نشرت صحيفة
لوفيغارو الفرنسية تقريرا تعرضت فيه إلى الصعوبات التي تواجهها المفاوضات حول
الملف السوري، قالت فيه إن تذبذب الموقف الروسي بين رغبة المجتمع الدولي ورغبة إيران، يجعلها غير قادرة على لعب دور محوري في الجهود الرامية لحل الملف السوري.
وأشارت الصحيفة في هذا التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الأطراف المتفاوضة قد ضاعفت من عدد اللقاءات في الآونة الأخيرة، بمشاركة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والمملكة العربية السعودية من جهة، وإيران وروسيا من جهة أخرى، أملا في إيجاد حل سياسي للأزمة، والحيلولة دون توسع تنظيم الدولة في المنطقة، ولكن هذه الجهود لم تفض إلى أي نتيجة تذكر إلى حد الآن.
وأوضحت أن الانتهاء من مسألة الاتفاق حول الملف
النووي الإيراني، الذي كان مستأثرا بالجهود الديبلوماسية للدول الكبرى، والخسائر التي تكبدها الجيش النظامي السوري، قد ساهما في تحريك عجلة المفاوضات بين الأطراف المعنية.
وأشارت الصحيفة إلى رغبة موسكو في تدارك الفراغ الذي سببته اختياراتها الديبلوماسية الفاشلة في الماضي، وذلك عبر القبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات في مناسبات عدة، بهدف التسويق لمقترح يقضي بإنشاء تحالف موسّع يضم تركيا والعراق والمملكة العربية السعودية والجيش السوري، ويهدف إلى مجابهة تنظيم الدولة، وهو ما دفع ببعض المراقبين للاعتقاد بأن
روسيا مستعدة للتخلي عن حليفها بشار الأسد.
وأضافت أن هذا الاقتراح سرعان ما تهاوى أمام حدة الخلافات القائمة؛ حيث تذبذبت مواقف المسؤولين الروس بشأن الأسد، خاصة مع تأثرهم بالسياسة الخارجية لإيران، الداعمة للنظام السوري عسكريا وسياسيا، والتي أبدت رفضها القاطع للمشروع الروسي.
وفي هذا السياق، ذكرت لوفيغارو، نقلا عن كميل غران، مدير مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية بفرنسا، أن "سطوة وتأثير إيران في كل من العراق وسوريا، يفوقان نفوذ كل من الولايات المتحدة وروسيا"، وهو ما يفسر عودة موسكو إلى بيت الطاعة الإيراني.
وأكدت "لوفيغارو" أن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، قد اعتبر أن "اشتراط استثناء الأسد مسبقا من أي حل سياسي هو أمر غير مقبول لدى روسيا"، لتعود الساحة السورية بذلك إلى المربع الأول، في ظل عدم تغير مواقف الجهات المتفاوضة؛ حيث تصر فصائل المعارضة والمملكة العربية السعودية وتركيا والغرب على رحيل بشار الأسد، ويناصرهم في موقفهم هذا ائتلاف المعارضة الروسية الرافض لدعم بلاده للأسد، في حين ترفض كل من إيران وروسيا التخلي عن الأسد.
وقالت الصحيفة إن المبادرة الأخيرة للأمم المتحدة لم تكن مثمرة، وإنه على الرغم من دعم مجلس الأمن لإنشاء خطة جديدة للسلام وتشجيعه على الركون إلى الحل السياسي، فإن نص المشروع المقترح قد اتسم بالغموض، خاصة فيما يتعلق بمصير بشار الأسد؛ حيث اكتفى بالتأكيد على ضرورة أن تحظى الجهة المسؤولة عن المرحلة الانتقالية، بموافقة ورضى كل الأطراف، وهو ما اعتبرته لوفيغارو ضربا من التهرب.
وبحسب الصحيفة، فإن مستقبل هذا المشروع معلوم مسبقا، باعتبار أوجه التشابه العديدة مع خطة جنيف الثانية للسلام لسنة 2014 التي فشلت بسبب وقوفها عاجزة أمام تحديد مصير بشار الأسد.
وفي السياق ذاته، أشارت الصحيفة إلى تصريحات وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي أعرب عن تشكيكه في نجاح جهود الأمم المتحدة في إحداث تغيير جذري على الوضع بسوريا، كما لفت إلى عدم قدرة خطة السلام الروسية على تحقيق أي تقدم يذكر، وهو ما أثبتته تصريحات نظيره سيرجي لافروف.
وأضافت لوفيغارو أن امتناع باريس عن المشاركة في النشاط الديبلوماسي المكثف حول الشأن السوري، يعود أساسا إلى اقتناعها بعدم جدواه، في ظل عدم تغير موقفها من النظام السوري؛ حيث ترى الخارجية الفرنسية أنه لا يمكن التوصل لحل يتضمن وجود بشار الأسد على رأس السلطة. ونقلت عن فابيوس أنه "ليس بإمكان بشار الأسد الاضطلاع بمهمة بناء مستقبل بلاده"، كما أن فرنسا ترفض قطعا أي اتفاق قد يضم أيا من التنظيمات "الإرهابية المسلحة".
من جهة أخرى، أشارت الصحيفة إلى الوضعية الميدانية المعقدة، التي عمقت الصعوبات الديبلوماسية؛ حيث أصبحت سوريا حلبة مصارعة للقوى الإقليمية، الساعية لتوسيع مجال نفوذها في المنطقة، ما فاقم من حالة الفوضى السائدة.
وفي الختام، أشارت لوفيغارو إلى أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ملتزم بضبط النفس، تفاديا لأي تدخل عسكري على الميدان في الشرق الأوسط، والتزاما بإستراتيجية باراك أوباما، القائمة على "سياسة الاحتواء"، التي اعتبرتها الصحيفة فاشلة باعتبار أنها لم تتوصل إلى حماية الدول المجاورة من تبعات الحرب المستعرة بسوريا.