مثلما سعت شخصيّات عربيّة للدخول في الكنيست الإسرائيليّة، فقد سعت شخصيّات أخرى إلى تولّي مناصب وزارية في
الحكومات الإسرائيلية أيضا، وبرغم اقتصار هذه المساعي على شخصيّات عربيّة من الطائفة الدرزيّة، إلاّ أنها كانت غير محببة لدى اليهود، وخاصة من هم من أصول أوروبيّة، كونهم يؤمنون بأن الدولة يجب أن يقودها هم فقط، لاعتقادهم بأنهم أعلى منزلة وأكثر عِلما، ليس من
العرب والأقليّات الأخرى وحسب، بل من اليهود الشرقيين أيضا، الذين لم نشاهد سوى قلائل منهم يعتلون مناصب رفيعة أو وزاريّة ثانويّة وسياديّة.
ويمكن ذِكر "شلومو هيليل"، وهو من أصول يمنيّة، الذي حاز منصب وزارة الشرطة في أواسط السبعينات، و"دافيد ليفي" من أصول مغربيّة، الذي شغِل منصب وزير الخارجية في العام 1999، والتونسي الأصل "سيلفان شالوم" الذي شغل عدة وزارات ومنها الخارجية في 2005، والطاقة 2014، والبنى التحتيّة حتى أوائل العام الحالي، ويمكن ذِكر "شاؤول موفاز" وهو من أصول إيرانية، الذي ترأّس وزارة الجيش الإسرائيلي منذ العام 2002.
لكن وحتى هذه الأثناء، لم يصل أي منهم، ولا من اليهود الشرقيين غيرهم، إلى رئاسة الحكومة، أو رئاسة الدولة، باستثناء "موشيه كاتساف"، وهو من أصل إيراني، لظروف سياسية خاصة، وكان انسحب "شالوم" من سباق الرئاسة، لعدم دعمه من قِبل حزبه الليكود و"نتنياهو" تحديدا، للحيلولة -كما يبدو- دون تكرار تجربة "كاتساف".
وبرغم هذه النظرة القاسية، إلاّ أن ضرورات عِدّة خضعت لها إسرائيل، باتجاه التقدّم إيجابيا، ناحية تقليل الفجوة الاجتماعية الحاصلة، وإن إلى الدرجة التي تحول دون وسمها بالعنصرية، فقد سعت إلى بعث الأمل في أنفس الأقليات العربية، بشأن استعدادها لإيلائهم مناصب متطورة في السلّم الحكومي، خاصة باتجاه أولئك الذين يمنحون ولاء كاملا للدولة الإسرائيلية.
فمنذ العام 2001، وعندما أُسند تشكيل الوزارة لـ "أريئيل شارون" الذي فاز للتو بالانتخابات زعيما لحزب الليكود، على حساب حزب العمل بزعامة "إيهود باراك"، عمل حسابه وفي ضوء تفهّم المجتمع الإسرائيلي لتلك الخطوة، على توزير شخصيّة عربيّة (درزية)، لـ (شؤون الأقليات) سعيا منه لتحقيق هدفين رئيسين، الأول: تقوية العلاقة مع الطائفة الدرزية، والثاني: بهدف تحقيق مكاسب عربية دعائية.
وكان تنافس حينها شخصان عربيّان من الطائفة ذاتها، لتولي هذا المنصب، وهما النائب الليكودي "أيّوب قرّا" من دالية الكرمل، والنائب "مجلّي وهبة" وهو ضابط سابق من قرية بيت جن، والذي شغل منصب مستشار "شارون" للشئون العربية، حين كان يشغل وزارة الخارجية.
الشخصيتان جديرتان بالرقي للمنصب لدى الإسرائيليين، كونهما نالتا ثقتهم عموما واليمين الإسرائيلي بشكل خاص، وفي ضوء اعتراف "قرّا" بأنه جزء من الدولة، وبأنه لا يشعر أبدا بالانتماء للعرب، إضافة إلى نشاطاته المميزة في بناء الدولة وتطويرها، ناهيكم عن مرافقته لـ "شارون" أثناء زيارته الاستفزازية للحرم القدسي الشريف، التي أشعلت انتفاضة الأقصى في تشرين أول/ أكتوبر العام 2000.
كما بلغت نشاطات "وهبة" ذروتها، عندما قام "شارون" بتجنيده باتجاه عدّة عواصم عربيّة، بهدف طمأنة حكامها بأن "شارون" ليس متطرفا كما يتصورون، وإقناعهم بأنه رجل سلام، باعتباره يتفهّم الأمزجة والأهواء العربية، واستنادا إلى علاقاته التجارية مع بعض رجال أعمال عرب وخليجيين بخاصة، وكان سببا في إمالة بعضهم في تلك المدّة، لكن نهاية المطاف تم تولية الوزارة للنائب "صالح طريف" من قرية جولس الدرزيّة، وكان ذلك بين عاميّ 2001-2002.
خلال الفترة الماضية، التي أعقبت جولة الانتخابات الأخيرة، تعالت الأصوات العربية للمطالبة بتعيين وزير عربي للوزارة ذاتها، حيث اجتمع رؤساء الطائفة الدرزية، وقاموا بتدوين رسالة رسميّة موجهة إلى رئيس الحكومة للمطالبة بذلك، وعلى أمل أن يشغل "قرّا" هذا المنصب، باعتباره جدير به، سيما وأنه إلى حد الآن شغل عضوية الكنسيت لأربع مرات عن حزب الليكود.
في هذه الأيام، وبرغم عدول النائب "عمّار حمد" عن حزب إسرائيل بيتنا، الذي يتزعمه "أفيغدور ليبرمان" عن منافسته على منصب وزير، بسبب عدم دخول الحزب في الائتلاف الحكومي، فقد قام "قرّا" بالتكفل بالضغط على "نتنياهو"، من خلال إرساله تهديدات مباشرة، يعِدُ من خلالها بإسقاط الحكومة، إذا لم يتم منح وزارة للطائفة الدرزيّة، باعتبار أنه آن الأوان، لأن تأخذ الطائفة بعضا من حقوقها، كونها لم تُخلق للدفاع عن إسرائيل فقط، وبأن لأبنائها الحق بالجلوس على طاولة المجلس الوزاري.
ويساعد في ذلك التّوجّه، في أنه يحظى بدعم نواب رفيعين في الوسط العربي عموما، وفي ضوء أن هناك سابق قريبة، حيث أسندت حكومة "إيهود أولمرت" زعيم حزب كاديما، وزارة العلوم والرياضة في العام 2007، للنائب العربي "غالب مجادلة"، من قرية باقة الغربيّة، برغم عدم ولائه للدولة، وكان رفض غناء النشيد الوطني الإسرائيلي، لأنه كُتب لليهود فقط.
"نتنياهو" يرغب في إضافة "قرّا" وزيرا، لتعزيز مركزه في الوسط العربي، خاصة في أعقاب الموجة التي أدّت إلى هبوط رصيد حزبه الانتخابي، ترتيبا على ما يُسمى بمشروع قانون (يهودية الدولة)، ومن أجل تبييض وجه حكومته اليمينية الحاليّة، لكنه بالكاد يأخذ أنفاسه، نتيجة الورطة الكبرى الناشئة عن مهمّة تشكيلها، حيث يجد نفسه بلا أكسجين تماما بشأن تهديدات "قرّا"، سيما وأن المقاعد الوزاريّة باتت لديه محدودة.
وحتى في حال تواجدها، فإن ذلك سيُثير بالتأكيد استياء عارما في أوساط أعضاء حزبه الآخرين، باعتبارهم أحق من "قرّا"، بسبب مراتبهم الأقرب انتخابيّا وأدبيا، بالنظر إلى مرتبته البعيدة على قائمة الحزب، التي تقبع في 27(من 30) وهي مجموع المقاعد التي يملكها الليكود، لكن ما يُهدئ من روعه، هو عِلمه بأن "قرّا" بأي حال، لن يبلغ بتهديداته درجة الجد، بسبب أنه لا يمكنه تحّمل مسؤوليّة ما قد ينجم عنها.