قضايا وآراء

بين الثورية و"الغشم" السياسي

قطب العربي
1300x600
1300x600
فارق بين الثورية (نهجا وسلوكا)، والغشم السياسي نهجا وسلوكا أيضا، الثورية عمل نبيل يستهدف تحقيق غايات مشروعة وتغيير الواقع المنحط، والفاسد والمتخلف بصورة جذرية إلى واقع أفضل يسوده العدل والتكافل والحريات الأساسية، ويجد فيه كل إنسان لقمة عيش كريمة، ومعاملة إنسانية لائقة، وخدمات ميسرة، والثورية تعني استخدام كل طرق التغيير المشروعة وفق علم الثورات وخبرات التاريخ الثوري لإحداث هذا التغيير المطلوب.

ومن يطلع على كتب وأدبيات حرب اللاعنف، فإنه سيكتشف طيفا واسعا من أساليب تلك المعركة التي تجعلها ضمن وصف الثورية، وتخرجها من وصف العنف والعمل المسلح الذي يفسد الثورات ويحولها إلى مجرد حرب عصابات تنتهي بانتصار أحد الأطراف أو بدمارها جميعا، كما تخرجها من حالة الميوعة والاستسلام التي تقتل الثورة تماما، ووفقا لتعريف أكاديمية التغيير فإن حرب اللاعنف تعني شن الصراع الحاسم على الخصوم المعاندين من خلال التحكم المقصود والمخطط في أدوات القوة السياسية لتحطيم إرادة الخصم باستخدام أسلحة لاعنيفة قوية التأثير.

وكما ذكرت في مقال سابق عبر هذه المساحة، فإن الأعمال الثورية التي استخدمت في ثورة يناير، ومن قبلها في كل الثورات الكبرى هي أعمال مشروعة في خبرة وعلم الثورات، وليس مقبولا ممن مارسوها بأنفسهم من قبل أن يعيبوا على غيرهم ممارستها الآن ويصفوهم بالإرهاب، ولكنني في الوقت نفسه حذرت في مقالي من مغبة اللجوء إلى تسليح الثورة لأن في ذلك نهايتها ونهاية الثوار، واستقرارا لحكم العسكر 30-40 سنة كما قال السيسي مدعوما برضا محلي وإقليمي ودولي.

الثورية عملية متكاملة تجمع النضال الميداني على الأرض والذي يصل ذروته بالعصيان المدني الشامل (وفقا لتقديرات القيادات الميدانية وحساباتها حول احتمالات الاستجابة له)، ولكنها (أي الثورية) تشمل أيضا العمل السياسي المصاحب للحراك الميداني، لأن الحراك الميداني بكل صوره لن يحسم وحده المعركة مع الانقلاب، وإن كان بالتأكيد يخلق بيئة مواتية للحسم، ويربك النظام القائم ويدفعه لارتكاب المزيد من الأخطاء والحماقات التي تستفز قطاعات جديدة من المواطنين والرأي العام الدولي، ولكن هذا الغضب المحلي والدولي يحتاج لمن يحسن توظيفه سياسيا عبر مشروع سياسي يلقى قبولا شعبيا داخليا وقبولا خارجيا أيضا (مهما كان رفضنا للغرب أو لدول الإقليم لا يمكننا أن نتجاهل دورهم في الحل أو عرقلة أي حل)، وهذا العمل السياسي لابد أن تقوم به شخصيات تتمتع بمواصفات القيادة الحقة من حسن تقدير للموقف، وقبول من الشارع الثوري، وشجاعة في اتخاذ القرارات الصحيحة حتى وإن لم تعجب قطاعا من الشارع في بعض اللحظات، فهؤلاء القادة هم في هذه الحالة كالطبيب الذي يلزم المريض بدواء تعافه نفسه، ويحاول الفكاك منه رغم أن فيه شفاءه وإنقاذه.

أما مسايرة الشارع في كل تصرفاته -الصحيح منها والخاطئ- فهذا هو ما يوصف بالغشم السياسي، وهنا يتحول عمل القادة إلى ما يشبه برامج "ما يطلبه المستمعون"، ولايتمكنون من تقديم حلول مقبولة، ومحققة لأهداف، وغايات الثورة والثوار الاستفادة من الزخم الميداني.

العملية السياسية التي ينبغي أن تصاحب الحراك الثوري الميداني ليست سبة حتى يستحي منها من يقوم بها، بل هي وجه آخر للعمل الثوري المقاوم، وإن لم تحدث فمن المؤكد أن الحراك الثوري الميداني سيظل يرواح مكانه دون الوصول إلى نتيجة، ناهيك عن احتمال اختفائه في لحظة ما مع تراكم اليأس وقوة البطش، وسقوط المزيد من الشهداء وخاصة قادة ذلك الحراك.

العملية السياسية ليست انهزاما ولا انبطاحا كما يتصور البعض، فكل الثورات التاريخية الكبرى انتهت بعمليات سياسية أحسنت توظيف العمل الميداني سياسيا، وحتى الاستسلام الكامل لبعض النظم التي قامت عليها الثورات تم  في صورته النهائية وفق عمليات سياسية، ولاننسى أن ثورة يناير نفسها توقفت يوم 11 شباط/ فبراير 2011 حين أجبر الجيش مبارك (بعملية سياسية) على التخلي عن منصب رئيس الجمهورية، وحين هرب بن علي من تونس فعل ذلك بعد عملية سياسية ضمنت له حياة آمنة في السعودية، وها هي الثورة السورية تسير بجناحين ميداني وسياسي، كما أن شاه إيران رضا بهلوي خرج من طهران باتفاق مع شهبور بختيار رئيس الوزراء ىشهبور بختيار في منتصف كانون الثاني/ يناير 1979، ولنتذكر أن الحرب الأهلية والثورة ضد التمييز العنصري في جنوب إفريقيا انتهت بتوقيع إتفاق سياسي بين زعيم الثورة نيلسون مانديلا ورئيس جنوب إفريقيا الأبيض دي كليرك عام 1990 بعد نضال ثوري وسجن استمر 27 عاما لمانديلا، ولنتذكر أيضا أن ثورة الجيش الجمهوري الأيرلندي ضد الحكم البريطاني إنتهت بتوقيع إتفاق سياسي بين زعيم الشين فين (الجناح السياسي للجيش الجمهوري) مع الحكومة البريطانية في أيار/ مايو 1994.

وحتى لاتتحول العملية السياسية إلى انبطاح مذموم فعلى القيادة السياسية أن تكون قريبة من الشارع، متناغمة معه بقدر المستطاع دون أن تكون أسيرة بشكل كامل له أيضا، وليفهم الثوار في الشارع هذه الحالة التكاملية بين العمل الميداني والعمل السياسي، وتنوع الأدوار وحتى تنوع اللغة بينهما بهدف الوصول إلى الهدف المتفق عليه في النهاية بين الجميع.

وحتى لا يكون كلامي هلاميا عن تنوع وتعدد أساليب حرب اللاعنف التي يمكن استخدامها دون أن توصف بالعنف (من القطاعات السياسية الحقيقية المحلية وغير المحلية)، فإن كتب حرب اللاعنف مليئة بعشرات الأمثلة، وصلت لدى البعض لأكثر من 200 وسيلة، وإذا كان الكثير منها لايناسب بيئتنا فقد حددت أكاديمية التغيير 60 وسيلة لحرب اللاعنف يمكن أن يقوم بها إما شخص بمفرده أو مجموعة صغيرة من الأفراد أو جماعة كبيرة أو حركة واسعة إلخ. 

ومن تلك الوسائل التي يقوم بها فرد واحد

1-    توفير الأطعمة والأدوية ووسائل الدعم للمرابطين في الميادين والساحات.
2-    المشاركة في البرامج التلفزيونية المشهورة جماهيريا.
3-    التفاعل عبر الإنترنت وإقناع الناس بالمشاركة.
4-    الاتصال الهاتفي بخمسة أشخاص يوميا وإقناعهم بالمشاركة.
5-    إلقاء الكلمات والأغاني للتوعية ورفع المعنويات.
6-    نقل الأخبار والمعلومات إلى المشاركين ميدانيا.
7-    إرسال رسائل نصية للتوعية ورفع المعنويات.
8-    لصق بوسترات تدعو لدعم الثورة في محل سكنك.
9-    إقناع جيرانك بأهمية دعم الثورة.
10-  الرسوم والأعمال الفنية.
11-  ارتداء ملابس عليها شعار الثورة.
12-  رفع الأعلام.
13-  رفع الصور.
14-  مصادقة الجيش والشرطة والتحاور مع الجنود والضباط.
15-  إقفال صاحب العمل لعمله، ودعوة الموظفين للمشاركة.
16-  توفير الدعم المالي لبعض الأنشطة أو لدعم الفقراء والمتضررين.
17-  المقاطعة الاجتماعية للمناهضين للثورة من أصدقائك.. بدون حدة.. المطلوب تحريك ضمائرهم.
18-  إرسال تقارير خطأ لصانع القرار في حال عمله في دائرة صنع قرار 

ومن الووسائل التي تقوم بها مجموعات (3-5)

1-    طلاء جدران بعض الأماكن المهمة بشكل احتجاجي.
2-    إرسال أغراض رمزية لجهات معينة مثل وضع جماجم أمام مقرات المحافظات.
3-    تغيير أسماء الشوارع بأسماء تحمل شهداء وروح الثورة.
4-    إرسال جوائز استهزائية لبعض المسؤولين (أوسكار أحسن تزوير) للإعلامي فلان.
5-    المسارح والفنون الشعبية.
6-    حملات لمخاطبة سكان الحي وتوعيتهم.
7-    عمل نسخة مزورة من إحدى الصحف الرسمية (تحمل أخبارا جديدة).
8-    تعليق لافتات الثورة في الميادين الكبرى.
9-    الغناء ومخاطبة الناس في وسائل المواصلات العامة مثل المترو.
10-  إطلاق المناطيد الهوائية خاصة فوق الأماكن المحظور الاقتراب منها.
11-  سد بعض الشوارع بالسيارت.
12-  تأليف حكومة ظل.
13-  إعلان دستور جديد.
14-  تعطيل المسؤولين من الذهاب إلى أعمالهم.

ومن الوسائل التي تقوم بها مجموعات كبيرة (آلاف)

1-    سد بعض الشوارع بشكل رمزي.
2-    الاعتصام حول المباني التي تحمل دلالة مهمة.
3-    الاعتصام المتحرك.. دخول المبنى والتجول فيه ثم الخروج والدخول.
4-    عمل دروع بشرية تحول دون تقدم قوات القمع.
5-    مسيرات في الشوارع.
6-    نصب سرادقات العزاء للشهداء في الأحياء.
7-    الإضراب عن العمل في الشركات.
8-    التباطؤ في العمل في الدوائر الحكومية.
9-    ارتداء أقنعة (مثل قناع v).
10-  إرسال وفود إلى جهات مسئولة للضغط عليها ثم العودة.
11-  ملاحقة المسؤولين (هاتفيا.. وفي أماكن عملهم وفي كل مكان).
12-  مقاطعة المسؤولين والرموز المناهضين: يقوم به (الجيران – زملاء العمل- الباعة).
13-  الانطلاق في مسيرة طويلة تبدأ من مكان لتنتهي إلى مكان له دلالة.
14-  مسيرات سيارات.
15-  مسيرات درجات هوائية وبخارية.
16-  مسيرات في النهر أو البحر (إن وجد) بواسطة المراكب.
17-  الإرهاق الإداري للخدمات: تجمع أعداد كبيرة لطلب خدمة محددة.
18-   كبار المودعين يطلبون سحب ودائعهم المصرفية.
19-   عصيان العاملين في المؤسسات الحكومية.
20-   محاكمات شعبية للمجرمين.
21-   عمل انتخابات (استهزائية رمزية) وتحديد أماكن اقتراع، وتعلن النتيجة.
22-   التوجه للمطار في شكل هجرة احتجاجية مع حمل حقائب السفر في شكل رمزي.
23-   امتناع التجار عن شراء السلع من رجال الأعمال الموالين للنظام.
24-   عدم البيع والتأجير للعقارات لمن يوالوا النظام.
25-   بدلا من الإضرابات.. تسيير الأعمال لصالح المقاومة، فالإتصالات ترسل رسائل sms بدلا من قطع           الخدمة، وبدلا من إضراب العاملين في التلفزيون يوجهون خطابا لصالح الثورة.

ومن الوسائل التي يقوم بها ملايين:

1-    الامتناع عن دفع فواتير الكهرباء والماء.
2-    إتلاف بعض الأوراق الشخصية التي لا تسبب فوضى لاحقا .. كفواتير الكهرباء.
3-    الامتناع عن تسديد الأقساط أو دفع الضرائب.
4-    الاحتفال بأعياد جديدة من روح الثورة. (عيد الشهيد – عيد الثورة – ....)
5-    مقاطعة المناسبات الاجتماعية الرسمية.
6-    عصيان القوانين الجائرة.
7-    العصيان المدني الواسع في جميع المجالات.
8-    التحرك نحو أماكن مهمة ذات دلالة رمزية.

أعرف أن الكثير من هذه الوسائل تم تطبيقها، وأعلم أن البعض منها يصعب تطبيقه في ظروف مصر الحالية، ولكن من المؤكد أن الكثير منها لم يتم تطبيقه أو المحاولة بتطبيقه حتى الآن، وأعلم أن الثوار على الأرض قد يبتكرون ويضيفون وسائل آخرى أكثر تاثيرا، ولكن عليهم أن يظلوا متمسكين بهذا النهج الثوري اللاعنفي حفاظا على الثورة ذاتها والوصول بها إلى بر الأمان وعدم تمكين أعداء الثورة من جرها إلى المربع الذي يحسنون اللعب فيه.
التعليقات (0)

خبر عاجل