مقالات مختارة

هؤلاء يقاتلون مع "البغدادي"..!!

حسين الرواشدة
1300x600
1300x600
كتب حسين الرواشدة: ما لم ينهض الغيورون في بلدنا لمواجهة هذه "الزفة" العلمانية المتطرفة التي تريد باسم "داعش" أن تهدم مجتمعنا، فإننا -لا سمح الله- سنقع في المحظور الذي وقع فيه غيرنا، حيث التطرف والتطرف المضاد الذي خرجت منه داعش بأكثر من نسخة في بلادنا العربية والإسلامية. 

لقد حفلت الأسابيع المنصرفة بنماذج مفزعة لهؤلاء الذين يريدون أن ينتقموا من الدين والهوية ومن المشتركات الوطنية والإنسانية التي تجمعها، وكأننا -للأسف- في مرحلة تصفية حسابات تاريخية استغلها بعض "المتربصين" بنا، ويا ليت أنهم تحركوا في دائرة الاختلاف الذي يحافظ على أخلاقيات الخصومة وواجب الضيافة، عندها يمكن أن نحاورهم أو نعاتبهم أو نحترم وجهات نظرهم. 

لكنهم كشروا عن أنيابهم، وخلعوا الأقنعة التي تخفي أضغانهم، وأشهروا ما ابتلعوه من كراهية، حتى أنه لم يسلم من فجورهم أحد، لا المناهج التي أقحموا عليها داعش، ولا موروثنا وتاريخنا الذي ألصقوا به تهمة التكفير والتفجير، ولا علماؤنا ودعاتنا الذين استقبلوهم بالشتائم. 

لا يستحق هؤلاء الرد، لكن من حق أجيالنا التي انحازت للصواب والفضيلة، وأفرزت أفضل ما فيها من قيم التدين الصحيح والاعتزاز بدينها وتاريخها ودعاتها، أن تعرف حقيقة هؤلاء الذين انحازوا للقتلة وأدمنوا على الاستبداد، وتنازلوا عن ضمائرهم في لحظة غفلة واسترقاق. 

ومن حقها أن تكشف دعواتهم المغشوشة، وأقلامهم المسمومة، ليس دفاعا عن داعية أو انحيازا لفصيل أو تيار، وإنما من أجل ألا نصحو على كتائب جديدة من "الدواعش" التي سيخرج من رحمها -كما خرج فيما مضى- دواعش أخرى تهدد أمننا واستقرار بلادنا. 

من يطالب بشطب أصول من عقيدتنا وردت في مناهجنا من عشرات السنين، أو من لا يسعده أن يرى صورا لمحجبات في كتب أبنائنا المدرسية، أو من يريد أن يسوّق لفكرة أن داعش خرجت من كراسات التلميذ، وأن مواجهتها لا بد أن تبدأ بعزل كل ما ينتسب إلى الدين وطرد كل من يتكلم باسمه، هذا الصنف أخطر علينا من داعش، لأنه يؤسس لـ "الأساطير" ذاتها التي خرجت منها هذه التنظيمات الإرهابية: أسطورة المناهج الداعشية، وأسطورة التاريخ الحربي لأمتنا، وأسطورة الإسلام الذي أعطى قطّاع الرؤوس شرعية التمدد.. 

مع أن الحقائق التي يعرفها كل منصف تقول: إن داعش خرجت من تربة "السياسة" بما فيها من ظلم واستبداد وفساد، ومن تربة العداء للدين بكل ما حمل أصحابه من كراهية لتاريخ أمتنا المشرق، وما اقترفوه من تزوير لطمس هويتنا وتئييس أجيالنا وتحريرنا من أي معتقد أو أخلاق. 

داعش التي نعرفها هي الابن الشرعي لهؤلاء الذين صفقوا للأسد وهو يقتل شعبة بدم بارد، وانحازوا للانقلابات وهي تحز رقبة الديموقراطية وشرعية الصناديق، وهتفوا باسم "أدونيس" الذي أعاد علينا قراءة مزامير الكراهية، داعش التي نرى وجهها القبيح في بلداننا هي التي تستقوي بهؤلاء لإقناع شبابنا بأنهم يواجهون "الفجور" الذي يرفع أصواته في شوارعنا. 

ومن غير هؤلاء الذين يحملون سيف داعش لتخويفنا من أنفسنا، وتغيير لغتنا وهويتنا، والخروج من جلدنا والتنكر لأسمائنا، من غيرهم منح داعش فرصة البقاء والتمدد ومنح المتعاطفين معها "الأغرار" الرغبة في الانتقام؟ 

بصراحة لا بد أن نقول لكل هؤلاء الذين يحاولون أن يصطادوا في المياه "العكرة" التي تسبح فيها "الدواعش": إن كانت مناهجنا الدينية بحاجة إلى إصلاح فثمة علماء وخبراء نثق بهم وهم قادرون على القيام بهذه المهمة، وإن كان التطرف خرج من حقل الدين كما تزعمون، فإن دعواتكم لعزل الدين وإقصاء المؤمنين به ستغذي وتؤجج لدى أتباعه مشاعر أكثر تطرفا. 

أما إن كانت أهدافكم "نبيلة وحقيقية" لمواجهة داعش وأخواتها، فدونكم التربة الأصلية التي خرجت منها والداعمون الحقيقيون لها، والمتحالفون معها، والدساتير والشعارات والخيبات الوطنية التي استظلت تحتها. 

بمقدوركم أن تكونوا أكثر شجاعة إذا ذهبتم للعناوين الصحيحة التي كتبت "داعش" تحتها سردياتها ورواياتها، لكن الحقيقة المرة أنكم جزء من المشكلة، وأعوان "للبغدادي"، وإن كنتم تتبرؤون منه في العلن، وتلبسون ما يلزم من أقنعة لإشهار كراهيتكم له، فيما سيوفكم تحارب معه.

(عن صحيفة الدستور الأردنية 7 تموز/ يوليو 2015)
التعليقات (0)

خبر عاجل