قوبل لجوء جماعة "أنصار الله" (الحوثي) وحزب المؤتمر الشعبي العام (جناح الرئيس المخلوع علي
عبد الله صالح) إلى الشارع لتأييد خياراتهم السياسية الأخيرة، بحالة من السخرية والتهكم أبداها سياسيون يمنيون حيال عودتهما للجماهير في وقت كان فيه السلاح خيارهم في اغتصاب السلطة وإلحاق الدمار بالبلاد، وسط التأكيد على أنها تكريس للطابع المناطقي والطائفي في
اليمن.
وكان مؤيدو الحوثي وصالح قد احتفوا، السبت، بالحشود التي خرجت إلى ميدان السبعين في العاصمة
صنعاء، تأييدا للمجلس السياسي المشكل مناصفة بين الحليفين وبقيادة القيادي الحوثي، صالح الصماد.
اغتصاب السلطة بالسلاح
وفي هذا السياق، أكد السفير اليمني لدى المملكة المتحدة، ياسين سعيد نعمان، أن مشهد حشد الانقلابيين اليوم في صنعاء، لا يعبر سوى عن حقيقة واحدة تتلخص في إفراز وضع انقسامي يجري فيه الاستعانة بكل مكونات ما قبل الدولة الوطنية في جزء من البلاد عسكريا وجماهيريا لتدمير الجزء الأكبر منها كما يحدث في تعز وبقية أنحاء اليمن، وهو نتاج اغتصاب السلطة عسكريا من قبل
الحوثيين وصالح.
وقال نعمان، الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي، في تعليق نشره على حسابه بموقع "فيسبوك": "لو أن الانقلابيين أي الحوثي وصالح، يحترمون فعلا إرادة الجماهير ويؤمنون بأنها أداة للتغيير الحقيقية لما لجؤوا إلى السلاح لاغتصاب السلطة". متسائلا عن الذي يجعل صاحب الجماهير العريضة يلجأ إلى الانقلابات العسكرية وإلى استعراض القوة وتفجير الحروب؟ في تلميح منه إلى الرئيس المخلوع علي صالح.
وأضاف سفير اليمن في لندن: "ألم تكن البلاد قد حسمت أمرها بالعملية السياسية السلمية وبالحوار وبقي على الجميع الانتظار ليقول الشعب كلمته فيما تم الاتفاق عليه؟".
وأوضح السياسي اليمني البارز أنه لا مودة بالمطلق بين من وصفهم بـ"الانقلابيين" والجماهير سوى أنهم كما سخروا منها بالأمس وقمعوها بالقوة، فإنهم "يواصلون سخريتهم منها بتوظيفها في حروبهم الانتقامية بتجمعات مناطقية في تماس طائفي واضح حسب ما تمليه الحاجة العسكرية والسياسية".
ولفت إلى أن ما يحدث هو انكشاف أوراق اللعبة وأن الطائفية السياسية في الوقت نفسه كشفت عن ساقيها اللتين صنعتا طوال 35 سنة من الحكم بالخصومة تارة وبالتحالف تارة أخرى، مشيرا إلى أن ميدان السبعين يسحب خارج تاريخه.
حشود تديرها مافيا متوحشة
من جهته، اعتبر رئيس منتدى الجزيرة العربية للدراسات، نجيب غلاب، أن الحشود المؤيدة للتحالف "الحوثي صالح" لا تعكس إلا "حالة الردة والتخلف والوباء الذي أصاب اليمن، أنتجتها تعبويات تتلاعب بالعقول".
وأكد في تصريح خاص لـ"
عربي21" أن هذه الجماهير تعمل ضد نفسها وتدافع عن المجرم الذي يمتص دمها ويهدد مستقبلها ويجعلها أداة موظفة في معركة الانقلاب الخبيثة يديرها "تسلط استبدادي عصبوي مغرور وجشع".
وتابع حديثه بالقول إن هذه الحشود تدار من منظومات "مافيوية متوحشة متسلطة".
وقال غلاب إن هذا التجمع لن يتجاوز "السبعين ألفا" في الحدّ الأعلى، وأغلبهم حزبيون وموظفو دولة وميليشيا ومتعاطفون منفعلون". مشيرا إلى أنه انعكاس لكتلتي الحوثي وصالح، ولا يمكن أن يكون انعكاسا لإرادة الشعب.
وأشار رئيس منتدى الجزيرة للدراسات إلى أن هذه المظاهرات تشرعن لانقلاب ضد الإرادة الشعبية، لكنه استدرك قائلا إنها "توضح مدى العجز والفشل عن شرعنة ذلك". وبين أن لجوءهم إلى الحشد الغوغائي تعبير صريح عن إرادة سلطوية شمولية تشرعن لباطل دمر الدستور والمؤسسات ويحارب الشعب اليمني.
حشود هتفت للجمهورية
في المقابل، رأى مدير تحرير صحيفة "الشارع" المقربة من حزب صالح، محمد العلائي، أن الكتل البشرية "لم تحضر اليوم بتلك الكثافة إلى السبعين بباعث طائفي أو استجابة لتعبئة وشحن مناطقي". مؤكدا أنها تحركت "بمشاعر عامة سمت عن الانقسامات، وتحت عنوان وطني جامع، وهتفت للجمهورية اليمنية ولوحت بآلاف الأعلام الوطنية ضد عدو خارجي"، حسب تعبيره.
وأضاف في منشور له على صفحته بموقع "فيسبوك" أنه "ليس مستغربا أن تميل النخب والكيانات العاجزة عن الحشد والتعبئة على أساس وطني جامع والتي انصرفت بعد هزيمتها إلى تعبئة وتجييش المشاعر والانقسامات المذهبية والجهوية والمناطقية برعاية سعودية، لرؤية الأحداث وتفسير الوقائع وفقا لهذا المنظور"، في إشارة منه إلى السياسيين المؤيدين للرئيس عبد ربه منصور هادي.