كتبت رندة حيدر: قد يكون أهم انجاز حققته الهبّة الفلسطينية الأخيرة أو انتفاضة السكاكين، أو انتفاضة الفايسبوك وتويتر كما يسميها البعض، انها خلقت حال هلع حقيقي في الشارع
الإسرائيلي كشفت هشاشة المجتمع الإسرائيليي عموما وأسطورة قوة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر خصوصا.
ما يجري اليوم هو ثورة من نوع لم يعرفه الفلسطينيون من قبل. إنها انتفاضة شبان لم يتجاوزوا العشرينات من عمرهم حولوا السكين أو السيارة إلى سلاح حقيقي في وجه أعظم قوة عسكرية في المنطقة هي الجيش الإسرائيلي. هم شبان عاديون علمانيون مثقفون لا علاقة لهم بداعش والمشاهد المرعبة لتقطيع الرؤوس. شبان في غالبيتهم حصّلوا تعليما جامعيا، يحبون الحياة وليسوا هواة موت، تحولوا تحت وطأة الإحباط واليأس إلى مقاومين من نوع جديد.
ونجحوا على رغم عزلتهم وفردانية تحركهم في نشر الذعر في شوارع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وفي شوارع إسرائيل نفسها. وفي الوقت عينه أشعلوا من جديد لهب الثورة في نفوس العديد من الشبان الآخرين الذين يتابعونهم على شبكات التواصل الاجتماعي.
انتفاضة السكاكين وضعت إسرائيل أمام معضلة حقيقية لأنها لا تحمل عنوانا سياسيا تستطيع إسرائيل تحميله مسؤولية ما يجري وتدفيعه الثمن. فالمقاومون الجدد ليسوا تابعين لحركة "فتح" في الضفة على رغم دعم الحركة لهم، وهم ليسوا أنصار "حماس" على رغم كل دعوات الحركة إلى انتفاضة شعبية في الضفة. في ظل الوضع الجديد لم تجد إسرائيل طرفا محددا توجه إليه الاتهامات، فاعتبرت أن التحريض هو المسؤول الأول عن الهبّة الفلسطينية الحالية، وهذا عنوان فضفاض لا يقدم جوابا شافيا عما يجري.
فضح الحراك الفلسطيني أمراض المجتمع الإسرائيلي مثل العنصرية اليهودية، والعداء للفلسطينيين، والتطرف اليميني – الديني، والخوف من الغريب والإسلاموفوبيا، وعنف الجموع.
والمفارقة الأساسية أن الهبّة الأخيرة استطاعت أن تحول ظاهرة التحرك الفردي من نقطة ضعف إلى نقطة قوة. صحيح أن المقاومين الجدد لم ينجحوا حتى الآن في جر الشارع الفلسطيني إلى تحرك شعبي شامل، لكنهم نجحوا في تعبئة الشباب الفلسطيني من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وقدموا لهم نموذجا مختلفا للتمرد، وحموا مجتمعاتهم من الانتقامات الإسرائيلية الجماعية.
هناك إفلاس إسرائيلي في مواجهة ما يجري، فبعض الإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال مثيرة للسخرية، مثل إرسال مذكرات إلى عائلات الطلبة الفلسطينيين، تطالبهم بالكشف المبكر عن ميول انتفاضية لدى أبنائهم، أو منع شراء سكين من دون إبراز بطاقة الهوية؛ أما بعضها الآخر فمهين ومجرم مثل عدم تسليم جثامين القتلى لدفنها، قبل تعهد العائلات أن تتم مراسم التشييع ليلا بحجة تجنب التحريض!
(عن صحيفة النهار اللبنانية، 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)