هل كان مندوب مدينة طهران في البرلمان
الإيراني، علي رضا زاكاني يمثل نفسه فقط عندما صرح في شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، أن "ثلاث عواصم عربية أصبحت بيد إيران" وأن "صنعاء أصبحت العاصمة
العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية"؟
أم إن النائب، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي، إنما كان يعبر عن حقيقة المشروع الذي تسعى إيران لإنجازه في المنطقة؟
لم يتأخر انضمام صنعاء لبغداد ودمشق وبيروت كعواصم مرتبطة بالثورة الإيرانية، كما توقع زاكاني، فقد سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، وأجبروا الرئيس عبد ربه منصور هادي على الاستقالة، وباتوا هم الحاكم الفعلي في صنعاء.
بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين، تتابعت الأحداث بشكل دراماتيكي، فقد تمكن الرئيس هادي من الهروب إلى عدن، ومن ثم غادرها إلى السعودية بعد مهاجمة الحوثيين لها، قبل أن يطلب من العاهل السعودي سلمان بن العزيز تقديم "مساعدة عاجلة بكل الوسائل المتاحة، ومن ضمنها التدخل العسكري لحماية الشعب
اليمني من العدوان الحوثي.."، بحسب رسالة هادي للملك سلمان في 24 آذار/مارس الماضي.
وعلى الفور استجاب الملك سلمان لطلب الرئيس اليمني، عبر تشكيل تحالف عسكري يضم عشر دول عربية وإسلامية بقيادة المملكة العربية السعودية، والذي بدأ عملياته العسكرية فجر الخميس 26 مارس الماضي، واستمر قصفه الجوي المكثف على مواقع الحوثيين، والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح حتى أعلن التحالف عن وقف "
عاصفة الحزم" في 21 من الشهر الجاري.
وقف العملية المفاجئ أثار جملة من التساؤلات حول مدى نجاح "عاصفة الحزم" وتحقيقها لأهدافها المعلنة، وفيما إذا كانت قادرة على فرض واقع جديد في اليمن، بإعادة الرئيس هادي إلى السلطة من جديد، وإعادة الحوثيين في اليمن إلى وضعهم الطبيعي قبل اجتياحهم للعاصمة اليمنية ومدن ومحافظات يمنية أخرى، وهل ستكون بداية لمواجهة للمشروع الإيراني في المنطقة بلجم إيران عن نزعتها التوسعية وبسط نفوذها وفرض إرادتها على دول المنطقة؟.
"الحزم" جزء لا يتجرأ من التصدي للبرنامج الإيراني
في هذا السياق يرى الكاتب والمحلل السياسي، ياسر الزعاترة أن المشهد الحالي بعد وقف عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، ليس له على الأرجح إلا أحد احتمالين مع احتمال ثالث لا نتمناه". أما الاحتمال الأول بحسب الزعاترة فهو أن يكون هناك حوار ترعاه عُمان أو أي طرف آخر، وهو حوار ينبغي أن ينتهي بإعادة الشرعية.
وتساءل الزعاترة: هل الطرف الذي يمثله الحوثي وصالح على استعداد بالفعل لإعادة هادي رئيسا، أو حتى خالد بحاح والاعتراف بشرعيته، ومن ثم سحب السلاح، على الأقل من المدن وتسليم السلطة والمؤسسات الحكومية للرئيس؟.
يشكك الزعاترة في إمكانية انسحاب الحوثي بسلاحه إلى صعدة، فضلا عن أن يسلم ما سرقه من معسكرات الجيش، مضيفا أن المشكلة تكمن في أن "الدولة ذاتها لم تغادر مربع الخضوع لسيطرة الرئيس المخلوع وأزلامه"، لافتا إلى أن خروجه كشخص لن يعني الكثير هنا، لأن أدواته ستواصل العمل.
أما الاحتمال الثاني فهو استمرار العمليات على الأرض من خلال المقاومة الشعبية، وهذا هو المسار الأفضل وفقا للزعاترة، بوجود دعم جوي يُستخدم عند الحاجة، وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذه العملية ستستمر حتى يعود الحوثي إلى رشده، ويقبل بحوار من نمط آخر، ومع المخلوع أيضا، وبشروط مختلفة، بعد أن يُستنزف على نحو يصعب عليه الاحتمال، ومن ورائه جهة التمويل (إيران).
ولفت الزعاترة في حديثه لـ"
عربي21" إلى أنه يمكن ترجمة "إعادة الأمل" الاسم الجديد لعملية ما بعد عاصفة الحزم، إلى واقع حقيقي، لكن ذلك لن يحدث بوجود الحوثي وسلاحه، ولا بسطوة المخلوع وأذرعه السرطانية في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
وأوضح الزعاترة أن مسارا كهذا سيكون طويلا بعض الشيء، لكنه سيكون الأنجع لليمن وأهله، في الوقت الذي سيكون جزءا لا يتجزأ من مشروع التصدي للبرنامج الإيراني، والذي ينبغي أن يتحرك في الوقت ذاته على الجبهة السورية، وقد بدأ ذلك عمليا، وحتى العراقية، حتى تيأس إيران من فرض خياراتها على غالبية الأمة، وتقبل بصفقة تمنحها حجمها دون تجاوز على الآخرين.
إيران لها مشروعها السياسي وتدخلها ليس طائفيا
من جانبه وبرؤية مغايرة رأى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية الأردنية، الدكتور جمال شلبي أن "عاصفة الحزم" عملية غير محسوبة العواقب والنتائج، وقد أضعفت الموقف السعودي لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار ردة فعل اليمنيين، وردة فعل السعوديين (
الشيعة) في المنطقة الشرعية، وقد أوقعت السعودية في المستنقع اليمني.
يشرح الدكتور شلبي لـ"
عربي21" رؤيته بأن إيران دولة مؤثرة، تشكل رقما صعبا وستبقى كذلك، وهي ليست طارئة على المنطقة وينبغي أن يتم التعامل معها بهذا المنطق، متسائلا: إذا كانت الدول العربية قد تعاملت مع (إسرائيل) الطارئة باعتبارها قوة فاعلة ومؤثرة فلماذا لا يتعاملون مع إيران بذات المنطق؟
وانتقد أستاذ العلوم السياسية شلبي، هواجس السنة وتخوفاتهم من الخطر "المجوسي" بقوله: عدد الشيعة لا يتجاوز الـ20% وإيران تشكل رأس الحربة في هذا الفضاء الشيعي، في الوقت الذي يشكل فيه السنة الـ 80%، فلماذا يخشى أهل السنة (وهم الأكثرية) من الشيعة (وهم الأقلية)؟
وتساءل الدكتور شلبي: لماذا نخشى الآن من المشروع الإيراني ولم نستشعر خطره منذ الثورة الإسلامية في إيران؟ موضحا أن الفرق بين الفضاء الشيعي والفضاء السني، يكمن في أن الشيعي له مشروعه السياسي وليس الطائفي، ودول الفضاء السني لا مشروع لها.
وبخصوص ما يجري في اليمن، لفت الدكتور شلبي إلى أن المحيط العربي هو الذي أوقع اليمن في براثن الخطر الحوثي الحالي، مؤكدا أن إيران في تداخلاتها تستفيد من أخطاء العرب الداخلية وتستخدمها كورقة ضغط في مشروعها السياسي.
مواجهة المشروع الإيراني توحد العرب
لكن كيف يمكن تفسير تدخل الدول العربية عسكريا بشكل مباشر عبر التحالف العشري في اليمن بينما لا تفعل ذلك في سوريا؟ بحسب الباحث السياسي الكويتي مهند حمد المهنا فإن الدول العربية غير مستقلة في سياساتها، وهي تابعة للدول الغربية، والأخيرة لها مصالح حيوية وأخرى هامشية، فما يقع في دائرة المصالح الحيوية فإنهم لا يسمحون للتابع أن يناور فيها أو يخالفهم في سياساتها.
يتابع المهنا حديثه لـ"
عربي21" قائلا: وهذه حال العراق وسوريا، فلا تسمح أمريكا لهم أن يتدخلوا جديا لإنقاذ شعبها بالسلاح إنما الاكتفاء
بالقليل منه، وتقديم المساعدات الإنسانية إلا إذا أراد الغرب التخلص من الأسد، وحينئذ يفتحون الباب للعرب لتقديم السلاح للتخلص منه.
وبحسب المهنا فإن من مصلحة الأنظمة العربية الإبقاء على نظام الأسد خوفا من أن يخلفه نظام جهادي يهدد وجودهم ويشكل خطرا حقيقيا على مصالح الدول الكبرى وأمن إسرائيل، لهذا لا نجد إصرارا على إزالته، بل يكتفون بالمناداة دائما بالحل السياسي القائم على مقررات مؤتمر جنيف.
وفي رده على سؤال: كيف يمكن للعرب مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة العربية؟ رأى الباحث السياسي الكويتي المهنا أن "خير وسيلة لمحاربة المد (الصفوي) يتمثل في تشكيل اتحاد كونفدرالي خليجي، وتوحيد السياسية الخارجية العربية، والجيوش العربية للجم إيران وتحجيمها، وهو ما يستبعد حدوثه لعدم استقلالية الأنظمة العربية في إرادتها وقراراتها السياسية وتبعيتها للخارج.
يشار في هذا السياق وطبقا لتحليلات سياسية متداولة إلى أن المشروع الإيراني "برز في المنطقة العربية من الشرق الأوسط بعد الثورة الإسلامية الإيرانية، عبر إطلاق شعار "تصدير الثورة"، الذي تم فيه مزج الديني بالقومي، مع رغبة إيرانية جامحة بفرض إرادة السيطرة والاستحواذ بالقوة، ليكون لها مكانتها وسيادتها الإقليمية والدولية المتميزة.