لا يوجد تحدٍ أخطر من جولة مفاوضات
جنيف التي اقترحت الأمم المتحدة، عقدها في الثامن والعشرين من شهر أيار/ مايو الجاري، تحت تأثير قوىً دوليةٍ لا يروق لها أن ينجح التحالف العربي في حسم أزمة خطيرة تعصف باليمن، لطالما عملت هذه القوى على رعايتها وإذكائها في منعطفات حادة، وشجعت مليشيا
الحوثي على مغامرةٍ يدفع
اليمنيون ثمنها غالياً حتى اليوم.
سترتكب الحكومة خطأ فادحاً لو ذهبت إلى جنيف، قبل انسحاب مليشيات الرئيس المخلوع والحوثيين من المحافظات، وستغامر بشرعيتها التي أجمع عليها العالم، وستقوض مكتسبات مؤتمر الرياض، الذي شكل الإعلان الصادر عنه خلاصة إجماعٍ يمني غير مسبوق على شرعية الرئيس بما يعني ضمناً تفويضه في إدارة المرحلة الانتقالية تحت تحقيق كامل غاياتها وأهدافها.
مؤتمر الرياض أنهى حالة تعويم السلطة التي أصر الانقلابيون على تكريسها، خلال الفترة الماضية، من خلال إبقاء مسألة تقرير مصير الدولة رهناً بالأحزاب، بعد أن اطمأنوا بأنهم قد حيَّدوا موقع الرئيس والحكومة والبرلمان، وبدأوا- تحت إشراف مبعوث الأمم المتحدة السابق جمال بنعمر- في مناقشة مصير الرئاسة والحكومة والسلطة التشريعية.
لم يكن إصرار حلف الانقلاب:
صالح-الحوثي، على عقد جولة مفاوضات في مدينة محايدة وليس الرياض، إلا رغبة منه في إعادة طرح القضايا نفسها، على مائدة الحوار التي أخفق بنعمر في تمريرها بصنعاء، ومنها طرح شرعية الرئيس للنقاش، وطرح ما تسمى" اللجنة الثورية" التي نصبها الحوثيون في شباط/ فبراير الماضي نداً للرئيس في الدور والصلاحيات.
تقامر الأمم المتحدة ومعها القوى الدولية المهيمنة على مجلس الأمن بسمعة وهيبة الأمم المتحدة. فالملاحظ أن قرارات مجلس الأمن الدولي التي صدرت عن مجلس الأمن بما فيها اثنان صدرا تحت الفصل السابع لم يجر تطبيق أي منها حتى الآن إلا تطبيقاً جزئياً انتقائياً. أمر يذكرنا بالقرارات التي صدرت ضد المجلس ضد إسرائيل.
إذ لا يعقل أبداً أن يأتي الحوثيون إلى جنيف وهم مستمرون في قتل الشعب اليمني، ثم يظهرون كما لو كانت معركتهم مع التحالف العربي، والحقيقة أن التحالف العربي يحارب من طرف واحد. أما المخلوع صالح والحوثيون فيحاربون اليمنيين فقط ويقتلون شعباً اعتقد أن السلاح الذي بحوزة الجيش كان جاهزاً لحمايته قبل أن يكتشف أن الجيش صار متمرداً والسلاح صار مشرعاً على الشعب وليس على أعدائه.
لا يوجد أدنى شك في أن الحوثيين كانوا جزءاً من ترتيب يهدف إلى تصفية الحساب مع ما يسمى الإرهاب، وهو مصطلح فضفاض نشعر نحن اليمنيون أنه اختزل أحلام اليمنيين وتطلعاتهم ووضعها تحت تصرف دائرة مكافحة الإرهاب في واشنطن، بحيث بات بالإمكان إسقاط مشروع التغيير في اليمن وإطلاق الوحش الحوثي من كهفه في صعدة ليدمر كل شيء اجترحته ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير، بما في ذلك عملية الانتقال السلمي التي قبل الثوار بها كآلية ممكنة لإنجاز التغيير.
لقد كان لافتاً أن يسارع مجلس الأمن الدولي إلى عقد جلسة مغلقة ويخرج بعدها الأمين العام للأمم المتحدة بدعوة الأطراف اليمنية إلى عقد جولة مفاوضات في جنيف، بُعيد اختتام مؤتمر الرياض، الذي مثل جزءاً من قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2216 بشأن اليمن.
هل انزعجت القوى الدولية من نجاح الرياض في لم شمل اليمنيين بمن فيهم ممثلون من العيار الثقيل عن الجنوب، حتى سارعت إلى فرض جولة مفاوضات جديدة في جنيف، وهل زيارة واحدة للمبعوث الجديد إلى صنعاء كانت كفيلة باستطلاع آراء القوى السياسية، وهندسة الأرضية المناسبة للمفاوضات المقترحة، لا أعتقد أن ذلك قد حدث. لكنني على يقين بأن المسارعة في الدعوة إلى مفاوضات جنيف لها دوافع سياسية خبيثة ولا تأخذ بعين الاعتبار مصلحة اليمن.
على التحالف العربي أن يُسرِّع من ترتيب الصفوف لخوض المعركة البرية عبر الوحدات العسكرية الجديدة التي ستشكل نواة الجيش اليمني الجديد. هذا التوجه الميداني من شأنه أن يسرِّع في حسم الوضع، خصوصاً وأن الجبهة الداخلية في اليمن تميل إلى التوحد بشكل غير مسبوق خلف خيار استعادة الدولة والمضي نحو بناء الدولة الاتحادية.
الصورة تبدو مراوغة التي تظهر المخلوع صالح والحوثيين متماسكين في صنعاء، فالضربات التي وُجهت لهذا الحلف حتى الآن قويةٌ وقاتلةٌ وأثرت بشكل قوي على مقدرات صالح والحوثيين العسكرية وعلى معنوياتهم، والأهم أنها وسعت الشق بينهم وبين مؤيديهم.