من الظواهر التي انتشرت مؤخراً في مجتمعنا ظاهرة الإلحاد والتطاول على الدين والطعن في ثوابته، حتى إننا نجد فضائيات تخصص ساعات يومية للطعن في القرآن الكريم والسنة المطهرة، دون أن تخصص في المقابل ساعات مماثلة للرد على هذ الطعون والشبهات.
كل ذلك يشي بالغرض الخبيث للقائمين على هذه الفضائيات والصحف كذلك، كما أننا وللأسف فوجئنا وفجعنا بمن يرتدى عباءة وعمامة الأزهر الشريف، ويطعن في صحيح البخاري، ويصفه بأنه "مسخرة" هذا المرجع العظيم الذى هو أصح كتابٍ بعد كتاب الله عز وجل، وأهم مصدر للتشريع الإسلامي بعد كتاب الله العزيز، يطعن فيه من ينتسب للأزهر الشريف نللأسف الشديد.
كذلك ظهر بعض الملحدين على الفضائيات مع إعلاميين جهلة لا يعرفون كيف يحاورون أو يردون على ادعاءاتهم الساذجة، ومن ناحية أخرى ظهرت موجة من الهجوم على الأزهر الشريف عندما تصدى لأحد منتسبيه من هواة إصدار الفتاوى الشاذة التي تشوش على الناس دينهم وتزعزع عقيدتهم.
والحقيقة أن مجمع البحوث الإسلامية هو الحصن الأخير للدفاع عن الدين الحنيف، الذى أدعو الله عز وجل أن يظل راسخاً شامخاً في مواجهة الهجمات الشرسة والمتزايدة على ديننا الحنيف، لكن السؤال الذى يطرح نفسه هو: لماذا تزداد موجات الإلحاد والطعن في الدين ويعلو صوتها في هذا الوقت تحديدا؟
في ظل تراجع الإلحاد عالمياً والاتجاه نحو العودة إلى الإيمان، بل والتطرف في التمسك بالعقيدة، أو ما يسمى اليمين المسيحي المتعصب أو الراديكالي، فبينما تعود أوروبا والغرب بصفة عامة إلى الإيمان بعدما ثبت للغالبية العظمى منهم أن الإلحاد جهل مركب، وأنه من المستحيل تجاهل أو إنكار وجود خالق حكيم قدير تدل كل مخلوقاته على وجوده وحكمته وبديع صنعه وعظيم قدرته، نتجه نحن نحو الإلحاد.
هل السبب كما يدعي البعض هو فشل الإسلاميين في الحكم؟ أم أن السبب سوء تربية وتقصير من الأسرة والمؤسسات التربوية وسوء نية من المؤسسات الثقافية والإعلامية؟ أنا شخصياً أظن أنه السبب الأخير.
ولكن لنرى ماذا يقول شيخ الملحدين في العالم، أنتونى فلو، عن الإلحاد:
أنتونى فلو (Antony Flew) فيلسوف بريطاني ولخمسين عامًا كان يعدّ من أهم منظري الإلحاد في العالم، تميز فلو بعمليته في الطرح، واستشهاده بقوانين طبيعية لإثبات آرائه، وقد بدأ يتخلى عن الإلحاد بعد تفحص عميق للأدلة [2] ثم أعلن ما اعتبر صدمة قوية في وسط الفكر الإلحادي في العالم تحوله إلى الفكر الربوبي.[ وفى آخر حياته ألف كتاب "هناك إله"، ترك الإلحاد، وعاد إلى الإيمان .
وكان يعد من أشرس الملاحدة في القرن العشرين يقول أنتوني فلو:
"لقد صرت على قناعة كاملة بأن الكون ظهر إلى الوجود عن طريق خالق ذكى، وأن ما في الوجود من قوانين ثابتة متناغمة تعكس ما يمكن أن نسميه فكر الإله". كما أؤمن بأن نشأة الحياة والتنوع الهائل للكائنات الحية لا ينشأ إلا عن مصدر سماوي .
لماذا أصبحت هذه قناعتي، بعد أن ظللت ملحداً لأكثر من نصف قرن؟
إن العلم الحديث يجلي خمسة أبعاد تشير إلى الإله الخالق:
1- الكون له بداية، وخرج من العدم .
2- إن الطبيعة تسير وفق قوانين ثابتة مترابطة.
3- نشأة الحياة، بكل ما فيها من دقة وغائية، من المادة غير الحية.
(المقصود بالغائية بان للحياة معنى وهدفا وغاية تتجاوز الحركة المادية المباشرة)
4- أن الكون، بما فيه من موجودات وقوانين، يهيئ الظروف المثلى لظهور ومعيشة الإنسان، وهو ما يعرف بالمبدأ البشري.
5- العقل، خصوصية الإنسان، لقد اصبح لا مفر من اللجوء إلى عالم ما وراء الطبيعة لتفسير قدرات العقل الخارقة.
واتبعت القاعدة "أن تتبع البرهان إلى حيث يقودك" فقادني البرهان هذه المرة للإيمان.
وقال: صرت أؤمن بإله واحد أحد، واجب الوجود، غير مادى، لا يطرأ عليه التغير، مطلق القدرة، مطلق العلم، كامل الخير. لكني أرفض فكرة تجسد الإله في هيئة بشرية (المسيح).
ولم أتوصل إلى أدلة عقلية وعلمية على التواصل بين الإله والبشر عن طريق الوحي.
لقد كان توصلي إلى ذلك عن طريق العقل، دون الحاجة إلى تدخل غيبي خارق من وحى أو معجزات، لقد كانت رحلة عقل وليست رحلة إيمان".
انتهى كلام شيخ الملحدين في العالم سابقا، الذى أصبح بمحض إرادته وإعمال عقله وفكره شيخ المؤمنين.
فمتى يدرك الملحدون العرب والمصريون أن الإلحاد مجرد وهم وجهل؟ وأن دوافعهم الحقيقية للإلحاد هي الخروج من رِبقة الدين وقيوده للاستمتاع بممارسة فجورهم وأهوائهم دون مؤرق من دين أو ضمير.
هذا هو السبب الحقيقي وراء إلحاد غالبية الملحدين في مصر. ولذلك نجد غالبيتهم من الشواذ وعبدة الشياطين وأهل الفجور والشهوات.
والحقيقة أن الإلحاد خطر على المجتمع بأكمله؛ إذ إنه ينزع الاطار الأخلاقي الذى يحمي المجتمع من انتهاك حرماته وأعراضه ويشيع الفاحشة والفجور بين أفراده.
وقديماً قال الشاعر:-
واذا أصيب القومُ في أحلاقهم :: فأقم عليهم مأتماً وعويلا
فما بالك اذا أُصيبوا في دينهم وعقيدتهم؟
ألا فليتحرك أهل الحكمة وأولو الأمر لردع هذه الموجة الإلحادية ومواجهتها فكرياً وتربويا وتشريعياً قبل أن تنهار منظومتنا القيمية والأخلاقية، فلا يمكن بناؤها أو إحياؤها مرةً أخرى.