كتاب عربي 21

عبد الإله بنكيران.. لا رئيس حكومة غيري !

طارق أوشن
1300x600
1300x600
في فيلم (ابن حميدو – 1957) للمخرج فطين عبد الوهاب، يستمر المعلم حنفي، في مواجهة زوجته، بالتذكير بمبدأ "أنا راجل وكلمتي متنزلش الأرض أبدا" قبل أن يتراجع بقوله "خلاص، حتنزل المرة ده. إنما اعملي حسابك المرة الجاية مش ممكن تنزل أبدا".

وفي المشهد الأخير يتخذ المعلم حنفي قراره النهائي.

المعلم حنفي: يا ولية اسمعي الكلام. أنا راجل وعمر كلمتي متنزل الأرض أبدا.

الزوجة (وهي تشد في خناقه) : حنفي ..!

المعلم حنفي: مفيش حنفي..

ويبادرها بصفعة غير منتظرة تبعتها زغرودة دليل موافقة على عقد قران ابنتيهما.

عندما سئل وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، في ختام الاجتماع الأسبوعي الأخير للحكومة عن موضوع "تسريبات بنما" التي شغلت العالم وورد فيها اسم منير الماجيدي، مدير الكتابة الخاصة للملك محمد السادس، لم يجد غير الرد بأن "ليست لدي أي معطيات حول فتح تحقيق في هذه الوثائق".

لا غرابة في الأمر فقد اعتاد السيد عبد الإله بنكيران، وهو رئيس الحكومة، على نفي العلم  بأحداث كثيرة كانت مثار سجال في الأوساط السياسية والمجتمعية المغربية من قبيل القمع الذي تعرض له الأساتذة المتدربون، وتضمين قانون المالية في مادته الثلاثين لبند يخول لوزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش صفة الآمر بالصرف على صندوق تنمية العالم القروي، ودورية وزير التربية الوطنية والتكوين المهني رشيد بلمختار، التي أسست لعودة اللغة الفرنسية كلغة تدريس في عدد من المسالك العلمية بالسلك الثانوي، وغيرها من الأحداث التي طبعت الولاية الحكومية المشرفة على الانتهاء أواخر السنة الجارية.

في ملف قمع الأساتذة وُعِد المغاربة بفتح تحقيق وانتهى الموضوع. وفي ملف التدريس باللغة الفرنسية تم الإبقاء على قرار الوزير ضدا على تصريحات بنكيران. أما في ملف صندوق تنمية العالم القروي فقد عجل التحكيم الملكي بإنهاء الجدل حول الموضوع حين ثبت الأمر بالصرف في يد وزيره في الفلاحة، وهو ما جعل برلمانيي حزب العدالة والتنمية يتراجعون عن تهديداتهم بالتصدي للمادة الثلاثين وإسقاطها حيث تمخض جبل المزايدة ليلد، كما العادة، فئرانا.

الغريب في الأمر أن رئيس الحكومة، وبدل أن يستخدم سلطاته في ضبط عمل وزرائه، فقد لجأ إلى تبرئة نفسه من الموضوع في البرلمان في الأزمة الأولى، وأعلن غضبه علنا في مجلس حكومي في الأزمة الثانية، وفي جلسة برلمانية علنية منقولة على شاشات التلفزيون في القضية الثالثة حين قال أن "الفَرْنَسة ستشعل النار.. والملك عندما أراد تعيين رئيس للحكومة اختار عبد الإله بنكيران، ولو أراد لاختار رشيد بلمختار لأنه يعرفه قبلي، لكنه عينني لكي أقدر الأمور". في الأخير أُقِرّ الموضوع ولا نار تبدو في الأفق اشتعالا.

أما في آخر الأزمات الحكومية ممثلة قضية الأساتذة المتدربين، فقد شهدت الأيام الأخيرة تطورات "مهمة" دفعت رئيس الحكومة إلى إصدار بيان رسمي يعتبر فيه أن إقدام وزيره في الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، على الرد على استفسار كتابي من فريقي حزبي الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي بمجلس المستشارين بخصوص الموضوع، بما يتناقض والقرارات الحكومية في شأنه، "مبادرة فردية تمت بدون استشارة مع رئيس الحكومة"، وأبدى "استغرابه الشديد لمضمون المراسلة وتوقيتها"، معلنا تشبثه بالمرسومين الصادرين عن وزير التعليم بخصوص آليات توظيف الأساتذة المتدربين.

وكان وزير المالية والاقتصاد قد أشار في رده على استفسار الحزبين المعارضين أن مسألة توظيف فوج الأساتذة المتدربين دفعة واحدة لا يقتضي غير استصدار مرسوم أو قرار حكومي، وهو ما يعني أن القرار سياسي وليس قانونيا كما يؤكده السيد عبد الإله بنكيران، ما اعتبره الأخير "طعنة في الظهر" من حليف حكومي وخدمة مجانية للمعارضة في ملف حارق يصر رئيس الحكومة على الإشراف عليه شخصيا دون تدخل من أحد.

ولم يكن لهذا الأمر أن يثير كل هذا اللغط، لدرجة التهديد بخيار "حكومة أقلية" أو انتخابات سابقة لأوانها، لولا أن السيد بنكيران سبق وأكد في المجلس الحكومي السابق لتوقيت المراسلة الجوابية لمحمد بوسعيد على أن "الحكومة التي عينها الملك هي هذه، وهذا رئيسها، وما لم يعلنه رئيس الحكومة أو الناطق الرسمي باسمها فهو غير موجود". بنكيران أضاف "هذا كلام منكر وقبيح، وأصحابه لا خُلُق لهم، ومن يشيعه لا يستحي، والحكومة عندما تتخذ القرار فإنها تتخذ القرار، وعندما ترفض فإنها ترفض"، والمعني بالكلام لم يكن غير إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي لم يكتف بمراسلة وزير الاقتصاد والمالية بل سعى للقاء عدد من الأحزاب، بينها من يعد طرفا أصيلا في الحكومة الائتلافية، بمسعى البحث عن حل توافقي ينهي لعبة شد الحبل بين الحكومة ورئيسها من جهة وتنسيقة الأساتذة من جهة أخرى. دخول المنافس اللدود لعبد الإله بنكيران في المشهد السياسي المغربي في قضية الأساتذة، كان شعرة معاوية التي حركت الملف مجددا بعد أن استكان إلى عرض حكومي لا يتغير مقابل مسيرات مستمرة للمحتجين تتكلف السلطات العمومية بتفريقها في مشهد يتخذ من لعبة الاستنزاف وسيلة للي الذراع. ولأن العماري يجلس على الكرسي الأقل كلفة من الناحية الانتخابية فقد كان رده بالاعتذار إن فُهِم من تدخله أنه "انتصار لجهة أو سطوا على اختصاص أحد".

وجدير بالذكر أن الأساتذة المتدربين سبق أن أعلنوا برنامجا احتجاجيا تصعيديا، يتضمن القيام بـ"إنزال وطني مفتوح"، في العاصمة الرباط، اليوم 14 أبريل في خطوة تصعيدية كبرى، سيحضرها جميع الأساتذة المتدربين من كل المراكز الـ41 المنتشرة عبر التراب الوطني، وهو ما يجعل الملف مفتوحا على "المجهول" بعد أن أصدرت رئاسة الحكومة بيانا يفيد أن السلطات العمومية ستتخذ كل الإجراءات لمنع المحتجين المسيرة والاعتصام المخطط لهما.

التفصيل الأكثر سوريالية في الموضوع أن بيان رئيس الحكومة الناري في وجه وزيره في الاقتصاد حرره وزير الميزانية المنتمي لحزب العدالة والتنمية، الذي يشتغل مع بوسعيد داخل أروقة نفس الوزارة. أما الرسالة الجوابية لوزير الاقتصاد فقد حررها مدير الميزانية بنفس الوزارة، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، في مفارقة لا يمكن أن تحدث إلا في المغرب. والمفارقة الأهم أن المدافعين عن بيان بنكيران لم يهتموا البتة بمضمونه الذي يجعل من "معركة الأساتذة" مجرد "مزاج شخصي" بلبوس قانوني، فانطلقوا يسهبون في الحديث عن الانسجام الحكومي وضرورة عدم التغريد خارج السرب، وبعض المسائل الإجرائية المتعلقة بالحق في مراسلة الوزراء مباشرة دون المرور عبر بوابة رئاسة البرلمان، أو الرد الوزاري دون إذن رئاسة الحكومة وغيرها من المسائل الجانبية التي لا تسمن ولا تغني من جوع الأساتذة وعائلاتهم شيئا.

والمؤكد أن الزمن الذي يفصلنا عن انتخابات السابع من أكتوبر التشريعية، سيعرف كثيرا من التصعيد الكلامي واختلاق الأزمات خصوصا مع الحديث عن زمن سياسي في صالح حزب العدالة والتنمية، وهو ما لا يظهر فعليا في الممارسة على الميدان المتميزة بكثير من التشنج والانفعالية واستحضار النموذج المصري دليلا على السعي للإطاحة بالتجربة المغربية. تعتقد الحكومة، وخصوصا حزب العدالة والتنمية، أي تحرك نقابي أو انتقاد صحفي أو مساءلة من داخل الأغلبية "مؤامرة" تحركها أيادي "الدولة العميقة" لصالح حزب الأصالة والمعاصرة دونا عن غيره من الأحزاب. ولعل في انتهاج المظلومية واستحضار تطورات قضية الصحراء ذريعة للاستقرار، والاحتماء بالملكية في مواجهة الخصوم بل السعي لتوريط بعض من رموز المعارضة بداعي التطاول على اختصاصات إمارة المؤمنين، دليل على أن الرمال المتحركة لممارسة الحكم بالمغرب بدأت تقترب أكثر فأكثر من طموحات الحزب الأغلبي وسعيه للهيمنة على الساحة السياسية بالبلد في ظل ضعف أحزاب المعارضة، وهو ما لن تسمح به "الدولة" إلا وفق منسوب بجرعات محددة ومتفق عليها سلفا، خصوصا أن التهديد بالنزول إلى الشارع لم يعد سلاحا للتفاوض كما كان الأمر قبل خمس سنوات. والحزب الذي قبل التضحية بوزيرين من صفوفه بدعوى أن زواجهما "محرم" في سنة انتخابية، اعتبرها مصيرية، يمكنه القبول بما تجود به الدولة من مقاعد تحفظ له الاستمرار في فلك سلطة ألفتها كوادره ولن تقبل عنها بديلا.

يعرف السيد عبد الإله بنكيران أن البقاء في المشهد يستدعي تمثل أزمات حكومية واستحضار خصوم مفترضين. فمقابل تحركات الملك وتدشيناته لمشاريع  وأوراش مهيكلة وإستراتيجية وصور ومقاطع فيديو تحركاته بالداخل والخارج، لا يتبقى لبنكيران غير "قفشاته" وصراعه في مواجهة "المشوشين" عبر معارك وهمية للبقاء في مشهد أريد له أن يدبر، في عمقه، من خارج المؤسسات. الفارق أن الملك، وعبر ديوانه، أنّب القناة الثانية حين اعتمدت على صور الفايسبوك للحديث عن زيارته لتونس قبل سنوات في الوقت الذي يشتكي فيه بنكيران، المشرف دستوريا على قطاع الإعلام باعتبار ألا رئيس حكومة غيره في البلاد، أن القناة ذاتها لا تهتم بشخصه ولا بـ"منجزات" حكومته بل تحاول التبخيس منها كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

ألسنا إذن في زمن المعلم حنفي و"كلمته إللي مبتنزلش الأرض أبدا"؟
0
التعليقات (0)

خبر عاجل