هل قتل رجل
باكستان في أفغانستان، هل ما يشاع حول الرجل بأنه صنيعة المخابرات الباكستانية صحيح، أم ظنون يفبركها أعداؤه وخصومه في حركة "
طالبان التي يتزعمها، وكذلك في التنظيمات المنافسة المتربصة بالحركة مثل "تنظيم الدولة الشغوف بالتمدد في النقاط الساخنة في العالم الإسلامي.؟!
اختياره السريع رئيسا لحركة "طالبان" خلفا للملا عمر، وضع الحركة أمام أول حركة انشقاق قد تكون بوابة لدخول الشيطان عبرها إلى "التنظيم".
الملا أختر محمد منصور شاه محمد، المعروف اختصارا بالملا منصور، المولود عام 1963 في قرية بندي تيمور في مقاطعة ميواند بولاية قندهار الأفغانية، لعائلة من عرقية البشتون، هو زعيم مسجل في قيود التوقع، فهل قتل أم أنه ما يزال يلعب دور "حمامة السلام" بين "التنظيم" والحكومة في كابول؟!
تفيد تقارير بأن الملا
أختر منصور التحق -كغيره من قادة طالبان- بعدد من المدارس الدينية الباكستانية التي تعرف محليا بـ"الديوبندية" والتي خرجت من رحمها حركة "طالبان" التي ستكون فيما بعد الحاكم الأمر والناهي في أفغانستان.
وسيعمل فيما بعد مع
الملا عمر وآخرين على تأسيس حركة "طالبان" في قندهار عام 1994، وبعد توليها السلطة في البلاد شغل الملا أختر في التسعينات منصب وزير الطيران المدني والنقل، وشغل كذلك منصب حاكم "طالبان" في قندهار حتى أيار/ مايو عام 2007.
وجاءت فترة اعتقاله في باكستان وإعادته إلى أفغانستان عام 2006، لتثير تساؤلات فيما بعد حول سر هذا الغياب، خاصة أنه كان يشغل موقع رئاسة الشؤون العسكرية في طالبان حتى عام 2010.
نصبه الملا محمد عمر، نائبا له في عام 2010، وقام بقيادة "طالبان" بالنيابة بشكل فعلي لمدة خمس سنوات، وشغل المنصب حتى تموز/ يوليو عام 2015.
وبعد إعلان وفاة الملا عمر، اجتمع أعضاء شورى أهل الحل والعقد في "طالبان" والمشايخ والعلماء الأفغان، وبايعوا الملا منصور، أميرا جديدا لـ"طالبان".
وكان عدد من كبار قادة "طالبان" رفضوا مبايعة منصور، معتبرين أن عملية تعيينه كانت متسرعة ومنحازة. كما أن عديدين كانوا مستائين من إخفاء وفاة الملا عمر لعامين، وكانت تصدر بيانات سنوية باسمه خلال تلك الفترة.
وقال المحلل العسكري في كابول، جواد كوهيستاني، إن "طالبان تعاني من أزمة مصداقية بعدما اعترفت بإخفاء وفاة الملا عمر لسنوات".
ولعب هذا العامل دورا خطيرا في انقسام الحركة وتشكيل فصيل منشق عن "طالبان" بقيادة الملا محمد رسول، إضافة إلى العامل الأخر، حيث يعتقد بأن الاستخبارات الباكستانية مارست ضغوطا متزايدة على منصور لاستئناف محادثات السلام مع السلطات الأفغانية، وهي مسألة خلافية أثارت استياء في صفوف "المجاهدين".
وقال الصحفي الباكستاني المتخصص في حركة طالبان، رحيم الله يوسفزاي، إن الملا منصور "لعب دورا فاعلا في تنظيم مباحثات السلام". وفي السياق الراهن، فإنه "مناسب تماما لكابول وإسلام آباد".
وعلى وقع هذا الانقسام والخلافات حول المفاوضات مع كابول، جاء خبر مقتل الملا أختر منصور، وهو ما نفته "الحركة"، ووصفت التقارير حول إصابته أو وفاته بأنها "دعاية"، وبثت رسالة صوتية منسوبة إلى زعيمها أختر منصور، تنفي "دعاية معادية" حول مقتله، في وقت أعلنت فيه السلطات الأفغانية أنها تتحقق منها، فقد أعلن المتحدث الحكومي الأفغاني سلطان فائضي، أنه غير واثق من صحة التسجيل، مؤكدا في تغريدة على "تويتر": "سنجري تقييمنا الخاص".
وفي تسجيل صوتي مدته 16 دقيقة، يقول صاحب التسجيل الذي قدمته "طالبان" بوصفه، زعيمها الملا منصور: "سجلت هذه الرسالة كي يعلم الجميع أنني على قيد الحياة"، وإن "الشائعات التي أفادت بأنني أصبت أو قتلت في كوشلاك (قرب كويتا في باكستان) غير صحيحة".
وأضاف التسجيل أن "هذه دعاية معادية (...) أنا لم أذهب إلى كوشلاك منذ سنوات عدة"، منددا بـ"الشائعات" الرامية إلى بث الفرقة في صفوف طالبان".
وزعمت الاستخبارات الأفغانية ومصادر عدة في "طالبان" أوردت معلومات، مفادها بأن الملا منصور أصيب بجروح أو قتل في تبادل لإطلاق النار في كوشلاك، خلال اجتماع للحركة التي تشهد انقساما حادا.
لكن مسؤولين كبارا في "طالبان" شككوا في صحة الرسالة الصوتية المنسوبة إلى زعيمهم.
وصرّح مسؤول كبير في طالبان بالقول: "أعتقد بأن التسجيل مزور... أعتقد بأنه مات"، معتبرا "أن التمرد يسعى إلى كسب الوقت لتعيين زعيم جديد"، والتعافي من "هذه الصدمة المفاجئة". وقال: "نحتاج إلى إثباتات إضافية".
وقال مسؤول آخر في طالبان: "بعد الاستماع إلى الرسالة، لم أقتنع بأنه منصور"، فيما أكد مسؤول ثالث أن زعيم الحركة توفي متأثرا بجراحه.
من جهتهم، يتساءل خبراء في الشأن الأفغاني: "لماذا انتظروا خمسة أيام قبل نشر هذه الرسالة؟"، وأضافوا: "لو فعلوا ذلك من قبل لكان أكثر فاعلية".
وكثيرا ما كان ينظر إلى التعيين السريع للملا أختر منصور "المعتدل" خليفة للملا عمر على رأس " طالبان" ، باعتباره انتصارا لباكستان التي ولدت الحركة بمباركة منها وشجعت على خوض مفاوضات السلام مع كابول، رغم خطر تقسيمها.
كما تم تعيين مساعدين له هما الملا هيبة الله أخوندزاده الوجيه الديني المتنفذ وسراج الدين حقاني الزعيم الشهير لشبكة حقاني والمعروف بقربه من تنظيم "القاعدة" ومن باكستان.
ويقود سراج الدين حقاني شبكة تعتبر مقربة من باكستان إلى درجة أن الجيش الأمريكي وصفها في 2011 بأنها "الذراع المسلحة لجهاز الاستخبارات الباكستاني" القوي.
أما هيبة الله أخوندزاده، فأوقفته القوات الباكستانية "للصدفة المحرجة" لفترة وجيزة قبل عشرة أيام في مخبئه في كويتا جنوب غرب باكستان.
وقال كادر من "طالبان" يتخذ موقفا متشددا من باكستان تعليقا على ذلك: "نعتقد أن باكستان واستباقا منها لخلافة الملا عمر، أوقفته لإعطائه توجيهات حول الوضع لاحقا".
والوضع اللاحق هو مفاوضات السلام المنتظرة منذ فترة طويلة بين "طالبان" وكابول بعد نزاع مستمر منذ 13 سنة. وشهدت هذه المفاوضات تقدما بداية تموز/ يوليو الماضي مع أول اتصال رسمي مباشر بين الجانبين في موري في باكستان بحضور ممثلين عن الصين والولايات المتحدة.
وخلال الأشهر الماضية، ازدادت الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة التي تستعد لسحب آخر قواتها من أفغانستان في عام 2016، والصين المستعدة لاستثمار مليارات الدولارات في أفغانستان وباكستان مع فتح منفذ على بحر العرب، فواشنطن وبكين تريدان دفع إسلام آباد لجلب "طالبان" إلى طاولة الحوار.
لكن لا يخفي قياديون في" طالبان" غضبهم من تكتم القيادة على نبأ وفاة الملا عمر منذ سنتين وقامت بنشر بيانات باسمه، ويقولون:" بعضنا يشعر بأنه خدع، وهذا يعزز الشكوك بأن باكستان تتلاعب بالحركة".
ويقدم محللون مقاربة هامة بين تكتم "الحركة" على وفاة الملا عمر لمدة سنتين وبين الأنباء حول مقتل الملا أختر منصور، وهم باتوا يشككون في كل ما يصدر عن "طالبان" من أنباء، فحتى اللحظة لا يوجد ما يحسم الجدل حول مصير زعيم "طالبان " الذي يواجه انشقاقا قد لا يدوم طويلا إذا ما وقفت باكستان بحزم إلى جانب "الحل السلمي" في البلاد، وإلى جانب رجلها المفضل الملا منصور.