اتسمت سياسة النظام في موضوع
رواتب الموظفين من أبناء المناطق الخارجة عن سيطرته؛ بالتناقض، فمن جهة كان حريصا ومنذ بداية الثورة السورية على محاربة سكان تلك المناطق بلقمة العيش، وخصوصا الموظفون منهم، لكن ومن جهة أخرى لم يتوقف يوما عن التفاخر في منابره الإعلامية بأنه لا زال يمنح رواتب لموظفين يقطنون في هذه المناطق، من باب تحمل "الدولة لمسؤوليتها تجاه مواطنيها".
ومع الأخذ بعين الاعتبار أن النظام قطع رواتب الآلاف من موظفي مدينة
حلب في كل القطاعات، إلا أنه وفي المقابل؛ فإن قلة قليلة من هذ الفئة لا زالت تتقاضى الراتب، ومنهم معلمة المدرسة نجوى شيخو.
واظبت شيخو المقيمة في الأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرة الثوار في مدينة حلب، منذ أن قُسمت المدينة إلى شطرين، على الذهاب في رأس كل شهر إلى الأحياء الغربية الخاضعة لسيطرة النظام، متحملة كل مضايقات الحواجز العسكرية والمخاطر ومشقة السفر، في سبيل حصولها على مرتبها الشهري، البالغ 25 ألف ليرة سورية.
ولسوء حظها، حالت ظروفها الطارئة دون ذهابها إلى مناطق سيطرة النظام يوم 13 من الشهر الجاري، اليوم الذي جرت فيه
الانتخابات التشريعية (البرلمانية) التي أجراها النظام مؤخرا.
كما وصلها من رفيقاتها، فقد كان لزاما عليها أن تشارك في ذلك "العرس الديمقراطي"، فمن لم يشارك لا راتب له. لكن شيخو، الأم لأربعة أطفال، لم يقنعها ما بلغ مسامعها من حديث، وقررت الذهاب إلى مبنى مديرية التربية في مناطق سيطرة النظام، لتستلم راتبها كما اعتادت من قبل.
"ليتني لم أذهب"، تبدأ معلمة المدرسة حديثها لـ"
عربي21". وتضيف: "الحمد لله أنهم سمحوا لي بالعودة إلى أطفالي، ولم ينته بي المطاف في أقبية السجون".
تروي شيخو ما دار معها فور وصولها إلى مديرة التربية، حيث تقول: "عندما شاهدني الموظف المالي المسؤول عن تسليم الرواتب، سألني عن مشاركتي بالانتخابات وبطاقتي الانتخابية التي تثبت مشاركتي من عدمها. أجبته على الفور بأني نسيتها".
ثم تتابع: "ما كان من الموظف إلا أن خفض من صوته، ونصحني بأن أخرج من المكتب على الفور، خشية قدوم رجال الأمن واعتقالي، لقد قال لي حرفيا: عوضك على الله، لا أستطيع فعل شيء".
وبحسب شيخو، فإن مديرية تربية حلب، كانت قد أبلغت موظفيها بشكل غير رسمي؛ بضرورة المشاركة في الانتخابات، موضحة أنه "في كل شهر نقبض رواتبنا خلال الأسبوع الأول من كل شهر، لكن في الشهر الجاري لم تصرف الرواتب لمنتصف الشهر تقريبا، بحجة تجديد أوراق ذاتية الموظف".
وبحسب شيخو، فإن تأخير قبض الرواتب في الشهر الجاري لما بعد يوم الانتخابات؛ كان لوضع الموظف تحت الأمر الواقع، و"في حال مشاركتك بالانتخابات تضمن الراتب".
وبرغم ذلك، يعزو المفتش المالي المنشق عن النظام، منذر محمد، قرار تأخير صرف الرواتب للمعلمين في حلب إلى الفترة التي تلت الانتخابات، إلى "قرار شخصي من مدير التربية".
ويعتقد المفتش، أن النظام لم يعد مهتما بهذه القضايا الثانوية، في إشارة إلى المشاركة في الانتخابات، مضيفا في حديث خاص لـ"
عربي21"، أن "رؤساء المديريات التابعة للنظام في مدينة حلب يتسابقون لنيل ثقة النظام، خوفا على مناصبهم، وهذا ما يجعلهم يمارسون كل أنواع التضيق على الموظفين".
ووفق محمد، فإن "عدد الموظفين من أبناء المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بات قليلا"، مشيرا أيضا إلى نقص حاد في الكادر
التعليمي، وهو الأمر الذي دفع بمديرية التربية التابعة للنظام مؤخرا، إلى الإعلان عن حاجتها للتعاقد مع موظفين من خارج ملاك الوزارة.
إلى ذلك، طالب معلمون يقطنون الأحياء الخاضعة لسيطرة الثوار في حلب، بضرورة إعطائهم الأولوية في العمل التعليمي على اعتبار أن ذلك من أبسط حقوقهم، بعد أن قطع النظام الرواتب عنهم.
ودعا المعلمون خلال اجتماع عقد قبل أيام في القسم الخاضع لسيطرة الثوار في مدينة حلب، إلى تأسيس "هيئة معلمي حلب الأحرار"، بهدف تدارك أوضاع التعليم، والحد من توظيف مديرية التربية الحرة التابعة للمعارضة لأشخاص "غير مؤهلين"، كمعلمين في المدارس، بحسب قولهم