كتب أحمد حسن الشرقاوي: الزميل طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة "السفير" اللبنانية تكبّد مشقة وعناء السفر من بيروت إلى القاهرة، ومن القاهرة إلى "منتجع الرواد" القريب من مرسى مطروح على الساحل الشمالي لمصر بالقرب من الحدود مع ليبيا، فقط ليلتقي مع الصحافي المصري العجوز محمد
حسنين هيكل المصاب بكسر في قدمه وخضع لعلاج مؤخرا في لندن.
الحوار نشر يوم الثلاثاء الماضي في العديد من الصحف المصرية، بعد أن نشرته "السفير" اللبنانية في اليوم السابق، ولا يمكن أن يكون نُشر بالصحف المصرية دون موافقة، أو على الأقل بضوء أخضر من جانب السلطات المصرية التي تهيمن على كل ما يكتب أو ينشر ويذاع في كافة وسائل الإعلام داخل مصر.
المهم أن تصريحات هيكل في هذا الحوار جلبت ضجة شديدة لم تتوقف تداعياتها حتى لحظة كتابة هذا المقال، فقد شن هيكل هجوما على المملكة العربية
السعودية وقياداتها، فيما أشاد بموقف دولة أخرى من الاتفاق النووي مع
إيران ووصفه بأنه إيجابي وجيد.
كما تطرق للكثير من الموضوعات التي يعتبرها كاتب هذه السطور استمرارا لمنهج هيكل في التضليل والتزييف الذي مارسه هيكل طوال حياته المديدة.
ولأن الحوار مليء بالمغالطات، فإنني سوف أركز على بعضها فقط، ولن أدافع عن كلامه الوقح وغير المقبول عن المملكة العربية السعودية لأن المملكة وقيادتها وشعبها أقدر في الرد عليه وعلى من يقف خلفه أفضل مني، ولكنني سأركز فقط على بعض أقواله ومنها أن "المعركة تدور حاليا في مصر حول ما إذا كان ينبغي الانفتاح على إيران"، ولاحظ هنا استخدامه كلمة "المعركة" وكأن استئناف العلاقات بين القاهرة وطهران يشهد جدلا شديدا وتقف خلفه قوى سياسية واجتماعية واقتصادية، وهذا غير صحيح على الإطلاق، بدليل أن العلاقات "شبه مقطوعة" بين البلدين، وفي أدنى مستوياتها منذ الثورة الإيرانية الخومينية عام 1979.
هيكل انتهى من هذا التوصيف غير الدقيق لواقع العلاقات بين مصر وإيران ليدخل مباشرة إلى نطاق الكذب الصريح ليقول: "الرئيس السيسي يستمع ويهتم"، يقصد أنه يستمع لهذا الجدل الذي وصفه بالمعركة ولم يتدخل حتى الآن!!
وهنا المعنى المراد إيصاله واضح، وهو أن موقف السيسي هو الذي سيحسم هذا الجدل الذي يسميه المعركة، ثم يدلف كاهن الفرعون الجديد في مصر لاستخدام الافتراءات غير الموثقة بالهمز واللمز فيقول: "هناك محاولات هائلة لكي لا يحدث التقارب بين القاهرة وطهران"!!
وإذا قرأت عبارة هيكل مجتمعة سوف تكتشف أنها ليست سوى رسالة غير مباشرة، وأنها تحاشت أسلوب "المباشرة" الفج في الابتزاز عبر الصحافة المصرية المعروفة بانبطاحها الكامل أمام سلطة الانقلاب، وذلك من خلال صحافي لبناني وصحيفة لبنانية، وكاهن يبحث عن فرعون يستخدمه كبوق لتوصيل رسائله لمن يريد ابتزازهم للحصول على المزيد من "الرز"!!
وفي عبارة أخرى يدافع هيكل عن حزب الله اللبناني ودوره في سوريا ويقول بالحرف الواحد: "حزب الله يقاتل في سوريا دفاعا عن نفسه وعن وجوده في لبنان"، وكأن كتائب الثوار في سوريا قامت بغزو الضاحية الجنوبية ومعاقل حزب الله في بيروت!!
وفي موضع آخر، يدغدغ هيكل مشاعر السياسيين الإيرانيين بالربط بين إيران الدولة ونظيرتها في مصر، ويمارس الدجل السياسي بالقول: "ليس هناك أقوى من شعب على أرضه.. هناك حضارة فارسية على هذه الأرض، وفي هؤلاء الناس، وهذا ما له قيمة كبيرة، ومصر برغم كل ما أصابها مارست هذا الأمر في فترة ما"!!
الربط هنا يدغدغ المشاعر ويربط بين تاريخ مصر كشعب وإقليم واحد من جهة، وبين إيران الحالية المكون من العديد من الشعوب والعرقيات من جهة أخرى، ثم يعمد هيكل لتجاوز حقائق التاريخ بالقول صراحة إن "إيران مثل مصر، دولة حقيقية وجدت على أرض محددة عبر التاريخ وبقيت في الموقع نفسه دون تغيير، وتحمل في تكوينها حضارة طويلة وقوة".
وهنا يبلغ الكذب مبلغه لأن إيران الحالية ضمت أكثر من ثلثي مساحتها الحالية في أوائل عشرينيات القرن الماضي عندما استولت على منطقة الأحواز العربية المواجهة للخليج العربي، والتي تضم عربا من السنة لم يتشيّعوا ضمن سياسات إسماعيل الصفوي التي أجبرت بقية أقاليم فارس على تبني المذهب الشيعي.
هيكل يعلم ذلك تماما لكنه يدغدغ المشاعر الإيرانية في نشوة انتصارها بالتوصل إلى اتفاق مع الغرب، ويقوم بـ"التخديم" على أهداف السيسي في الحصول على "بديل إيراني للمساعدات الخليجية وابتزاز الخليجيين بها".
وهو في النهاية يشيد بموقف إحدى الدول العربية التي قامت وفقا له بدور إيجابي وجيد في التعامل مع إيران وتهنئتها بالتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي (دون تحفظات أو إشارة لأهمية احترام طهران لاستقلال وسلامة أراضي البلدان العربية، ابتداء من العراق مرورا بسوريا ولبنان وحتى اليمن) أو حتى تذكيرها بالانسحاب من الجزر الإماراتية التي احتلتها في الخليج العربي وهي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى!!
الأهم من كل التدليس والتزييف الذي مارسه هيكل في حواره لصحيفة السفير اللبنانية أن هذا الحوار يأتي في أعقاب مقال مهم للكاتب فهمي هويدي نشر في صحيفة "الشروق" المصرية يوم السبت 18 يوليو 2015: انتقد فيه السياسات الإقليمية لإحدى الدول العربية وطموحات أحد قيادييها، مما دفع مسؤولا بارزا بهذه الدولة للرد على هويدي بتغريدة على "تويتر".
وفيما يرى البعض وجود ربط بين تلك التصريحات وحالة التعاطي الخليجي مع الاتفاق النووي مع إيران، فإن وسائل إعلامية مقربة من سلطة عبدالفتاح السيسي الانقلابية بدأت مساء الأربعاء الماضي حملة هجوم شرسة على هيكل، وصفته فيها بأنه بات "مخرفا ويعاني من الموت الإكلينيكي"!!
(عن العرب القطرية- السبت 25 تموز/ يوليو 2015)