غير العهد السعودي الجديد بقيادة
الملك سلمان بن عبد العزيز العديد من التحالفات بين دول الشرق الأوسط بعد تبنيه سياسة مختلفة عن سلفه الملك عبد الله، لعل من أبرزها التقارب مع تركيا وقطر على حساب حلفاء المملكة السابقين، الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي، من دون أن يعني ذلك تخليا عن التحالف مع الأخيرتين.
التقلبات التي أحدثتها سياسة الملك سلمان أعادت المعنويات مجددا إلى التيار الإسلامي في
السعودية، الذي عانى من التضييق والمنع من إبداء الرأي في الكثير من المواضع خلال العهد السابق، ويبدو أن الأوامر الملكية التي صدرت في العهد الجديد، أعادت الإسلاميين أو المحافظين إلى مكانتهم في الواجهة مجددا على حساب الليبراليين، وإن على نحو نسبي.
لكن ورغم التأييد الشديد الذي يبديه التيار الإسلامي في السعودية للملك سلمان، إلا أن هناك بعض التوجهات الإسلامية الأخرى التي لا ترى شرعية للملك أن يحكم البلاد، ولا تؤمن بالإصلاحات التي يقودها.
أيضا هذه التوجهات الرافضة بالأساس لحكم "آل سعود" تختلف فيما بينها، ويمكن للمتابع للتيارات الإسلامية أن يصنفها إلى قسمين رئيسيين، الأول قسم يتعامل بـ"واقعية" تجاه النظام الحاكم، بمعنى لا يسعى لكسب عدائه والتصادم معه، ولا يتأمل الكثير منه، مثل "تنظيم القاعدة، وحزب الأمة، والمعارضين في الخارج والجمعيات الإصلاحية على غرار حركة (حسم) وغيرهم".
أما القسم الثاني فيمثله بلا شك
تنظيم الدولة وأنصاره الموجودون بكثرة في السعودية، فدائما ما يهاجم التنظيم عبر إصداراته الرسمية، لا سيما تلك الصادرة عن إعلام "الولايات" النظام السعودي بسبب مشاركته في التحالف الدولي ضد التنظيم في سوريا والعراق، واعتقال الآلاف من أنصار التنظيم، وعدد من منظريه داخل السعودية أبرزهم فارس الزهراني.
ولا يفرق تنظيم الدولة بين عهد الملك عبد الله وبين عهد الملك سلمان رغم أن سياسات الأخير اختلفت تجاه الإسلاميين وفتحت قنوات الاتصال معهم، ولا يجد التنظيم أي حرج في اعتبار حركة حماس، وتركيا، وقطر، والإمارات، ومصر بالإضافة إلى السعودية على درجة واحدة من "الكفر، والردة".
ويستخدم التنظيم "الحرب الإعلامية" ضد النظام السعودي، حيث يوظف فيها عناصره السعوديين "الجزراويين" من أصحاب الشعبية الكبيرة بين أنصار التنظيم في السعودية وخارجها، وعلى رأسهم "أبو سامي الوايلي، نمر الذيابي، أبو ثامر المطيري، أبو غادة الزعبي"، وآخرون.
ويقوم عناصر التنظيم السعوديون بأدوار مختلفة على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي لا يبدو أنها تتم بتكليف من أحد، فـ"الذيابي، والمطيري" يصدرون قصائد باللهجة السعودية بشكل دوري يهددون خلالها قادة بلادهم بقرب وصول "جحافل دولة الخلافة إلى ديارهم وفتح جزيرة العرب"، ومن أبرزها "سجن الحاير عساك الهد"، و "والحد ما رد الأبطال".
بينما يدأب "أبو سامي الوايلي" على نشر تغريدات قصيرة ساخرة من "آل سعود"، وفي الوقت ذاته ينشر تغريدات أخرى يهدد فيها الجيش السعودي، وعناصر المباحث بالذبح والصلب في حال وصول تنظيم الدولة إليهم.
موقف تنظيم الدولة وأنصاره تجاه السعودية في بعض القضايا، يجعلهم بمعزل عن بقية الحركات الإسلامية المعارضة لأنظمة الحكم العربية، وأقرب مثال على ذلك الموفف من عملية
عاصفة الحزم التي قادتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، حيث اعتبر أنصار التنظيم أن الطرفين (السعودية، والحوثيين) وجهان لعملة واحدة، ولا فرق بينهما في "الكفر، والردة"، بخلاف جميع التوجهات الإسلامية التي أبدت فرحها للضربات المتلاحقة التي تلقاها الحوثيون، مع تحفظ بعضهم على قيادة السعودية للمعركة، وتشكيكهم بنواياها.
أنصار التنظيم في "
تويتر"، وحسبما لاحظت "عربي21"، انشغلوا خلال أيام "عاصفة الحزم" بنشر صور تجمع أمراء ودعاة سعوديين، بمسؤولين ومعممين شيعة إيرانيين، وتصريحات لمسؤولين سعوديين تدعو لعدم اعتبار الشيعة أعداء، حيث استغل أنصار التنظيم ذلك للاستدلال على عدم صدق نوايا السعودية تجاه الحرب على الحوثيين، وفق قولهم.
ويلجأ أنصار وعناصر التنظيم المعروفون في حربهم الإعلامية ضد السعودية على إثارة قضية المعتقلين، ويُعد حساب "المناصرون" المرجع الأول لهم في إثارة قضايا حساسة، كان آخرها اتهامه للمباحث السعودية باستخدام السحر ضد المعتقلين، وهو ما جعل عناصر التنظيم السعوديين يهددون حكومة بلادهم بالسيارات المفخخة، وعمليات الاغتيال النوعية في أقرب وقت.
ويعتبر حساب "المناصرون"، كما تلاحظ "عربي21" محل ثقة لدى جميع أنصار تنظيم الدولة السعوديين، بل حتى لدى المعارضين السعوديين بالمجمل، رغم تأييده لتنظيم الدولة، نظرا للمعلومات الدقيقة التي ينقلها عن أسماء المعتقلين وأخبار إضراباتهم، والإفراجات عنهم.
كما نظم عدد من عناصر التنظيم السعوديين في سوريا عدة وقفات، رفعوا خلالها لافتات تضامنية مع المعتقلين وعلى رأسهم "هيلة القصيرة"، ورددوا أهازيج تهديد لوزير الداخلية محمد بن نايف.
وينشط عناصر وأنصار تنظيم الدولة في الهاشتاجات الأمنية في السعودية مثل "نواف العنزي" المتهم بقتل شرطيين في الرياض ومبايعة تنظيم الدولة، حيث وضع العديد من أنصار التنظيم صورته كصورة شخصية لحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ودعوا إلى حمايته وإيوائه، معتبرين أن من يبلغ عنه فقد "ارتد عن دين الإسلام"، وفق قولهم.
خلاصة الأمر أن تنظيم الدولة وضع نفسه وحيدا في مربع يرفض أي شكل من أشكال التعاون مع حكومات الدول المحيطة به مثل السعودية، وتركيا، على غرار الفصائل الإسلامية الأخرى مثل جبهة النصرة، وجيش الإسلام، حيث تتعاون "النصرة" في بعض الأمور الخدماتية مع الجانب التركي، بينما يقترب جيش الإسلام من الإعلان عن مشروع بالتعاون مع السعودية ودول أخرى يهدف للقضاء على نظام الأسد.
الأمر الآخر الذي ينفرد به تنظيم الدولة عن الفصائل الأخرى هو سعيه لفتح عدة جبهات مع جيوش الدول العربية، حيث هاجم وتوعد مرارا السعودية عبر إعلامه الرسمي، بعكس تنظيم القاعدة الذي يحاول تجنب الاصطدام بالرياض، وهو ما بدا جليا خلال "عاصفة الحزم" حينما تجاهل التعليق عليها بالسلب أو الإيجاب، رغم اعتبار العميد أحمد عسيري المتحدث باسم العاصفة أن تنظيم القاعدة سيكون هدفا لغارات قوات التحالف.
ويخالف تنظيم الدولة في السياسة التي يتبعها بالدخول في حروب ضد الجيوش العربية الأسس التي وضعها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، والذي دعا إلى ضرب الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة بصفتها "رأس الأفعى"، ومحاولة تجنب الدخول في حرب ضد الجيوش العربية التي تحارب بـ"الوكالة" عن أمريكا، وفق قوله.