الرهانات التركية في تصعيد المواجهة مع الأكراد

ما تزال العمليات العسكرية التركية متواصلة ضد حزب العمال الكردستاني حتى الساعة منذ حوالي أسبوع بعد حادثة إرهابية نسبت إلى الدولة الإسلامية، رغم أن الأخيرة لم تعلن عن تبنيها لهذه العملية، مما أدى بتركيا إلى إعلان الحرب على الإرهاب بطريقتها، حيث ربطت بين نشاط الدولة الإسلامية وحزب العمال الكردستاني، وهو ما أدى بها إلى الانضمام إلى التحالف المحارب للدولة الإسلامية _المعروفة إعلاميا بداعش _ بعد تمهيد، من خلال شن حملة اعتقالات لأشخاص اشتبه في نيتهم للانضمام للتنظيم المتطرف، بالإضافة إلى نشطاء يساريين، وأيضا بالسماح لقوات الولايات المتحدة الأمريكية باستعمال قاعدة إنجرليك العسكرية للانطلاق في ضرباتها ضد الدولة الإسلامية في سوريا .

لا يوجد تفسير للتحركات التركية الأخيرة سوى أنها  ربما ترغب بمقايضة دورها في الحرب على الدولة الإسلامية بتنفيذ مطالبها المتكررة للولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت كالتالي: إعطاء الأولوية لإسقاط الأسد، وتأدية دور أكثر فعالية في الملف السوريأهم بنوده تشكيل منطقة عازلة في الشمال السوري، خصوصا وأن المعارضة السورية المسلحة تحقق إنجازات ميدانية، لكنها بحاجة إلى مزيد من الدعم لتترجم في مكاسب سياسية دائمة .

فضلا عن أن  الهاجس التركي من الأكراد يتنامى خصوصا مع ارتفاع حظوظهم الانتخابية، بما حققه حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مما أدى إلى فقدان حزب العدالة والتنمية النصاب القانوني لتشكيل حكومة أغلبية، وربما أيضا لأنها بدأت تشعر أن أكراد سوريا بدأوا يحققون إنجازات متواصلة سمحت لهم بالسيطرة على قطع جغرافية متصلة، تزيد مقومات وإمكانيات قيام دولة كردية، وهو ما يعني ضمنا لو تحقق ذلك، إنعاش المطالب الانفصالية لأكراد تركيا، فمن الواضح من الردود الرسمية أن تركيا تستشعر الخطر من فكرة قيام كيان كردي في الشمال السوري، وربما ما يعزز مخاوفها هو التعاون الكردي مع التحالف الدولي لمحاربة الدولة الإسلامية، الذي يمكن أن يكون له مقابل سياسي من خلال غض نظر القوى الدولية والتسامح مع فكرة قيام دولة كردية .

لابد أن التوقيت كان مثاليا مع هجوم سروج للتحرك وتغير المشهد السياسي الداخلي، وأيضا قواعد اللعبة الإقليمية، لكن في حسابات المكاسب والمخاطر ما الذي جعل تركيا تقوم بخطوة مماثلة تجاه الأكرا،د خصوصا أن التداعيات قد تكون مكلفة للسلام الداخلي بعد التصعيد ضد حزب العمال الكردستاني، وبالتأكيد لن تعود الأمور إلى ما كانت عليه سابقا، إضافة إلى أن الأكراد حليف مهم في الحرب على الدولة الإسلامية، فكيف يمكن لها أن تخلط الأوراق بهذا الشكل على ماذا تراهن ؟

على الأرجح أن تركيا تنطلق في خطوتها هذه من رهان جوهري، تم تأكيده أكثر من مرة في خطابات مسؤوليها، هو أن حزب العمال الكردستاني تنظيم إرهابي مصنف بهذه الصفة عند الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، ومن ثم فلن تجد ممانعة حقيقية من دول التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية في استهدافه، حتى وإن كانت بعض هذه الدول قد عبرت على استحياء بأنه يجب الحفاظ على السلام مع الأكراد، مثل تصريح المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وبعض الانتقادات غير الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية من دعمها أو على الأقل صمتها على التصعيد التركي على الأكراد إلا انها بقيت اصوات معزولة وغير مؤثرة خصوصا وان تركيا لا توجه ضرباتها للأطراف التي تحالفت معها الولايات الأمريكية لدحر الدولة الإسلامية .

الأمر الثاني، هو الرهان التركي على براغماتية أكراد العراق، فموقف البارزاني على سبيل المثال اتسم بالغموض؛ فتارة طالب حزب العمال الكردستاني بضبط النفس وتارة أخرى طالب اعضاءه مغادرة شمالي العراق، من خلال هذا النموذج توضح تركيا أنه يمكن أن تخوض حربا ضد الدولة الإسلامية، 
وضد حزب العمال الكردستاني دون أن يؤثر ذلك على علاقتها بأكراد العراق .

الأمر الثالث، هو الرهان التركي على أنه يمكن محاصرة  الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني في سوريا المدعو الاتحاد الديمقراطي الكردي ووصمه بصفة الإرهاب من القوى المعارضة المتعاطفة مع الجانب التركي .

إضافة إلى رهانها بأن هذه العمليات ستنجح في تحجيم أكراد الداخل التركي سياسيا، بتعزيز التوجه القومي لدى الأتراك، وإظهار حزب العدالة والتنمية بشكل أكثر قوة أيضا، مما سيؤدي إلى تحسين حظوظه لو تم اللجوء الى انتخابات برلمانية في هذه الفترة .

لكن ربما ما يغيب عن المسؤولين الأتراك هنا هو الحرب على الدولة الإسلامية قد تستمر لسنوات وربط تركيا للحرب ضد الدولة الإسلامية بالحرب على حزب العمال الكردستاني، يعني أن التوتر الداخلي لن يكون آنيا، بل سيستمر وربما يتزايد، إلا إذا نجحت لاحقا في فك هذا الارتباط والتوصل إلى صيغة للتفاهم مع الحزب العمال  الكردستاني بما يحل السلام بين الطرفين .