نشرت صحيفة "الواشنطن بوست" بتاريخ 10 تموز/ يوليو مقالا لمدير مكتب العلاقات الخارجية في حركة
أحرار الشام، لبيب النحاس، بعنوان "النتائج القاتلة للتصنيف الخاطئ للثوار في سوريا"، ضمنه عدة رسائل موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أثارت ضجة في الأوساط الجهادية داخل سوريا وخارجها.
وفي 21 تموز/ يوليو، نشرت صحيفة "الديلي تلغراف" مقالا آخر للنحاس بعنوان "أنا سوري أقاتل
داعش يوميا، هزيمة تنظيم الدولة ستحتاج من الغرب أكثر من مجرد قنابل"، ضمنه ذات الرسائل الواردة في مقاله الأول.
تباينت مواقف الحركات والقوى والشخصيات المعنية من مقالي النحاس، فثمة من مدحهما وأشاد بهما، وثمن الرسائل الموجهة فيهما، وثمة من هاجمهما وحذر من عاقبة المسلك الذي يدعو إليه النحاس فيهما، والمتمثل بتقديم أوراق اعتماد حركته "أحرار الشام" للغرب كبديل سني للنظام السوري، وكقوة قادرة على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في الوقت نفسه، بحسب وصف معارضي مقالي النحاس.
ففي الوقت الذي أثنى فيه أمير حركة أحرار الشام، أبو جابر الشيخ على المقال الأول، واعتبره عبر تغريدة له على حسابه في تويتر، "ارتقاء بالخطاب التقليدي لمستوى الهدي النبوي في إيصال ما نريد على قدر فهوم الآخرين، وبإدراك مستفيد من تدافعهم البيني".. فقد هاجمه بشدة منظرو التيار السلفي الجهادي؛ فأبو محمد المقدسي، أحد أبرز منظري التيار، علق معرضا بما جاء في المقال بقوله إن "الحرص على تلميع صورتك عند عدو يقصف إخوانك ويقتلهم بكل مكان بإعلانك له أنك لست منهم إن لم يكن مخلا بعرى التوحيد للتأويل، فهو مخز ومخل بالمروءة".
أما أبو قتادة الفلسطيني، أحد فقهاء التيار ومنظريه الكبار فقد أفرد مقالا للرد على مقالي النحاس، وصف فيه الخطاب الوارد فيهما بـ"الخطاب الفاشل" الذي "لن يحقق لقيادة الأحرار مقاصدها، ولكن سيجعلها تعادي محيطها الإسلامي الداعم لها، وخاصة التيار الجهادي الذي هو عصب الحركة الجهادية بكل ألوانها وأطيافها".
وفي السياق ذاته، أصدر المسؤول الشرعي العام لجبهة النصرة، الدكتور سامي العريدي، رسالة بعنوان "يا أهل الشام اسمعوا للحكيم أبي مصعب السوري: لا يلدغ المؤمن من جُحر مرتين"، أوضح في مقدمتها أنه كتبها للتحذير من عاقبة "الرسائل التي بعثت بها بعض الجماعات (من غير أن يسمي أحرار الشام) إلى بعض دول الغرب الصليبي والتي احتوت على كثير من الادعاءات والتطمينات والمتطلبات..".
توحي تحذيرات منظري السلفية الجهادية من رسائل النحاس ومهاجمتهم إياها، بأن ثمة خلافات حادة في الرؤية والحركة.. فما هي المرجعيات الحاكمة والموجهة القابعة في خلفية المشهد؟ وما الذي استفز رموز السلفية الجهادية (القاعدة وفروعها)، وحملهم على مهاجمة رسائل النحاس ومن ورائه توجه حركة أحرار الشام الجديد؟
ووفقا للباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، الدكتور محمد أبو رمان، فإن استراتيجية القاعدة تقوم على عولمة الجهاد، والحرب ضد الولات المتحدة الأمريكية، فحينما يأتي فصيل "جهادي" ليخطب ود الغرب، ويعلن اصطفافه معه لمحاربة "داعش"، فهو بمثابة التخلي عن الفكرة المركزية في أيديولوجية القاعدة العالمية وهو الصراع مع الرأسمالية والصليبية والصهيونية.
ورأى الباحث أبو رمان أن ما استفز منظري السلفية الجهادية من رسائل النحاس، يكمن في هواجسهم وتخوفاتهم من الدور الذي يمكن أن تلعبه "أحرار الشام" في المرحلة القادمة، بأن يكونوا صحوات كما حدث مع الجيش الإسلامي في العراق سابقا، حينما انحل وأصبح جزءا من الصحوات التي انخرطت في مواجهة القاعدة حينذاك.
وجوابا عن سؤال "
عربي21" حول فرصة نجاح الدعوة التي تضمنتها رسائل النحاس على الأرض، فقد قدر أبو رمان أنها تحظى بفرصة كبيرة للنجاح رغم وجود تحديات كبيرة أمام هذا اللون من التحولات (الشعارات والمسارات والأهداف)، سواء داخل أحرار الشام بتياراتها المختلفة، أم في ما يخص علاقتها مع جبهة النصرة.
وأشار أبو رمان إلى أن الأمريكيين براجماتيين في سلوكهم، ولديهم استعداد للالتقاء مع الأطراف الأخرى في منتصف الطريق، كأحرار الشام مثلا، إذا كانت تخدم مصالحهم وحربهم على تنظيم الدولة الإسلامية.
وأوضح أبو رمان أن جزءا كبيرا مما يحدث مرتبط بوسيط إقليمي، وهو تركيا التي تشن حربا على تنظيم الدولة حاليا، وهم بحاجة إلى من يملأ الفراغ، ومن المؤكد أن الطرف الإسلامي هو القادر على ذلك، وربما يعولون على أحرار الشام في هذا المجال.
من جانبه أكد الناشط الإسلامي جعفر العطار، أن مهاجمة منظري السلفية الجهادية لتوجه رسائل النحاس ينبع أصلا من رؤيتهم ومنهجيتهم القائمة على تحريم العمل السياسي برمته، فهم يرون تحريم الديمقراطية والمشاركة في العملية السياسية، ولا يجيزون التحاور مع الدول الغربية وفتح قنوات تواصل وحوار معها.
وأضاف العطار في حديثه لـ"
عربي 21" أنه لا يستغرب من مهاجمة منظري السلفية الجهادية للرؤية الواردة في خطاب النحاس، لأنهم محسوبون على فكر القاعدة، وهو "تيار تكفيري"، لكنه بات في نظر الناس معتدلا قياسا بما عليه تنظيم الدولة الإسلامية بحسب العطار.
واعتبر العطار رسائل النحاس انفتاحا إيجابيا يأتي في الوقت المناسب، ليوازي الفعل القتالي على الأرض، فثمة ضرورة قائمة لمخاطبة القوى المتنفذة في العالم، وشرح القضية باللغة التي يفهمونها، ولا يمكن الانغلاق على الذات، والعيش خارج العصر والزمن.
وفي تقييمه لمقالي النحاس، قال الإعلامي السوري، مدير مكتب الجزيرة في باكستان أحمد زيدان، لـ"
عربي 21": "المقالان جيدان، ويدخلان في دائرة الفعل السياسي المشروع"، موضحا أننا "لا نعيش على كوكب آخر، ولا بد أن نتعامل مع وقائع على الأرض".
تجدر الإشارة إلى أن تداعيات رسائل النحاس، بتوجهاتها الجديدة لحركة أحرار الشام، ما زالت تتفاعل في الأوساط المختلفة، معبرة عن منهجين مختلفين، أحدهما يرى ضرورة الانفتاح على القوى المؤثرة دوليا، والتنسيق مع "المحيط الإقليمي، وإقامة علاقات استراتيجية مع حلفاء القضية"، والآخر يحرم ذلك ويحذر منه.