تمتلك تركيا الحق في إنشاء منطقة آمنة خارج حدودها، أي في سوريا. لأن أمن تركيا اليوم في خطر، ولأن أمنها في خطر، لا يمنعها القانون الدولي من ذلك. ولا يستطيع أحد محاسبة تركيا على ذلك، إن أرادت إنشاء تلك المنطقة الآمنة. وهي تمتلك شرعية للدفاع عن نفسها من المخاطر القريبة المحدقة بها. والسبب الآخر في مشروعية هذه المنطقة الآمنة، هو احتواء تركيا لأكثر من مليوني لاجئ، والتخوف الأكبر هو ازدياد هذا الرقم إلى أربعة ملايين إضافية.
وأي دولة لا تستطيع أو تعجز عن الدفاع على حدودها، تعتبر دولة ضعيفة وهزيلة. لاسيما أن هناك اليوم مشروعا لتحويل حدودها الجنوبية الممتد من حدود العراق إلى البحر الأبيض المتوسط، إلى جبهة تعادي تركيا. وتدخّل تركيا لمنع هذا الشيء، هو دفاع عن النفس.
نجحت تركيا عبر سياستها على التأثير في المنطقة والعالم. لكننا لم نرى تلك الفعالية نفسها من الجهة الأمنية. نعم طوّرت تركيا من سياستها واقتصادها، وانفتحت بهما على العالم الخارجي. ولكنها انحصرت وتراجعت إلى ذاتها في الجهة الأمنية. كلّما تشكّلت أزمة في المنطقة انحسرت وانضوت إلى ذاتها أكثر فأكثر. حتى تحوّل هذا الأمر إلى نوع من أنواع المرض.
أمام القلق المريب، والنأي بالنفس واللامبالاة الغريبين، كان يستوجب على الوحدات الأمنية التركية أن تعلن النفير العام في تركيا، وذلك حسب المعطيات العسكرية الخطيرة على حدودها. ولكن ماذا تنتظر وحدات الأمن، هل تنتظر ليأتي أحدهم ويقوم بقصف إسطنبول؟ أم تنتظر حتى يتم قصف العاصمة أنقرة؟ أي نوع من التهديد أو الخطر يمكن أن يحرّك تركيا لاتخاذ الاحتياطات والتدابير؟
ماذا كانت ستصنع روسيا لو وقعت في نفس حالة تركيا؟ أو إيران أو ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا أو حتى الولايات المتحدة. حتما كانوا سيقومون باتخاذ الإجراءات اللازمة للدفاع عن أمنهم. ولن تبالي أي جهة منهم لما كان سيقوله المجتمع الدولي.
نرى ذلك اليوم من الطرف الإيراني الذي استشعرت بخطر قادم نحو حدوده، فأرسلت قوات عسكرية خارج حدودها، وتواجه إيران الخطر في لبنان والعراق واليمن، قبل مجيئها إليها. انظروا إلى أمريكا وحلفائها، احتلت أفغانستان لأن القاعدة موجود هناك، احتلت دولة كاملة، من أجل تنظيم فقط!
توجد في سوريا عشرات التنظيمات بدل الواحدة. هنالك تنظيم داعش، وتنظيمات تابعة لحزب العمال الكردستاني "بي كي كي" الإرهابي. لو كانت حدود سوريا تحد أمريكا، لكان الأمريكان احتلوا سوريا اليوم. وأمام هذا المشهد، تركيا مازالت تتحدث عن القانون الدولي والشرعية.
التهديد يتحول إلى خطر، والخطر يتحول إلى فعل، ويتوغّل إلى الداخل التركي وإلى المدن التركية، وتركيا لا تتحرّك قيد أنملة. تأتي إحدى التنظيمات وتحتل الحدود الجنونية لتركيا، مستفيدة من الفوضى لكي تملئ الفراغ الموجود، والمنظمة هذه ليست دولة حتى، وتركيا جالسة في مكان المتفرج.
إن كانت المكاسب الجغرافية لهذا التنظيم أكبر من أمن تركيا. وهي قادرة على تحريك الشارع التركي، وتسرح وتمرح كيفما تشاء. فلا يقوم أحدهم، ويلقي لنا شعرا في القانون الدولي ويدافع عنه بالعبارات المزينة الزائفة. إن كان أحدهم يريد إدخال تركيا في فوضى، وقام بنشر فتنة وعداء لتركيا، يجب على تركيا أن تتدخّل فورا ولا يجوز لها أن تقف مكتوفة الأيدي.
لا تستطيع أي دولة أن ترمي بمستقبلها إلى التهلكة. ولا يستطيع أي مسؤول في تركيا أن يتهرّب من مسؤولياته أمام هذا الخطر. تركيا اليوم أمام امتحان كبير، أكبر من البيروقراطية وأقاويل سياسية.
المنطقة اليوم تعيش نوعا من الزلزال. تتغير فيها خريطة المنطقة والأنظمة. وهناك مكائد كبيرة تحاك لها. لذلك يجب اتخاذ التدابير اللازمة فورا. إن لم تتدخل ربما ستتغير خارطة تركيا أيضا. إذا بقيت تركيا على هذا الخمول، ستقع في مأزق ضعف الإرادة. وبعد خطوات سيحل بها نفس السيناريو الذي تعيشه المنطقة.
وإن كان منظور تركيا السياسي، وقراءتها الأمنية، وعقل دولتها تظهر نوعا من الضعف على أمن حدودها. حتما سيفرض عليها رسم الخريطة الجديدة وتقسيمها. لا ينبغي لتركيا أن تصبر حتى يأتي الخطر ويضرب أنقرة وإسطنبول!!