استراتيجية أوباما السرية بشأن إيران - ج3

تناول نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق مايكل دوران، في تقرير له العلاقة الأمريكية الإيرانية، وقال إن الرئيس باراك أوباما اتبع سياسة واحدة تجاه إيران منذ استلامه السلطة، مشيرا إلى أن هذه السياسة سعت منذ اليوم الأول إلى حل دبلوماسي لملف إيران النووي، والعمل على تأهيل طهران للعب دور محوري في منطقة الشرق الأوسط. 

ونشر دوران تقريرا موسعا في مجلة موزاييك الأمريكية تحت عنوان "استراتيجية أوباما السرية بشأن إيران"، استعرض فيه أهم ملامح سياسة إدارة أوباما تجاه طهران، وفي هذا الجزء تناول المسؤول الأمريكي هذه العلاقة في الدورة الثانية للرئيس أوباما، ومفاوضات النووي.

يشار إلى أن صحيفة "عربي21" الإلكترونية تقدم هذا التقرير للقارئ العربي على أربعة أجزاء، يستعرض كل جزء منها "سياسة أوباما السرية تجاه إيران" خلال فترة زمنية معينة.

وفيما يلي الجزء الثالث من التقرير:

حصل ما يمكن أن يوصف بالدفء في العلاقات الأمريكية الإيرانية في وقت مبكر من الدورة الثانية للرئيس أوباما. تسمعه اليوم يقول إن ما أدى إلى هذا الدفء كان تغيرا استراتيجيا في موقف طهران من البرنامج النووي.

في الرواية التي يقدمها هو للحدث، ودعنا نطلق عليها وصف "الرواية الرسمية" - ثمة عاملان أديا إلى التغير الذي طرأ على الموقف الإيراني. أما أحدهما فكان الدبلوماسية الأمريكية الضاغطة، وأما الآخر فتمثل بروح إصلاح جديدة سرت في طهران، والعاملان متداخلان ومترابطان.

كما شرح أوباما في المقابلة، التي أجريت معه في مارس 2014، والتي سبق أن أشير إليها آنفا، اتخذ العامل الأول شكل "نظام عقوبات غير مسبوقة أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل، ما اضطر الإيرانيين إلى القدوم لطاولة المفاوضات صاغرين". وكان العامل الثاني ثمرة للعامل الأول وتابعا له، من حيث إن نظام العقوبات الصارم ساعد في الدفع إلى السلطة بحكومة حسن روحاني الذي تمخضت مقاربته المعتدلة عن توقيع اتفاقية نووية مؤقتة في نوفمبر 2013 والتي، "وللمرة الأولى منذ عقد من الزمن، أوقفت برنامجهم النووي". 

تعدّ رواية أوباما مزيجا من التمويه وأنصاف الحقائق تعمّد صياغتها بهذا الشكل هو ومساعدوه لتحقيق هدف واضح يضمره في نفسه، ألا وهو التعمية عن الجولة الثانية من مشروعه مد اليد إلى إيران. 

في وقت مبكر من عام 2013، في مطلع فترة حكمه الثانية، أنشأ أوباما قناة سرية بينه وبين نظام أحمدي نجاد. ما أن يؤخذ بالاعتبار التأثير الكلي لذلك، فإن حقيقة مدهشة تظهر للعيان، ألا وهي أن نقطة التحول في العلاقة الأمريكية الإيرانية لم تكن، كما ورد في الرواية الرسمية، انتخاب حسن روحاني في يونيو 2013، وإنما كانت إعادة انتخاب باراك أوباما في نوفمبر 2012. 

وبالفعل، كان أول اجتماع سري مع الإيرانيين، (أي الأول الذي نما إلينا العلم به)، قد جرى قبل ذلك في مطلع شهر تموز/ يوليو من عام 2012 ، أي أحد عشر شهرا قبل أن يتولى روحاني السلطة في إيران. حينها، سافر سراً إلى عُمان جيك سوليفان، الذي كان في ذلك الوقت يشغل منصب مدير تخطيط السياسة في وزارة الخارجية، أيام كانت هيلاري كلينتون على رأسها، حيث اجتمع بمسؤولين إيرانيين. لم تخبرنا إدارة أوباما شيئا يذكر حول اللقاء الذي أجراه سوليفان، ما يضطرنا لأن نلجأ للتخمين بشأن محتوى الرسالة التي قام بإيصالها إلى الإيرانيين. 

أهم ما في الموضوع هو التوقيت. في تلك اللحظة كانت الضغوط تتوالى على الرئيس لحمله على التدخل في سوريا، ولعل سوليفان قام بإطلاع الإيرانيين على رغبة أوباما القوية في أن ينأى بنفسه عن الصراع، ولعله طلب من طهران المساعدة في الضغط على الأسد لتحسين سلوكه. ولكن صيف عام 2012 كان أيضا ذروة حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد يكون سوليفان أخبر الإيرانيين بأن الرئيس سيكون حريصا على الدخول تارة أخرى في مفاوضات نووية جادة بعد الانتخابات.

جدير بنا أن نتذكر أن هذا الاجتماع حصل بعد فترة قصيرة من بث حديث لأوباما جرى نقله، دون أن يدرك أن الميكروفون كان مفتوحا، بينما كان يخاطب الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف قائلا له، "بشأن كل هذه القضايا، ولكن بشكل خاص فيما يتعلق بالدفاع الصاروخي، من الممكن إيجاد حل، ولكن من الأهمية بمكان أن أمنح حيزا. فهذه آخر انتخابات لي، وبعد الانتخابات سيكون لدي مزيد من المرونة". 

هل نقل سوليفان إلى الإيرانيين رسالة مماثلة؟ هل أخبر المسؤولين في حكومة أحمدي نجاد بأن حاجة أوباما إلى ضمان الصوت اليهودي فرضت عليه التظاهر باتخاذ موقف معاد لإيران، وبأنه لا يوجد لدى إيران ما تخشاه فيما يخص الهجوم الإسرائيلي؟ وبأن أوباما بعد الانتخابات سيمارس درجة عالية من المرونة بشأن القضية النووية؟ 

أيا كانت الإجابات على هذه الأسئلة، بات معروفا وموثقا بأن أوباما افتتح فترته الرئاسية الثانية بحملة من الانفتاح على طهران، وكانت هذه الحملة كثيفة بقدر ما كانت سرية. في شهر شباط/ فبراير من عام 2013، أي بعد شهر واحد فقط من تنصيبه مجددا، كانت القناة الخلفية تعج بالمسؤولين الأمريكان. لم يقتصر الأمر على سوليفان، بل شمل أيضا نائب وزير الخارجية ويليام بيرنز، والموظف في مجلس الأمن القومي بونيت تالوار، ومستشار وزارة الخارجية لمنع انتشار السلاح روبرت آينهورن وسفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة سوزان رايس. كان كل هؤلاء في تواصل وحوار مع نظرائهم الإيرانيين. 

بحسب الرواية الرسمية، لم يكن لهذا التدافع باتجاه طهران أي تأثير على العلاقات الإيرانية الأمريكية. ويقولون لنا بأنه لم يطرأ تغير يذكر في هذا المجال، إلى أن وصل روحاني إلى المشهد السياسي.

ولكن، في الحقيقة، كانت تلك الفترة المبكرة هي التي شهدت وضع أوباما للأساس الذي قامت عليه في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2013 خطة العمل المشتركة، وكانت الاتفاقية ثمرة لثلاثة تنازلات أمريكية، قدمت اثنتان منها، وربما الثالثة أيضا، قبل أن يصل روحاني إلى السلطة بمراحل. 

في شهر نيسان/ أبريل من عام 2013، اجتمع الأمريكان وشركاؤهم في خمسة زائد واحد مع المفاوضين الإيرانيين في مدينة الماته بقازخستان، حيث عرضوا عليهم تخفيف نظام العقوبات، مقابل أن تتخلص إيران من مخزونها من اليورانيوم الذي تم إشباعه حتى نسبة 20 بالمئة.

كان ذلك هو التنازل الأول، والمتمثل بالخضوع أمام مطلب إيراني قديم بالحصول مباشرة على تعويض اقتصادي، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاقية نهائية. والأهم من ذلك كان التنازل رقم اثنين، الذي سمح للإيرانيين بالاستمرار في إشباع اليورانيوم حتى مستوى خمسة بالمئة، وذلك بالرغم من أن ستة قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي كانت قد أمرت إيران بالتوقف عن كافة نشاطات الإشباع وإعادة المعالجة. 

رفض المفاوضون الإيرانيون هاتين الهديتين، أو بالأحرى، هم وضعوهما في جيوبهم وطالبوا بهدية ثالثة، وهي التي أصروا عليها أكثر من غيرها. وبعد أن أطروا على مقترحات نظرائهم معتبرين إياها خطوة في الاتجاه الصحيح، عمدوا إلى نقدهم؛ لأنهم فشلوا في الموافقة على شرط يضمن للإيرانيين "الحق في الإشباع". وجادلوا بأن ثمة فرقا بين السماح لإيران مؤقتا بالإشباع حتى مستوى خمسة بالمئة، والاعتراف بحقها الذي لا ينبغي أن تحرمه في أن تقوم بذلك.

وعليه، فإن على أوباما إن رغب فعلا في الحصول على صفقة أن يمزق قرارات مجلس الأمن الدولي من خلال الموافقة مسبقا ومبدئيا على ترتيب من شأنه أن ينهي العقوبات الاقتصادية على إيران بشكل تام، وأن يسمح للإيرانيين بإشباع اليورانيوم على الدوام. 

من خلال تضخيم روح الإصلاح في طهران، تمكن البيت الأبيض من الادعاء بأن إيران، وليست أمريكا هي التي تنازلت.

إن قبول أوباما بهذا الشرط، أي بالهدية الأمريكية الثالثة، وهي بالتأكيد أهم الهدايا على الإطلاق، هو الذي جعل خطة العمل المشترك ممكنة. أوصل المفاوضون الأمريكان موافقة الرئيس إلى الإيرانيين عبر القناة الخلفية، ثم بعد ذلك ذهب جون كيري ليفاجئ بها شركاءه الأوروبيين في المفاوضات في تشرين الثاني/ نوفمبر. لا نعلم تحديدا متى تقدم أوباما بهذا العرض، إلا أن ما نعلمه يقينا أن الإيرانيين وضعوا شروطهم الثلاثة قبل أن يستلم روحاني السلطة في طهران. 

باختصار، لم تكن الانتخابات الإيرانية بأي حال من الأحوال هي العامل الحاسم الذي جعل الصفقة المؤقتة ممكنة، إلا أنها كانت بمثابة تخريجة مناسبة في أمريكا لتيسير إقناع الكونغرس والجمهور الأمريكي بالصفقة.

من خلال تضخيم روح الإصلاح في طهران، تمكن البيت الأبيض من ادعاء أن إيران، وليست أمريكا، هي التي تنازلت، والحقيقة هي أن أوباما لا أجبر الإيرانيين ولا تلاعب بهم، وإنما استسلم لهم وخضع. 

الجولة الثانية: إيران، سوريا، والدولة الإسلامية

لم تكن القضية النووية هي نقطة الضعف الوحيدة في العلاقات الأمريكية الإيرانية خلال تلك الفترة. ولكن قبل أن نعود إليها دعونا نسلط الضوء -ولو باختصار- على جبهتين أخريين في المنطقة.

لقد شهدت فترة أوباما الثانية كذلك بذل جهود لمراعاة إيران في الساحة السورية، وهذا بالضبط ما أقرت به سوزان رايس عرضا في خطاب لها ألقته في التاسع من أبلول/ سبتمبر من عام 2013، وكانت حينها قد أصبحت مستشارة الرئيس للأمن القومي، وكان ذلك بعد أسابيع قليلة من قيام بشار الأسد بتنفيذ هجوم بغاز السارين على منطقة الغوطة، وهي ضاحية خارج العاصمة دمشق، قتل بسببه ما يقرب من 1500 مدني.

فلدى استعراضها لجهود أمريكا السابقة، سعيا لوضع حد للدكتاتور السوري وضبط سلوكه، وصفت رايس طهران بنبرة لا تخلو من الغبطة واللامبالاة بأنها شريك واشنطن في هذا المسعى، وهذا ما قالته تحديدا: "بإلحاح منا، وعلى مدى شهور، قامت كل من روسيا وإيران بإيصال تحذيرنا إلى الأسد، كلنا أرسلنا الرسالة ذاتها المرة تلو الأخرى محذرين: لا تقوموا بذلك".

لماذا تراجع أوباما عن توجيه ضربات جوية إلى سوريا؟ هل كان ذلك بسبب الخشية من أن يؤدي ذلك إلى إغراق مبادرة -كانت ماتزال طي الكتمان حتى تلك اللحظة- تعتبر الأكبر والأهم في السياسة الخارجية لفترة رئاسته بأسرها؟ 

لم يكن ما صرحت به رايس صادقا ولا أمينا، وذلك أن الجمهورية الإسلامية كانت في الواقع في حينه بالضبط ما هي عليه اليوم، أي المزود الأساسي للوقود الذي يشغل آلة الأسد الإجرامية، ولكن لم تكن نية رايس وصف السلوك الإيراني بما هو عليه؛ فبالإضافة إلى تعويد الصحافة الأمريكية والنخبة المشتغلة بالسياسة الخارجية على فكرة أن إيران كانت على الأقل شريكا محتملا، فقد قصدت من خلال خطابها التأثير على النقاشات التي كانت تجري داخل الكونغرس بشأن الهجمات الجوية على سوريا، وهي الهجمات التي اتخذ أوباما قرارا مفاجئا بتأخيرها قبل أسبوع ونصف الأسبوع من ذلك الوقت، في لحظة سيتذكرها الناس فيما بعد -بكل تأكيد- على أنها كانت من أكثر اللحظات شذوذا في فترة رئاسته. 

بدأت لحظة الشذوذ هذه بعد وقت قصير من خروج جون كيري بطلب من أوباما ليقدم موعظة -على نمط ما كان يصدر عن تشيرشيل- تحدث خلالها عن الهجوم الأمريكي الوشيك.

وبينما كانت أصداء خطاب كيري ماتزال تتردد في الأجواء، عقد الرئيس اجتماعا في المكتب البيضاوي للدائرة الداخلية المحيطة به من المستشارين، أعرب لهم خلاله عن شكوكه بشأن السياسة التي كان قد أعلن عنها للتو وزير خارجيته.

لعل مما يثير العجب أن الاجتماع لم يحضره لا وزير الخارجية كيري ولا وزير الدفاع تشاك هيغل، وهما الشخصيتان الأهم والأعلى مستوى ضمن طاقم الأمن القومي التابع للرئيس، ثم دعا أوباما دينيس ماكدوف، وانسحب به من الاجتماع، ليذهبا منفردين في جولة على الأقدام حول حديقة البيت الأبيض، ثم بعد عودته، صدم أوباما المجموعة التي كانت ما تزال بانتظاره حين أخبرهم أنه قرر تأجيل الهجمات الجوية ضد الأسد، لكي يحصل على موافقة الكونغرس على ذلك. 

ما هي الأفكار التي دار النقاش بشأنها بين أوباما ومكدوف؟ بإمكاننا استبعاد التوضيح الرسمي الذي يؤكد على قناعة الرئيس الراسخة بالحاجة إلى استشارة السلطة التشريعية في قضايا الحرب والسلام، فمثل هذه القناعة لم تكن جزءا من أي قرارات سابقة، مثل القرار المتعلق بالتدخل في ليبيا.

من الواضح أن أوباما إنما سعى للاختباء وراء الكونغرس، إما لكي يؤجل الإجراء أو من أجل وأده في مهده. لقد ثبت بالدليل القاطع أن أسباب التأخير كانت بالغة الحساسية حتى بالنسبة لآذان أقرب مساعديه في قضايا الأمن القومي.

هل من الممكن أن يكون من ضمن هذه الأسباب الخشية من أن يؤدي ذلك إلى إغراق مبادرة -كانت ماتزال طي الكتمان حتى تلك اللحظة- تعدّ الأكبر والأهم في السياسة الخارجية لفترة رئاسته بأسرها؟ 

في المحصلة تمكن أوباما من خلال إحالة الموضوع إلى الكونغرس من كسب بعض الوقت، ولكن لم يكن ذلك بدون تكلفة سياسية باهظة.

ففي داخل أمريكا بدا بسبب قراره ذلك مترددا وضعيفا، وفي كابيتول هيل (مقر الكونغرس) كان الديمقراطيون يغلون بصمت غضبا من الطريقة التي فاجأهم من خلالها البيت الأبيض بوضعهم على المحك دون سابق إنذار.

وأما في سوريا، فقد احتفل الأسد ابتهاجا برؤية خصومه يُفت في عضدهم، وقد بلغ بهم البؤس والحسرة مبلغا. وفيما سوى ذلك شعر حلفاء أمريكا بأنهم تركوا في العراء مكشوفين وعرضة للخطر، يتساءلون فيما بينهم ما إذا كان أوباما على الإطلاق الرجل الذي يمكن أن ينفر لنجدتهم في الملمات. 

كما هو معلوم، لا مفر من أن تشكل حالة التردد والحيرة التي استولت على أوباما فرصة سانحة لدى موسكو، ولا أدل على ذلك من أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عرض على الرئيس طريقة لتمكينه من استعادة توازنه، مقترحا أن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تتعاونا لتجريد الأسد مما لديه من غاز السارين. لم يتوان الإيرانيون عن كيل المديح علانية لهذا المقترح، فما كان من أوباما إلا أن سارع بقبوله. 

إلا أن الصفقة لم تكن بلا ثمن؛ فمقابل تنازل ضئيل -وإن بدا صارخا- قدمه الأسد، وافق أوباما على النأي بنفسه عن المعركة التي تدور رحاها في الساحة السورية، وكانت النتيجة أن الروس والأسد والإيرانيين كانوا هم الذين عرضوا عليه، وقبل هو الاستسلام بشرف، ومكنوه من الادعاء فيما بعد بأن ما جرى كان نموذجا ناجحا لممارسته لدبلوماسية الضغط والإجبار.

وهذا بالضبط ما حصل حينما تفاخر في المقابلة التي أجريت معه في شهر آذار/ مارس من عام 2014، قائلاً: "لنكن واضحين جدا حول ما جرى. لقد هددت بشن هجمات حركية على سوريا ما لم يتخلصوا من أسلحتهم الكيماوية".

ولكن، في الواقع كان الأسد هو الذي كسب، وكانت مكاسبه كبيرة جدا؛ إذ ما لبث أوباما أن تخلى مباشرة عن دعواته لتنحي الأسد عن السلطة، وكان لسلوكه كبير الأثر على المعارضة السورية التي شعرت بإحباط شديد.

ورغم كل ذلك لم تحل الصفقة دون أن يشن الأسد هجمات جديدة مستخدما الأسلحة الكيماوية، فلئن كان قد تخلى عن مخزونه من غاز السارين، فقد تحول بكل بساطة إلى استخدام غاز الكلورين. 

في مقابلة أجريت معه مباشرة بعد أن عرض عليه لافروف مساعدة بلاده، وبثت في القنوات التلفزيونية الرئيسية في أمريكا، أشار أوباما إلى تعاون روسي وإيراني مع واشنطن كجزء من المكاسب العظمية التي جناها من الصفقة، وقال: "الأخبار السارة هي أن حلفاء الأسد، روسيا وإيران، يقران بأن هذا الاستخدام لغار السارين كان انتهاكا، وبأنه كان مشكلة، وأظن أن استعدادهم للضغط على الأسد، والقول: دعونا نجد طريقة لتمكين المجتمع الدولي من فرض الرقابة على هذه الأسلحة، وفرض التخلص منها، أظن أن ذلك إنجاز".

كان ذلك ضربا من الخيال. فقد صور أوباما الأمر كما لو أن طهران كانت حريصة على معاقبة الأسد على استخدامه الأسلحة الكيماوية، إلا أن ما ادعاه كان أبعد ما يكون عن الحقيقة؛ فبينما كان يتحدث، كانت إيران في الوقت ذاته توجه اللوم بشكل علني للثوار السوريين، وليس للأسد، متهمة إياهم بتنفيذ هجوم الغوطة.

كما أن وضع حد لسفك الدماء في سوريا لم يكن أبدا الهدف الحقيقي للرئيس؛ فمن وجهة نظره لم يكن لديه القدرة على منع الأسد من الاستمرار في ارتكاب الفظائع ضد شعبه، ولكن كانت لديه القدرة على التعرف على الشيء الجيد حين يراه، ومن ذلك الفرصة التي لاحت أمامه لينضم إلى إيران فيما يبدو في الظاهر مشروعا تعاونيا، وهي الفرصة التي ما كان ينبغي أن يتركها تفلت من يده، فما كان منه إلا أن اغتنمها. 

حقيقة أن أوباما كان باستمرار يتعامل مع سوريا على أنها منطقة مصالح إيرانية ورد تأكيدها في تقرير أخير نشرته صحيفة الوال ستريت جورنال، التي ذكرت في شهر آب/ أغسطس من عام 2014 أن الرئيس كان قد كتب رسالة إلى علي خامنئي يقر فيها بالعقبة التي تواجه تعاونهم، والمتمثلة بالطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات حول البرنامج النووي، ولكنه في الوقت ذاته يبذل جهدا كبيرا في طمأنة خامنئي بشأن مصير الأسد، مـؤكداً له في الرسالة أن العمليات العسكرية الأمريكية داخل سوريا لن تستهدف لا الدكتاتور السوري ولا قواته. 

لم يلق هذا العنصر من طريقة الرئيس في التفكير سوى القليل من الاهتمام، رغم أن أوباما نفسه أشار إليه بشكل مباشر في مقابلة أجراها معه في كانون أول/ يناير 2014 محرر صحيفة ذي نيويوركر دافيد ريمنيك، قال أوباما حينها إن الدول العربية وإسرائيل أرادوا من واشنطن أن تكون وكيلاً عنهم في المنافسة مع إيران، ولكنه رفض بإصرار القيام بهذا الدور، وشكل بدلا عن ذلك رؤية عبر عنها كما نقل عنه ريمنيك بأنها عبارة عن "توازن جيو استراتيجي، أقل اضطرابا من المشهد الحالي للحرب الأهلية والإرهاب والصراع الطائفي".

ومن الذي سيساعده على تطوير الاستراتيجية الكفيلة بتحقيق هذا التوازن؟ أجاب الرئيس بإيماءة إلى عراب استراتيجية الاحتواء التي سادت سنوات الحرب الباردة: "لا أحتاج في الحقيقة حتى إلى جورج كينان في اللحظة الراهنة"، ما كان بحاجة إليه بدلا من ذلك هو شركاء استراتيجيون، والمرشح الرئيسي للعب هذا الدول، كما أوضح هو ذاته، هي إيران. 

كان أوباما هنا يكشف النقاب عن السبب الرئيسي لرفضه في عام 2012 خطة باترياس لتسليح المعارضة السورية، وهي القضية التي تناولناها بالتحليل في وقت مبكر من هذا البحث. من الواضح أن الرئيس أوباما رأى الحركة المناهضة للأسد داخل سوريا تماما كما رأى الحركة الخضراء في إيران قبل ذلك بثلاثة أعوام، عائقا يقف في طريق تحقيقه لأولويته الاستراتيجية المتمثلة في إرشاد إيران نحو طريق الفلاح.

هل كان الشرق الأوسط في الواقع مستقطبا بين تحالف تقوده إيران من جهة، وكل شيء آخر سوى ذلك من جهة أخرى؟ نعم. هل كان جميع حلفاء أمريكا التقليديين يطالبونه بالوقوف في وجه إيران وبردعها؟ نعم. هل أوصى الأعضاء الرئيسيون في مجلسه للأمن القومي، من بين ما أوصوا به، بأن يستجيب لنداءات حلفائه؟ مرة أخرى، نعم. ومع ذلك، كانت عينا أوباما لا تبصران سوى الجائزة الأساسية: الصفقة الكبرى مع طهران. 

الرغبة ذاتها في مراعاة إيران واسترضائها هي التي شكلت استراتيجية أوباما تجاه التنظيم المعروف بالدولة الإسلامية، وهي الاستراتيجية التي لم تحظ كذلك بما تستحقه من اهتمام. 

في شهر حزيران/ يونيو الماضي، عندما استولى مقاتلو الدولة الإسلامية على الموصل في شمال العراق، انهارت معدلات رضى الرأي العام الأمريكي عن السياسة الخارجية للرئيس، وزعم نقاد أوباما حينها، ولم تكن تلك المرة الأولى، بأنه لم تكن لديه استراتيجية على الإطلاق. انتصب بن روديس مدافعا عن الرئيس، وقال إنه بالرغم من أن المظهر يدل على النقيض إلا أن الإدارة في واقع الأمر لديها خطة، ولئن كانت حتى ذلك الوقت ماتزال طي الكتمان. وقال: "لدينا ما نلعبه على المدى الطويل. وجزء مما نفعله أننا نبقي أعينكم على اللعبة الطويلة حتى وأنتم تمرون بأوقات صاخبة ومضطربة".

معلومات عن الكاتب:

مايكل دوران، زميل أول في معهد هادسون، ونائب مساعد وزير دفاع سابق، ومدير سابق في مجلس الأمن القومي، وهو الآن بصدد الانتهاء من وضع كتاب عن الرئيس آيزنهاور والشرق الأوسط. 


ترجمة: "عربي21"

اقرأ أيضا: 

استراتيجية أوباما السرية بشأن إيران – ج2

استراتيجية أوباما السرية بشأن إيران - ج1