قال الكاتب الأمريكي سويل تشان، إن السياسي
العراقي أحد
الجلبي الذي توفي الثلاثاء الماضي في منزله ببغداد، ساعد في إقناع الولايات المتحدة على غزو بلاده، ثم حاول الوصول إلى السلطة بلا جدوى، ليموت بسكته قلبية في شقته.
وفي مقال له بـ"نيويورك تايمز" قال تشان إن الجلبي ربما كان "أكثر شخصيات العراق ارتباطاً بقرار الرئيس جورج دبليو بوش بغزو العراق وإسقاط الدكتاتور
صدام حسين الذي قضى في حكم البلاد زمناً طويلاً. ولد الجلبي لعائلة شيعية معروفة، ثم درس الرياضيات، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة شيكاغو، تمكن من إقامة علاقات وثيقة مع الصحفيين في كل من واشنطن ولندن، وكذلك مع المشرعين الأمريكان، ومع المستشارين من تيار المحافظين الجدد الذين ساعدوا في رسم السياسة الخارجية للرئيس بوش، ومع شبكة عريضة من المغتربين العراقيين، والذين كان عدد كبير منهم يتلقى مكافآت مالية مقابل تقديم معلومات استخباراتية عن حكومة صدام حسين".
وبحسب المقال، فقد امتدت علاقة السيد الجلبي مع الأمريكان لعدة عقود. وفي عام 1998، نجح في إقناع الكونغرس بوضع قانون "تحرير العراق" الذي وقع عليه الرئيس بيل كلينتون، وبالإعلان عن تبني الولايات المتحدة لسياسة تقضي باستبدال حكومة ديمقراطية بحكومة صدام حسين.
"ومع مرور الأيام تلقت مجموعته المتمثلة بالمؤتمر الوطني العراقي أكثر من مائة مليون دولار من وكالة المخابرات الأمريكية (السي آي إيه) ومن غيرها من الوكالات، وذلك منذ تأسيس المؤتمر في عام 1992 وحتى بداية الحرب على العراق".
وتابع تشان: "نجح في إقامة علاقات وثيقة مع دائرة من الجمهوريين الصقوريين، بما في ذلك: ديك تشيني، ودوغلاس جيه فيث، ووليام جيه لوتي، وريتشارد إن بيرل، وبول دي وولفويتز، والذين لعبوا أدواراً مركزية في مسيرة الولايات المتحدة الأمريكية نحو الحرب. كان السيد تشيني يشغل منصب نائب الرئيس بينما شغل الآخرون مناصب عليا في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)".
"كان السيد الجلبي يصر على أن صدام حسين كان يملك أسلحة دمار شامل، وقد وافقته في ذلك بشكل عام مختلف وكالات الاستخبارات الأمريكية. وكان صدام حسين قد استخدم الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد، وقتل الكثير من الشيعة ومن العراقيين الآخرين، كما رفض التعاون بشكل تام مع مفتشي الأمم المتحدة عن الأسلحة".
إلا أن معظم الأدلة التي استخدمت لتبرير الحرب نجمت عن معلومات استخباراتية مغلوطة، بما في ذلك شهادات العديد من المنشقين عن النظام والذين لم يكن ممكناً في نهاية المطاف إثبات صحة رواياتهم.
وعن التقرير الذي صدر عن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي قال الكاتب إنه خلص إلى أن "معلومات باطلة" وردت من مصادر تنتمي إلى المؤتمر الوطني العراقي الذي يرأسه السيد الجلبي "استخدمت لدعم تقديرات مهمة داخل أوساط الأجهزة الاستخباراتية بشأن العراق ما لبثت أن وزعت على نطاق واسع على شكل بيانات استخباراتية قبيل الحرب". ووجد التقرير أن هذه المجموعة "حاولت التأثير على سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق من خلال تقديم معلومات باطلة عبر منشقين باتجاه إقناع الولايات المتحدة بأن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل وأنه كانت له ارتباطات بالإرهابيين".
وعن المنشقين عن نظام صدام تابع المقال: "لعل أكثر هؤلاء المنشقين شهرة في هذا المجال هو رافيد أحمد علوان الجنابي الذي كان يلقب بالمشاغب، وهو شقيق أحد مساعدي الجلبي، وهو الذي نقل عنه وزير الخارجية كولين إل باول في الأمم المتحدة مزاعمه عن وجود معامل الأسلحة البيولوجية المتنقلة. وقال تقرير مجلس الشيوخ إنه لا يوجد أساس كافي لمعرفة ما إذا كان “المشاغب” كان مكلفاً بإعطاء هذه المعلومات (المغلوطة) من قبل المجلس الوطني العراقي".
ومن المنشقين الآخرين الذين روجت مجموعة السيد الجلبي لمزاعمهم صباح خليفة خودادا علمي وأبو زينب القريري، وهما اللذان زعما بأن الإرهابيين الإسلاميين تلقوا التدريب في منتصف التسعينيات في معسكر داخل العراق اسمه سلمان باك، ومنهم أيضاً خضر حمزة الذي قال إن صدام حسين حاول بناء سلاح نووي في أوائل التسعينيات، ومنهم أيضاً عدنان إحسان سعيد الحيدري، الذي أخبر صحيفة نيويورك تايمز بأنه زار ما لا يقل عن عشرين موقعا سريا للأسلحة داخل العراق.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد قالت في مقال لمحررها في عام 2004، "إن تقارير المنشقين العراقيين لم تكن دوماً توزن مقابل رغبتهم الجامحة في إسقاط صدام حسين"، وقالت أيضا: "لقد غرر بنا كما غرر بالإدارة الأمريكية".
"ولما بات واضحاً أن العراق لم تكن بحوزته لا أسلحة كيماوية ولا بيولوجية نشطة ولم يكن لديه برنامج لتصنيع الأسلحة النووية، ورافق ذلك حقيقة أن قوات الاحتلال الأمريكية لم تلق الترحيب الذي تنبأت به المعارضة العراقية، بدأت إدارة الرئيس
جورج بوش بالنأي بنفسها عن الجلبي".
وأضاف: "إثر ازدراء الأمريكيين له وابتعادهم عنه ذهب السيد الجلبي يبرم تحالفاً مع مقتدى الصدر، الزعيم الشيعي المتشدد المتحالف مع إيران والذي تسبب جيش المهدي التابع له في تفجير انتفاضتين دمويتين، والذي لا يزال قوة بارزة في الساحة السياسية العراقية".
بعد إجراء مقابلة مع السيد الجلبي في منزله بالعاصمة البريطانية لندن – حيث كان يقضى الإجازة، كتب ديكستر فيلكينز في مجلة التايمز في عام 2006 ما يلي: "لقد بدأ كل ما سخر الجلبي من أجله حياته – أي إقامة عراق حديث وديمقراطي – يهوي إلى قعر سحيق باتجاه مصير محتوم من التهافت والتفسخ. وبالفعل، لقد أصبح الجلبي بالنسبة لكثيرين في الغرب تجسيداً لكل الإخفاقات والمصائب التي وقعت في العراق بما في ذلك الكذب والغطرسة والاحتلال الكارثي".
ومع ذلك، وخلال العام الماضي، طُرح اسم الجلبي مرشحاً لرئاسة الوزراء، وظل حتى وفاته رئيساً للجنة المالية في البرلمان العراقي.
أصدر القادة العراقيون يوم الثلاثاء بيانات أكدوا فيها على دور الجلبي في الإطاحة بالرئيس صدام حسين، الذي أسره الأمريكان في عام 2003 وأعدمه العراقيون في عام 2006.
وقال عنه رئيس الوزراء حيدر العبادي في بيان أصدره تعليقاً على وفاته: "لقد سخر حياته لمعارضة النظام الدكتاتوري، ولعب دوراً عظيماً في بناء العملية الديمقراطية في العراق".
ولد أحمد عبد الهادي الجلبي في بغداد في الثلاثين من أكتوبر من عام 1944، وكانت عائلته جزءا من نخبة شيعية علمانية صغيرة أثرت تحت الحكم العثماني التركي ثم في ظل الحكم الملكي الهاشمي الذي أقامه البريطانيون ما بعد الحرب العالمية الأولى.
درس السيد الجلبي في مدرسة ثانوية عيسوية نخبوية اسمها كلية بغداد، وكان من زملاء الدراسة معه شيعة من مثل إياد علاوي، والذي أصبح فيما بعد قريباً له من خلال المصاهرة وشغل منصب القائم بأعمال رئيس الوزراء. ومن زملائه في الدراسة أيضاً عادل عبد المهدي، والذي أصبح فيما بعد وزيراً للمالية، ثم نائباً للرئيس، ويشغل الآن منصب وزير النفط.
وعن عائلة الجلبي قال الكاتب: "في عام 1958، وهي نفس السنة التي أطاح فيها الجيش بالملك فيصل الثاني، خرجت عائلة الجلبي لتعيش في المنفى. درس السيد الجلبي الرياضيات في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا قبل أن يحصل على الدكتوراه من جامعة شيكاغو في عام 1969. وخلال فترة حياته في الخارج قام حزب البعث بانقلاب في عام 1968 ومع حلول عام 1979 تمكن صدام حسين من إحكام قبضته على السلطة بالكامل".
تعاقبت الأحداث الكارثية بعد ذلك على العراق لتوقد الحماسة في نفوس المعارضين العراقيين في المنفى، وكان من أبرز هذه الأحداث الحرب الإيرانية العراقية المدمرة التي دارت رحاها ما بين عام 1980 وعام 1988 ثم قيام صدام حسين بغزو الكويت في عام 1990 وما نجم عنه من حرب قادها الأمريكان لإخراج قواته من الكويت في عام 1991. وفي عام 1992 أقدم السيد الجلبي مع عراقيين آخرين يعيشون في المنفى على تأسيس المؤتمر الوطني العراقي في لندن، والذي كان عبارة عن مظلة ائتلاف يشتمل على الجماعات التي كانت تسعى للإطاحة بصدام حسين. في ذلك الوقت بات السيد الجلبي على تواصل مستمر ومنتظم مع الأمريكيين، وذلك بالرغم من أن أفعاله كانت في بعض الأوقات على غير ما يشتهيه أو يقره الأمريكيون. ومن ذلك ما جرى عام 1995، وكان الجلبي ما يزال يتقاضى الدعم المالي من المخابرات المركزية الأمريكية (السي آي إيه)، عندما شن الجلبي من مدينة إربيل الكردية هجوماً فاشلاً، لم يقره الأمريكان ولم يفوضوه بالقيام به، ضد قوات صدام حسين.
وختم الكاتب مقاله بالقول: "كان من عواقب هذه المغامرة الفاشلة والوخيمة أن قرر الأتراك إرسال قواتهم إلى شمال العراق. وفي العام التالي تدخل السيد الجلبي في مخطط كانت قد أعدته المخابرات الأمريكية للإطاحة بصدام حسين، ما أدى إلى فشل المحاولة الانقلابية وقتل ما يزيد عن مائة وخمسين من مقاتلي المعارضة".