على غير العادة، بدا سوق "بير باشا"، غرب مدينة
تعز، الأحد، مكتظا بالمتسوقين، بعد أشهر من إحكام المليشيات التابعة للرئيس
اليمني المخلوع علي عبد الله صالح والمتمردين
الحوثيين، قبضتها على أطراف المدينة وفرض
حصار على المدينة، قبل أن تتمكن
المقاومة الشعبية من التقدم من الناحية الغربية وفك الحصار جزئيا عن المدينة.
وكانت المليشيات قد فرضت حصارا مطبقا على مدينة تعز (256 كم جنوب صنعاء)، منذ تسعة أشهر تقريبا، مانعة دخول متطلبات الحياة كافة إليها، فضلا عن المعونات والمساعدات الإغاثية الدولية. كما قامت المليشيات باستحداث معبر وحيد وضيق في منطقة "الدحي" غربا، لكن أُطلق عليه "منفذ العذاب والموت"، بفعل الممارسات المهينة والمذلة التي طالت المواطنين الباحثين عن الحياة المفقودة خلف أسوار المدينة المحاصرة.
والجمعة الماضية، أعلنت المقاومة الشعبية تحرير المنفذ الغربي، بعد ثلاثة أيام متواصلة من المعارك التي خاضتها هناك بمساندة الجيش الوطني المؤيد للشرعية، عن تحقيق اختراق في الناحية الغربية.
وفي اليوم التالي مباشرة، كانت المناطق المحررة، على رأسها سوق "بير باشا"، قد تحولت إلى قبلة لأبناء المدينة، ما بين مواطنين حضروا للتسوق وشراء ما افتقدوه من سبل الحياة، وبين من قاده فضوله للوقوف على الدمار الذي خلفته المعارك، فيما بدا آخرون مهتمين بالتعبير عن المشاعر بعد هذا التقدم، لا سيما "معبر الدحي" الذي تحول الأحد إلى مزار لالتقاط الصور بعد تحريره وإزالة السياج الحديدي الذي كان يفصل بين قلب المدينة وشريانها الغربي الممتلئ بالحياة والموت، بحسب ما شاهده مراسل "عربي21" خلال جولة في المنطقة.
بين الأمس واليوم
من جهته، أكد المواطن أسامة خالد القدسي، لـ"عربي21"، أنه زار هذا السوق عدة مرات سابقة في أثناء الحصار، لكن مشاعره اليوم تختلف كثيرا، فهو يتحرك بحرية تامة دون أن يكون قلقا من التأخر عن العودة إلى المعبر قبل موعد إغلاقه، أو الخشية من تعرضه للإهانة كما كان يحدث في السابق، عندما كانت المليشيات تصف الناس في طوابير طويلة؛ لتفتيشهم ومصادرة بعض الحاجيات والأشياء الممنوع إدخالها إلى المدينة، أو الزائدة عن حاجة أسرة واحدة.
ويضيف: "كنا نعاني مرتين، عند خروجنا من المنفذ وعند عودتنا إلى المدينة، نتيجة الإساءات الجسدية واللفظية التي كنا نتعرض لها بشكل تعسفي، بسبب أو دون سبب، حيث كنا نقع تحت رحمة مزاج من يقوم بالتفتيش".
وقال: "بالنسبة لنا نحن الشباب كنا نتحمل تلك الإهانات على مضض، إلا أننا كنا نشعر بالخزي والعار حين كنا نشاهد النساء والأطفال وكبار السن وهم يتعرضون لإهانات، ودفعهم وجرجرتهم وتعرضهم للضرب بأعقاب البنادق والعصي لتفريقهم، أو حتى دون سبب غالبا"، وفق قوله.
وعبر القدسي عن أسفه لأن "ذلك كان يحدث أحيانا من قبل أطفال صغار يحملون أسلحة على ظهورهم، ويتحكمون بالناس".
ويتابع مقارنا: "أما اليوم، يكفي أني أشعر بكامل حريتي، كما أستطيع أن أتسوق وأشتري ما أريد، دون أن يساورني قلق بشأن تعرضي للابتزاز أو مصادرة مقتنياتي".
ويلخص مشاعره بالقول: "فعلا ينتابني شعور آخر اليوم، كذلك الذي ينتاب أبناء مدينة كانت مغتصبة بالقوة وتم استعادتها فجأة"، لافتا إلى أن هذا الأمر يعزز لديه أكثر "مفهوم الحرية وقيمتها".
عودة جزئية للحياة
أما المواطن مسعد سماحة، فيقول: "ربما لن يكون من المناسب أن أتحدث عن حجم سعادتي بهذا اليوم، بل سأكتفي بأن أحيلك للنظر إلى كل هذه الوجوه".
وأضاف، وهو يشير بيده إلى السوق المكتظ بالناس: "يكفي أن ترى كل تلك السعادة البادية بوضوح على وجوه كل هؤلاء الناس على اختلاف أعمارهم". وتساءل: "ألا ترى مثلي فرحة الانتصار واضحة على كل تفاصيل تعاملاتهم؟".
وتحدث سماحة لـ"عربي21"، عن بعض ملاحظاته، لافتا إلى ما شاهده في أثناء مروره في بعض المناطق التي كانت تمثل خطوط تماس ومواجهات، وأشار على وجه الخصوص إلى بعض النازحين وهم يتفقدون منازلهم التي عادوا إليها، "الأمر الذي بدأ يبعث الحياة فيها بعد أن كانت شبه ميتة"، بحسب قوله.
ويوضح: "طيلة فترة الحصار الخانق، حصرت المليشيات حركة الناس في مربع صغير، ومنعت أساسيات الحياة من الدخول إلى هذا المربع، كما منعت عنهم الوصول إليها بسهولة"، مستدركا: "وها نحن اليوم نرى كل شيء يعود لطبيعته فجأة، بعد أن كاد اليأس يستبد بالجميع".
ويضيف: "لقد شاهدنا اليوم عودة الزحام والاختناق المروري، كما شاهدنا ذلك التنوع - وإن كان ما يزال جزئيا وبسيطا - في المعروضات من فواكه وخضروات ولحوم وأسماك"، بعد أن غابت بشكل تام عن أسواق المدينة طيلة فترة الحصار.
ويختتم بالقول: "وبالنسبة لنا نحن في وسط المدينة فكل تلك الأشياء افتقدناها بشكل شبه كلي بسبب الحصار، ولمجرد وصولنا هنا اليوم تناولنا وجبة سمك لذيذة، مضيفا: "أكلتها بشهية وكأني أتناول سمكا لأول مرة، شعرت أنها كانت مصبوغة ببهارات الحرية والانتصار".
وعلى نحو متقارب، كانت نقاط التفتيش تنتشر في المساحات والأسواق والشوارع الرئيسية والفرعية، وحين كان الناس يصلون إليها كانوا يتوقفون أمامها مبتسمين، وبعضهم يصافح جنود الجيش الوطني الذين أسندت إليهم مهمة الأمن في المناطق المحررة.