رسم مراسل صحيفة الغارديان كريس ستيفين، عبر تقرير له نشرته الصحيفة، صورة لوضع
السياحة في
تونس، وخاصة للشاطئ الذي ارتكبت فيه حادثة إطلاق النار على السياح الأجانب بالقرب من فندق بمدينة
سوسة في شهر حزيران الماضي.
واعتبر ستيفن في تقريره، أن الزائر للشاطئ يرى أن شيئا لم يحدث هناك، فالدماء تم غسلها، وأكاليل الورد جرتها مياه البحر، واللوحات التي تحمل رسائل المواساة، تم نقلها إلى مكان بعيد عن الأنظار.
ولكن في الليل، تعود ذكريات هجوم مدينة سوسة، إلى رأس كريم سحلول البالغ من العمر 38 عاما، ويعمل في إحدى
الفنادق المجاورة للفندق الذي وقعت فيه الحادثة.
فوفقا لتقرير ستيفن، فإن سحلول خاطر بنفسه لإنقاذ سائحة بريطانية نجت من إصابتها، حيث يقول كريم عن تأثيرات تلك الحادثة: "إنني لا أستطيع النوم إلا بعد تناول حبوب تساعدني على النوم".
ومما يزيد من مأساة سحلول، أنه فقد وظيفته في الفندق الذي خلا من النزلاء مثل غيره من الفنادق في مدينة سوسة الساحلية، فمحاولات الحكومة طمأنة السياح، عن طريق مهاجمتها لمعاقل الجهاديين، واعتقالها 160 مشتبها به، لم يكن كفيلا بعودة السياح إلى المدينة الساحلية وفنادقها.
يروي سحلول، معاناته مع كابوس حادثة شاطئ سوسة، ويقول: "بعد منتصف يوم جمعة مشمس في أواخر حزيران/ يونيو، حيث نظرت من شباك الفندق فرأيت السياح يتراكضون في ذعر، عندها ظننت أولا أنها تسونامي، حيث لم أسمع إطلاق نار ولم أفهم ما يحدث".
وتابع "ركضت إلى الشاطئ حيث رأيت سيف الدين رزقي، ببزته السوداء ويلوح برشاشه، ويمشي على مهله، ويبتسم، وكان قد قتل حينها 38 سائحا منهم 30 بريطانيا".
في ذلك الوقت، قام سحلول بالانضمام إلى مجموعة من عمال الفنادق، لتشكيل جدار يقف في وجه المسلح رزقي، عندها ركض رزقي إلى الجانب الآخر، حيث قتلته الشرطة، في حين ركض سحلول إلى فندق مرحبا ليبحث عن ناجين من الحادثة.
هناك رأى سحلول زوجين كهلين في ملابس السباحة بجانب بعضهما، وقد اخترقهما الرصاص، حيث اعتقد أن الزوجين توفيا، ولكن "حركت المرأة يدها" فعرف سحلول أنها حية، تلك المرآة كانت ألسون هيثكوت (48 عاما) وصفها الأطباء بأنها "المريضة المعجزة".
قام سحلول بتغطية جروحها بمنشفة، فنظرت إليه، وابتسمت وحاول هو إبقاءها في حالة وعي، حيث قال: "هذا شيء نحن مدربون عليه، كنت أعرف أن أهم شيء أن أبقيها في وعيها".
طلبت المرأة الجريحة "هيثكوت" ماء، فوجد سحلول قنينة من الماء، وبلل شفتيها، وبدأ يسألها أسئلة ليبقيها واعية، فسألها عن اسمها، إذ أجابت: "أليسون" وسألها متى أتت إلى هنا، فقالت: "بالأمس".
وبعدها جاء سؤال صعقة، يقول سحلول: "سألتني ماذا حصل لزوجي".
كان جسد فيليب (53 عاما) زوج هيثكوت، ملقى بعيدا عنها بأمتار، حينها قرر سحلول بسرعة ألا يخبرها الحقيقة لخوفه عليها من الصدمة، التي قد تقتلها، ولكنه قرر ألا يكذب أيضا فقال لها: "لا تفكري في زوجك فأنت بحاجة لأن تعيشي".
وبقي سحلول حوالي ساعة على ما هو عليه، حتى وصل المسعفون، إذ أعطاه أحدهم كيس تغذية بالتنقيط ليحمله، بينما يضع المسعفون المرأة الجريحة على حمالة ،إسعاف، في الوقت الذي سأل فيه سحلول عن مدى إمكانية نجاة المرأة، فقال له الطبيب: "ادع لها"، في حين تم نقل هيثكوت جوا إلى بريطانيا حيث لا تزال في المستشفى.
بين، سحلول أنه في وقتها لم يشعر بالخوف، بل كان عنده إحساس بضرورة المساعدة، ولكن الصدمة جاءت لاحقا حيث قال: "لم أستطع النوم بعد ذلك وراجعت الطبيب وحصلت على ثلاثة أسابيع إجازة من العمل".
ولكن سحلول، يواجه الآن مشكلة أخرى، وهي انهيار قطاع السياحة التونسي تماما، حيث تحذر بريطانيا وغيرها من البلدان من السفر إلى تونس، بل قامت الشركات السياحية بإلغاء الحجوزات، في حين يتوقع أن يتراجع عدد السياح البريطانيين هذا العام بنسبة 80- 90%، وتعتبر هذه ضربة قوية لاقتصاد ضعيف أصلا.
لقد فقد سحلول وظيفته الأسبوع الماضي، حيث أغلق الفندق الذي كان يعمل فيه، أما الفندق المجاور "مرحبا"، فقد بقي هناك عدد قليل من السياح الذين يتمتعون بأشعة الشمس على الشاطئ، ولكن الشركة الإسبانية التي تدير الفندق، قالت هذا الأسبوع إنها قد تغلقه بالإضافة إلى ثمانية فنادق أخرى.
وواصل كاتب التقرير ستيفن، قائلا: "لذلك، تعتبر زيارة فنادق مدينة سوسة في تونس، هذه الأيام تجربة مخيفة، حيث المسابح والبارات الفارغة والبوفيهات المليئة بالأطعمة لقلة الزوار".
من ناحيته، قال صلاح لحجوحي، الذي عمل في مطاعم الفنادق على مدى العشرين سنة الماضية، لمراسل صحيفة الغارديان: "تعتمد 90% من هذه البلدة على السياحة بشكل مباشر أو غير مباشر، ولذلك الجميع يعاني من قلة السياح".
ويشير لحجوحي إلى
الشواطئ الفارغة من السياح، قائلا: "لا أصدق ذلك، وأحلم أن أفتح عيني يوما وأجد الأمور عادت كما كانت".
فيما، بدأ سائق تكسي، بتعداد الفنادق المغلقة، حيث وقف بمركبته أمام فندق مغلق، وضغط بيده على مقود مركبته، وقال: "سوسة تموت".
بدوره، قال المدير العام لمكتب السياحة التونسي عبداللطيف همام، في تصريحات صحفية: "إن قطاع السياحة يعرف المشكلة، فالأولية الأساسية للسنوات المقبلة هي السلامة، السلامة، السلامة، فلا يمكننا تحمل أي حوادث أخرى".
وواصل ستيفن في تقريره، قائلا: "أعلنت الحكومة حالة الطوارئ بعد الهجوم، ومررت قانون مكافحة الإرهاب، شديد القسوة، وتمت مهاجمة 3 معسكرات جهادية، وتم الشروع ببناء جدار عازل على الحدود الليبية التونسية، لمنع تسلل عناصر
تنظيم الدولة".
بدوره، قال المسؤول الإعلامي في وزارة الداخلية التونسية، وليد الوقيني: "ساعدتنا حالة الطوارئ بشكل كبير في القبض على الإرهابيين، ويخضع من اعتقل منهم في هجوم سوسة للتحقيق وستتم محاكمتهم علنا".
وواصل كاتب التقرير، قائلا: "ولكن التهديد الإرهابي لا يزال بحاجة للاجتثاث في معارك القط والفأر، التي تدور بين المتطرفين وقوات الأمن في المناطق الحدودية، وفي الوقت ذاته يستمر تنظيم الدولة بالنمو في فوضى ليبيا المجاورة".
ففي غرب ليبيا وبالتعيين في مدينة سبراطة، تم تدريب التونسي الرزقي والتونسيان الانتحاريان اللذين قتلا 21 سائحا في متحف باردو في العاصمة تونس.
يقول خبير الإرهاب ديفيد ثومسون من باريس: "من المستحيل على السلطات التونسية أن تستطيع التعامل مع تنظيم الدولة الذي يتخذ من ليبيا قاعدة له، لا نقول إن تونس لا تفعل شيئا، بل إنهم ضربوا الجهاديين، ولكن لم يستطيعوا القضاء على التهديد".
ويتخوف البعض من أن تكون هناك ردة فعل سلبية للقوانين الجديدة، إذ قد تزيد من نفور الشباب العاطل عن العمل ودفعهم إلى أحضان تنظيم الدولة، خاصة في البلدات المحرومة مثل "قعفور" التي تبعد 60 ميلا جنوب شرق تونس العاصمة حيث نشأ الرزقي.
وتعليقا على هذه القوانين، تقول آمنة قلالي، من منظمة هيومان رايتس واتش: "قد تقود هذه القوانين إلى زيادة في القمع، وقد تؤدي إلى رد فعل عنيف من الشباب الذي يتأثرون بهذه القوانين".
لكن الظاهر، أن شيئا تغير في سوسة، وهو انتشار رجال الأمن الكثيف، حيث تأخر وصول الشرطة يوم الهجوم إلى 40 دقيقة، ولكن اليوم يوجد شرطة مسلحين يلبسون القمصان البيضاء والسوداء في كل الفنادق بالرغم من تناقص عدد النزلاء، وهناك رقابة أكثر على تقاطعات الشوارع وفي الوقت نفسه يقوم خفر السواحل بحماية الشواطئ.
وينهي مراسل صحيفة الغارديان كريس ستيفين، تقريره بالتساؤل: "هل هذا يكفي لعودة السياحة؟"، مجيبا على سؤاله بنفسه "الوقت وحده كفيل بالإجابة"، أما سحلول فيرى أنه "سيبقى دون عمل لمدة ثمانية أشهر، ولا يدري كيف سيتدبر أمره، المهم من وجهة نظره أن "ألسون حية".