمداده، بما يضعه في حالة من الاستنفار الدائم ويجعله غير قادر على توقّع مكان وزمان الضربات التي سيتلقاها ويؤدي في النهاية إلى تشتيت قوته واستنزاف قدراته.

ويبرر أصحاب هذا الرأي، الذي بدأ يعبر عن نفسه لدى شريحة ثورية واسعة في سوريا، رأيهم هذا، بحصول متغيرات تستدعي الانتقال إلى العمل بهذا الأسلوب، اليوم قبل غدا، وأنه بات لزوما التكيف مع هذه المتغيرات حتى يتسنى الحفاظ على القوة الثورية وضمان إنجاز نتائج أفضل في سبيل إخراج سوريا من الأزمة التي علقت بها نتيجة التأخر في إسقاط النظام، ومن هذه المتغيرات:

- أن الحرب في سوريا، ونتيجة دخول روسيا على خطّها، ومن قبلها إيران وميليشياتها، لم تعد مع قوات الأسد التي تحوّلت إلى مجرد ميليشيا ضمن هذا الكم الهائل من الجيوش، كما أن منطق الثورة لم يعد ملائما لوصف هذه الحالة، والمفروض أن الثورة أنجزت هدفها بإسقاط النظام منذ أن أفقدته شرعيته وأجبرته على الاستعانة بالخارج ليتحوّل معها إلى أداة تشغيلية لأهداف ومصالح تلك الأطراف، ويستلزم هذا المتغير تعديل أساليب المواجهة بما يتناسب والأوضاع المستجدة، أي التحول إلى أسلوب مقاومة المحتل وليس الثورة على نظام، ذلك أن كل من هذين الأمرين له أساليبه وأدواته المختلفة.

- أن دول الجوار، وخاصة تركيا والأردن، التي طالما شكّلت جبهات خلفية مساعدة للثوار، سواء لجهة الإمداد اللوجستي أو لجهة التدريب والإسعاف، تتعرض اليوم لضغوطات من قبل قوى كبرى لا قدرة لها على مواجهتها من أجل إنهاء أدوارها ووظائفها في دعم الفصائل الثورية المقاتلة، وهذا الأمر بدأت تظهر علاماته في الداخل السوري، وخاصة لجهة نقص الأسلحة والذخائر، وبما أن الحرب طويلة فإنه لا يمكن الاستمرار في خوض مواجهات كلاسيكية تستنزف كما كبيرا من الذخائر التي لا يمكن تعويضها، في حين أن حرب العصابات لا تتطلب هذا الكم من الأسلحة، ويمكن بدل ذلك التركيز على أنواع محدّدة وذات فعالية أكبر، وعبر اختيار أهداف معينة ذات تأثير كبير على الخصم، كأن يتم استهداف القواعد الروسية أو مراكز تجمع قواتها، أو استهداف المراكز العسكرية لنظام الأسد التي تقع على الطرقات خارج المدن.

- ثبت أن نظام الأسد وحلفاءه استفادوا فائدة كبيرة من أسلوب العمل الذي تتبعه فصائل الثوار منذ بداية الثورة والقائم على التمركز الثابت ضمن القرى والمدن، فعدا عن كون هذا الأسلوب قد منحهم ذريعة استعمال سياسة الأرض المحروقة، وسياسات التجويع حتى الموت، فإنه ساهم في المساعدة على تطبيق سياسات التغيير الديمغرافي التي تعتبرها إيران وميليشياتها الهدف الأهم في هذه الحرب.

لا شك من التحوّل إلى أسلوب حرب العصابات، أو أي أساليب أخرى من شأنه أن يخفف من حجم الخسائر على الثوار نتيجة اضطرارهم إلى العمل في إطار هياكل عسكرية واضحة ومقار وبنى مجسّدة على الأرض، في أرض مكشوفة غالباً وسماء لا قدرة لهم بالسيطرة عليها، كما أن أسلوب حرب العصابات يساعدهم في ترشيد مواردهم وبلورتها بشكل أكثر فعالية، بالإضافة إلى أنه يلغي ذريعة استهداف المناطق السكانية، رغم أن النظام لا يحتاج لذرائع لاستهدافه المدنيين، وقد يطوّر عدّة ذرائعه ليجد التكييف المناسب لاستهداف بيئات الثوار حتى لو لم ينطلق العمل العسكري منها، لكن تبقى تلك ورقة مهمّة بيد المعارضة السياسية التي يمكنها حينها المطالبة بإعادة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم وقطع الطريق عن خطط التفريغ الديمغرافي، وإحلال سكان من بلدان مجاورة بدل السكان الأصليين كما حصل في القلمون وداريا وغيرها الكثير.

لكن أيضاً عملية التحول إلى حرب العصابات تطرح الكثير من الأسئلة التي تحتاج إجابة ملّحة من قبل أصحاب وجهة النظر هذه من نوع: هل يعني ذلك إخلاء المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة الآن؟ وإذا حصل ذلك، فهل مسموح استعادتها من قبل نظام الأسد أو من هي الجهة التي يتوجب تسليمها تلك المناطق؟ وما الضمانة في حال سيطرة نظام الأسد أن يعود المهجرون والنازحون، وما الضمانة في أنه لن يجري التنكيل بهم؟ والسؤال الأهم، كيف تعيد فصائل المعارضة، ذات الأحجام الكبيرة، هيكلة نفسها وتنظيم عملها، وكيف ستعيد تجميع قواتها، وهل ستنتشر في الصحارى والجبال؟ وكيف ستؤمن إمداد نفسها بمستلزمات البقاء والصمود؟ وأخيراً، إذا لم يكن ممكناً الاستمرار في الأسلوب القديم وثمة صعوبات في الانتقال إلى أسلوب آخر، فهل يمكن مزج الأسلوبين، حسب طبيعة الظروف والمناطق والإمكانيات؟
0
التعليقات (0)

خبر عاجل