نشرت صحيفة "موند أفريك" الفرنسية تقريرا؛ تحدثت فيه عن خفايا عودة شكيب خليل، الرجل المقرب من الرئيس
الجزائري عبد العزيز
بوتفليقة، إلى الجزائر، بعد أكثر من خمس سنوات قضاها في المنفى.
وقالت الصحيفة في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن شكيب خليل كان من أبرز المقربين من الرئيس الجزائري، عندما تولى منصب وزير الطاقة، لكن هذه المسيرة انتهت قبل خمس سنوات على خلفية فضيحة الشركة البترولية الجزائرية "سوناطراك" عام 2010.
وذكرت الصحيفة أن عودة خليل من المنفى أصبحت موضوع تجاذبات في الشارع الجزائري؛ الذي ما زال يتساءل حول الظروف والضمانات التي دفعت بوزير الطاقة السابق إلى العودة، رغم تواصل الإجراءات القانونية ضده في الجزائر وإيطاليا وفرنسا.
كما أن الدور الذي سيؤديه شكيب خليل في الجزائر خلال المرحلة القادمة ما زال غامضا. وما زاد في غموضه امتناعه عن تقديم التصريحات أو الظهور في وسائل الإعلام، حيث ظهر منذ عودته في مقابلة تلفزيونية واحدة في قناة "النهار" الموالية للرئيس الجزائري.
وأشارت الصحيفة إلى أن النظام الجزائري سيعمل على تبييض سجل شكيب خليل، وسيراهن في ذلك على دعم الولايات المتحدة بهدف تحويل "الفضيحة الأخلاقية لفرصة حقيقية".
واعتبرت السلطة الجزائرية أن التحقيقات حول شبهات
فساد في شركة سوناطراك "تافهة ومفبركة"، وهو ما يبدو مجرد ادعاءات بهدف تبييض سمعة شكيب خليل، فالتحقيقات التي قامت بها السلطات الإيطالية حول القضية أثبتت وجود دفعات سرية بقيمة 200 مليون يورو للمقربين من وزير الطاقة السابق.
وأضافت الصحيفة أن هذه الادعاءات قد لا تكون تافهة كما يزعم النظام الجزائري، لكن لا يمكن أيضا القول إنها ليست مدبرة. فالجنرال محمد مدين، أو الجنرال توفيق كما يُعرف في الجزائر، كان العقل المدبر وراء الإطاحة بوزير الطاقة الجزائري؛ الذي كان بمنزلة "اليد اليمنى" لبوتفليقة.
وعمل الجنرال توفيق، الذي تولى رئاسة جهاز الأمن والاستعلام الجزائري حتى شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2015، على ضرب السياسة البترولية لبوتفليقة من خلال الإطاحة بأبرز رموز نظامه، حيث ساهم شكيب خليل في دعم بوتفليقة خلال ترشحه لولاية رئاسية ثالثة في سنة 2009.
وذكرت الصحيفة أن النظام الجزائري عهد إلى شكيب خليل حتى فترة هروبه إلى المنفى؛ بمهمة جلب استثمارات بمليارات الدولارات إلى سوق النفط الجزائري، وهو ما أثار قلق جهاز المخابرات الجزائري الذي كان يطالب بنصيبه في "كعكة البترول"، ما دفعه للدخول في مواجهة سرية مع شكيب خليل ونظام بوتفليقة.
وأضافت الصحيفة أن جهاز الأمن والاستعلام الجزائري لم يدخر جهدا للإطاحة بشكيب خليل، الذي انهار سريعا أمام فضائح الفساد في قضية سوناطراك؛ التي أصبحت الشغل الشاغل للإعلام المحلي الذي سيطرت عليه المخابرات، وهو ما دفع خليل لتقديم استقالته والهروب إلى المنفى.
أما اليوم، فقد تغيرت المعطيات السياسية كثيرا، بعدما وضع المقربون من بوتفليقة أيديهم على جهاز المخابرات؛ الذي لم يعد قادرا على الوقوف في وجه السلطة، منذ إقالة الجنرال توفيق، وملاحقة مسؤولين آخرين فيه وسجنهم، مثل الجنرال حسن.
وذكرت الصحيفة أن "السحر انقلب على الساحر"، فجهاز المخابرات الذي كان قادرا على الإطاحة بالمقربين من بوتفليقة، أصبح فريسة للسلطة الجزائرية التي لاحقت المقربين من الجنرال توفيق، خاصة فيما يعرف بقضية المقر الجديد لجهاز المخابرات أو "البنتاغون الجزائري"، قبل أن يعلن بوتفليقة عن حلّ دائرة الأمن والاستعلام.
وساهمت هذه التطورات في تشكيل الظروف المناسبة لعودة شكيب خليل، الذي استقبله والي محافظة وهران عند وصوله إلى الجزائر.
وأضافت الصحيفة أن عودة شكيب خليل تلقى معارضة شديدة ليس فقط من أطراف داخلية في الجزائر، ولكن أيضا من أطراف خارجية، من بينها
فرنسا التي تنظر إلى إعادة إدماج خليل داخل النظام الجزائري، تهديدا حقيقيا لمصالحها الاقتصادية، حيث عرف الوزير السابق للطاقة بتقربه من الولايات المتحدة الأمريكية على حساب فرنسا.
وذكرت الصحيفة أن شكيب خليل تولى خلال إشرافه على وزارة الطاقة مهمة إقناع المجموعة النفطية الأمريكية "هاليبورتن" بالاستثمار في الجزائر، وما زال متحمسا لفكرة تطوير المبادلات التجارية بين الولايات المتحدة والجزائر، خاصة فيما يتعلق بصادرات النفط والغاز.
ونقلت الصحيفة أن مجموعة من الممثلين عن شركات فرنسية في الجزائر، وأعضاء ناشطين في مجال الأعمال ومقربين من الدبلوماسية الفرنسية، عملوا على تكوين شبكة تشن اليوم حملة إعلامية في الجزائر، بهدف منع شكيب خليل من تولي مسؤولية رسمية في البلاد.
وقالت الصحيفة إن بوتفليقة يعتمد على سياسة توافقية بين المقربين من نظامه، بهدف التوصل لحلّ يسمح لشكيب خليل بتولي مسؤولية في الدولة الجزائرية، لكن طبيعة هذه المسؤولية، أو إعادة إدماجه في صلب الدولة، مثّلت موضوع تجاذبات كبيرة بين "عشيرة" بوتفليقة، وهو ما دفعه إلى تأجيل الإعلان عن تشكيلة التعديل الوزاري المرتقب منذ فترة في الجزائر.