نشر رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عبر صفحة الاتحاد الرسمية على "فيسبوك"، الخميس، كلمة له يرثي بها المفكر الإسلامي الراحل الدكتور حسن
الترابي، الذي توفي في
السودان، الشهر الجاري.
وتحت عنوان "الدكتور حسن الترابي العالم الداعية المفكر المجاهد"، قال العلامة يوسف
القرضاوي، في كلمته التي تنقل "
عربي21" أهم ما جاء فيها: "فوجئنا بفقد القادة والعلماء والدعاة والمفكرين المجاهدين، أحد من امتلأت حياتهم بالعلم والعمل، والدعوة والجهاد".
وقال إنه كان ممن "رزقهم الله الهداية والتوفيق، يتعلمون فيعملون، ويعملون فيعلِّمون، وينشطون في دعوتهم، باذلين أعمارهم وجهدهم في سبيل رسالتهم التي آمنوا بها، ومن هؤلاء أخونا الحبيب إلينا، الأثير لدينا، العزيز علينا، الرجل، العالم، المفكر، الداعية، المجاهد، الثائر: الدكتور حسن الترابي".
ووصف القرضاوي، الراحل الترابي، بأنه "كان بحق أحد رجالات الأمة العربية والإسلامية، وأحد رجالات الفكر والتربية والسياسة، لا يشك في ذلك أحد. فهو مفكر وزعيم سياسي وديني، يعدّ من رواد التجديد السياسي الإسلامي".
استياؤه من "الطعن" بالترابي
وعبر الشيخ عن استيائه من حديث "أحد الإخوة"، الذي قال عن الترابي: "إنه ليس منا!!"، وتشبيهه الترابي بـ"محمد حسنين هيكل مصر"، وقال: "أنا أرى ذلك من الغلو المجافي للإسلام. فالدكتور حسن الترابي رجل لا ننكر فضله وجهوده في الدعوة الإسلامية، وفي الحركة الإسلامية في السودان، وفي مقاومة الصهيونية والصليبية، والعِلمانية واللادينية، ولكنه ليس معصوما، ولديه شطحات في بعض الأمور، ننكرها عليه جميعا".
وكشف القرضاوي أنه اختلف مع الترابي في مسائل عديدة، تحدث عنها في بعض البرامج التلفزيونية، وضمنها الجزء الخامس من فتاواه. وقال إن "هذا لا يعني إهمال الترابي وإغفال اجتهاداته، فقد ظل رجل السودان والعرب والمسلمين. وقد يختلف الناس حوله، لكنه يعدّ أحد رجالات الأمتين العربية والإسلامية بالفكر والدعوة والتربية والجهاد والسياسة، وإن مؤلفاته ومعارفه وتوجيهاته التي استفادها تلامذته وأصدقاؤه محفوظة مبثوثة مدونة".
وأضاف أن "الدكتور الترابي أحد إخواني -وإن اختلفت معه في بعض الأمور- وليس من أخلاقي أن أخاصم إخواني".
وتابع بأن "الترابي اختلف وإخوانه في عدد من القضايا الفكرية والسياسية، وساءني ذلك كما ساء كثيرا من الإخوان المسلمين في أنحاء العالم العربي. وطالبني الإخوة بأن أقود حركة من كبار الإسلاميين لمحاولة رأب الصدع، وتسوية الخلاف، وسافرنا وتعبنا كثيرا من أجل ذلك، ولكن لم نصل إلى موقف عملي يوحد الجميع. فتعصب كل من الفريقين حال بيننا وبين النجاح".
اقرأ أيضا: الترابي.. نصف قرن من التقلب على جمر السياسة والفتوى
الحسن الثالث من الإسلاميين
ووصف رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسليمن الشيخ القرضاوي، الترابي بأنه "الحسن الثالث في الإسلاميين، بعد حسن البنا الأول، وحسن الهضيبي الثاني"، معرّفا بأنه "سوداني قح، تعلم القرآن الكريم وحفظه وجوده في صباه، تعلم اللغة العربية والشريعة، ولم يتغير فكره الإسلامي الأصيل عن أصله، رغم أنه حصل على قمة الدراسات العليا في الغرب: الماجستير من جامعة أكسفورد، ثم الدكتوراه من جامعة السوربون، وأتقن رحمه الله لغات عدة بفصاحة: الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ولكنه بقي سودانيا عربيا مسلما".
وعلى الرغم من تعلم الترابي لهذه اللغات، فقد نقل القرضاوي عنه قوله:
"أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم!".
وفي معرض كلمته، قال القرضاوي: "كان حسن الترابي من النوع الحيّ المتحرك المحرِّك، لا يعرف البلادة، ولا الكسل ولا الرقاد الطويل، ولكنه رجل حر، مستقل الفكر، مستقل الإرادة، مستقل القرار، عقله متوقد، ولسانه فصيح، وجهه سوداني أصيل، مبتسم دائما، من غير تكلف".
وسرد القرضاوي أيضا أهم ما قام به المفكر السوداني الراحل، وذكر أن منهجه كان منهجا عروبيا إسلاميا، يركز على أمور عدة:
1. قضية الإيمان بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبالشريعة والتربية منهاجا عاما.
2. حرية الشعوب جزء من الفرائض الإسلامية، التي نجاهد في سبيلها.
3. حرية التعبير والفكر والمقاومة للظلم فرائض أساسية.
4. قضية فلسطين قضية أصلية، لا يجوز التهاون فيها. والدفاع عنها فريضة.
5. العدالة الاجتماعية ومحاربة المظالم والطغيان والفساد جزء لا يتجزأ من الإسلام.
6. الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها أمة واحدة، يجب أن تتوحد، ولا يجوز أن تتفرق.
7. نسالم كل من يسالمنا ونضع أيدينا في يده، ونعادي كل من عادانا.
8. البشرية كلها أبناء آدم، وكلهم إخوة، وعليهم أن يتحابوا ويتعاونوا.
وروى القرضاوي تفاصيل لقائه بالترابي في زياراته للسودان وزيارة الأخير له في قطر، وتدارسهما "هموم الأمة".
اقرأ أيضا: أبرز محطات حياة الزعيم الإسلامي حسن الترابي (بروفايل)
مواطن "الخلاف" مع الترابي
لكن القرضاوي انتقد الترابي، "لارتكابه بعض الأشياء التي لا نرضاها، كتسليمه كارلوس إلى فرنسا، مع أنه من الرجال الأحرار الذين دافعوا عن المستضعفين ضد الدول الطاغية، وقد أسلم في آخر الأمر وتزوج سودانية، فكان لا ينبغي أن تسلم رقبته لفرنسا ذات الاستعمار القديم، وذات التطلع الابتلاعي الجديد".
وكان للترابي رحمه الله آراء في الفقه والأحكام يراها كثير من الناس مسرفة، ونزاعة إلى الغلو في
الاجتهاد، ومحاولة طأطأة رأس الشريعة العالية، لتنزل إلى قاع المجتمع، الذي بدأ يتضعضع وينخفض، وينزل إلى أسفل إلى حد كبير.. وأحس أني غير مستريح لهذه الاجتهادات التي أعتبرها شاذة".
ولكنه استدرك بالقول إن "للترابي ميزة ليست لغيره من السياسيين، إنه ليس مجرد زعيم سياسي، ولكنه رجل فقه ودعوة، ينطلق في كل مواقفه وأعماله من فكر مؤطر، وهو فكر ينبثق من الإسلام، أي من القرآن والسنة، وما تفرع عنهما من الأصول والمقاصد والقواعد".
وذكّر القرضاوي بأن "الترابي وقف في وجه الطغيان الماركسي، وفي وجه الطغيان الرأسمالي (الأمريكي وأتباعه)، وفي وجه الطغيان الصهيوني، ولكنه رضي أن يقاوم هذه الطغيانات الكبيرة المتألهة، بالحياة العادية القليلة، لا يريد أن يسكن القصور الشامخة، ولا أن يركب السيارات الفارهة، ولا أن يعيش الحياة الناعمة، إنما كان يريد أن يعيش كما يعيش الناس، وأن يتعب كما يتعبون".
وروى كذلك ما قاساه الترابي في السجون ونضاله في السودان، ونقل عن سفير السودان في الدوحة قوله إنه توفي وهو لا يملك بيته في الخرطوم.
واختتم كلمته بالقول: "نسأل الله لأخينا الحبيب حسن الترابي أن يجزيه خيرا عما صنع لدينه، وعما صنع لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يغفر له ويرحمه، وأن يتقبله عنده في الصالحين، وأن يغفر له أخطاءه في الاجتهاد، وأن يخلفه في ذريته وإخوانه بخير ما يخلف به عباده الصالحين".
يشار إلى أن الترابي الذي توفي عن 84 عاما، شيّع إثر إصابته بذبحة قلبية، بمشاركة رسمية وشعبية وسط إجراءات أمنية مشددة.
وكان الترابي توفي السبت الماضي في مستشفى "رويال كير" في الخرطوم.