كتاب عربي 21

ماذا بقي من الدولة التونسية؟

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
نفيق كل صباح في تونس على فضيحة أخلاقية تمس رجال السلطة الجديدة العائدين على ظهر صندوق الانتخاب الذي أحيا الموتى وهم رميم. فضائح في قطاع الإعلام والمال وطالت أخيرا أمن الدولة الذي صارت وثائقه السرية تباع على قارعة الطريق. لذلك يدفعنا القرف والإحباط إلى طرح السؤال: ماذا بقي من الدولة التونسية بعد؟  وما السبب الذي صيّرنا إلى ما نحن فيه من الخزي السياسي المفضوح على رؤوس الأشهاد؟

1.  فضائح بالجملة 

الفضائح تتالى ولا تتشابه وكلها تعرّي الفشل الذريع الذي ظهر عليه حزب نداء تونس في إدارة الشأن العام بما جعل نشطاء المواقع الاجتماعية يسمونه أكبر عملية تحيل في تاريخ تونس. ولنذكر ببعضها ونربط بسهم التفكير.

•  انفجرت قضية الإتاوة على الخروج من تونس في الجنوب فتبين أن المتضررين منها هم التجار الصغار  بين ليبيا وتونس وعوض إيجاد حل لهم وهم المفقرون في مناخ الجنوب الجاف تم التصدي لاحتجاجهم بقوة السلاح فقتل أحد أبنائهم بطلق مباشر في الرأس ثم أغمض ملفه وخرج من التداول.

•  نزلت كمية أمطار مارس بالشمال بما جعل السدود تعجز عن احتواء الإضافة فحصل فيضان أغرق مدينة بكاملها وعوض البدء في تنفيذ خطط إنقاذ جذرية ومواساة الناس، اتهم الغرقى بأنهم يبنون منازلهم في ضفة النهر وعليهم تحمل مسؤولية فعالهم.

•  أضرب رجال التعليم الثانوي من أجل تحسين وضعهم المهني وعوض إدارة حوار عميق مع أهل المهنة يشمل إصلاح التعليم جذريا وتحسين وضع المدرسين. احتقر الإضراب ووضعت السنة الدراسية  في مهب الفشل ولا تزال القضية معلقة في مزاج الحكومة.

•  قبل المائة يوم من حكومة الصيد، تم ارتكاب أكبر حماقة دبلوماسية في تاريخ البلد بالشروع في تقسيم دولة عضو في الأمم المتحدة بالاعتراف بحكومتين تقودانها. ثم التراجع والدخول في ملاسنات سخيفة ثم التذيل لموقف الجزائر في الحوار بين الفرقاء الليبيين وخسارة  اليد الممدودة للثورة الليبية  بما يفتح الباب على خسارات اقتصادية وسياسية كبيرة في المستقبل المنظور. 

ثم أفقنا على الحرب الغريزية بين شقوق الحزب الحاكم. من أجل التموقع داخل إدارته قبل عقده لمؤتمر الأول التأسيسي (من عجائب أهل تونس أن هذا الحزب  الذي ربح الانتخابات لا يزال قيد التأسيس) وفي الحرب تم الخروج عن كل المواضعات الأخلاقية وتبين أن شقوقا من الحزب تخترق أجهزة الأمن (المخابرات) وتسرب من وثائقها المصنفة سرية مطلقة لتكشف أن المتحاربين لا يتورعون عن شيء ولو كان نهاية الدولة بما يجعلهم مجرد  بيادق لدى جهات أجنبية تلمي عليه موقفه وفعله. فالكلّ تسيره أجندة خارجية  ليبية أو  إماراتية  أو جزائرية. لكن الأخطر  من عمالة هؤلاء  أنهم لم يتورعوا عن نشر أمعاء الدولة على العموم. وبيعت وثائق الأمن الأكثر  مساسا بعلاقتها الخارجية ووضعها الأمني  الداخلي والخارجي على قارعة الطريق وصارت موضوع مزايدات صحفية بين  طواقم الإعلام  الموالية للشقوق السياسية داخل الحزب الذي لم يتأسس بعد. 

2.  تأخر  ظهور أي خطة اقتصادية وتنموية  

في عالم الفضائح التي لم نذكر إلا بعضها وما خفي أعظم. يتساءل الشارع المُفقَّر: أين البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي دخل به الحزب المعركة الانتخابية؟ أين وعود التنمية وتحقيق أهداف الثورة الاجتماعية ؟

ليس لدى الحزب  الحاكم إجابة ولا نعتقد أنه قادر على تقديم واحدة في المدى المنظور ونرجّح انهياره وانهيار حكومته قبل أن يفيق من سكرة المؤتمر التأسيسي الذي يتأجل كل يوم. 

وقّع المهدي جمعة المنسحب بفشل كبير على قرض كارثي من مؤسسات دولية  لا يمكن لاقتصاد هش أن يتحمل أعباء  فوائده القصيرة الأمد وكنا نعتقد أن ذلك هو آخر البأس  في القروض فإذا حكومة الصيد الهشّة المرتجفة بعد توقع قرضا  من الاتحاد الأوروبي  بشروط أسوء يفرض إلى جانب الفوائد البالغة والآجال القصيرة تدخلا في الشؤون الاجتماعية للبلد بإلغاء التعويض على المواد الأساسية وتخفيف الضرائب على رؤوس الأموال رغم ما هو مكشوف من تهرب ضريبي.  وقد بدأت تسريبات الاختبار حول رفع الدعم على المحروقات طبقا لأساليب عمل النظام القديم في جس نبض الشارع ثم إرغامه.

يتبين أن ليس لهذه الحكومة خطة إنقاذ ولا خطة إقلاع ولا حتى خطة إبقاء الوضع على ما هو عليه. بما يدفع إلى سوء الظن بالأيام القادمة وتوقع الكوارث الاقتصادية خاصة في ظل سنة  قاحلة في الجنوب وموسم فلاحي  غير متوازن وسيطرة  الاحتكاريين (القطط السمان) على المنتجات الزراعية التي يتم تهريبها إلى الأسواق المجاورة بأثمان خيالية وتجفيف السوق المحلية بما يرفع الأسعار فوق قدرات المستهلك العادي والمتوسط. 

3.  حزب جاء ليسرق لا ليحكم ولوبيات الأعمال تقودنا إلى الهاوية 

مَنْ للبلدِ الآن ؟ 

•  المؤمنون بالمعجزة سينتظرونها لكن التحليل بمفردات الواقع يكشف حجم الكارثة القادمة والمنذرة بخراب العمران القائم. لوبيات الأعمال  تنقذ نفسها وقد كشفت الصدف  حجم الأموال التي يهربونها فينقذونها من الضريبة الواجبة  فضلا عما يتهربون منه من واجب ضريبي في الداخل.

•  مؤسسات الضمان الاجتماعي تعلن إفلاسها وتقدم معطياتها وتبين سوء التصرف والعجز عن الاستخلاص نتيجة احتماء المؤجرين بالسلطة القائمة وتلاعبهم عبر شبكة علاقات زبونية راسخة من دفع مستحقات الأجراء.

•  تواصل نزيف الفساد  في الديوانة (الجمارك) وعجز كل الحكومات عن اختراق لوبيات الفساد فيه وهو مصدر  هام للدخل الضريبي.

•  تواصل  العجز عن إنقاذ  مناجم الفوسفات من قبضة النقابات ولوبيات شركات النقل التي تمول الفوضى لتعيش منها.

•  الناقل الوطني يعبث بمسافريه فيلغي الرحلات على هواه و يمهد لإعلان إفلاس الشركة  وبيعها لمتنفذين في الداخل والخارج.

في الأثناء ينشغل الحزب الحاكم بصراعات أجنحته ويفضح أسرار الدولة الأمنية من أجل التمركز في مواقع السلطة والقرار داخل الحزب بما ينتج غنيمة وظيفية  في ما وعد به أنصاره من مراكز  وسفارات وملحقيات وغيرها.

وتغيب عن المشهد المعارضة المنتظرة لتلقف الوضع وإنقاذ البلد. فهمُّ المعارضة بكل شقوقها هو ترأس لجنة في البرلمان. من أجلها تخاض صراعات أخرى  أشد بؤسا من صراعات الحب الحاكم على النفوذ.

الشارع التونسي الآن مذهول مما حصل ومما يجري والإحساس بالخديعة بلغ أشده. النظام القديم أعطي أسوء ما عنده وأخرج للناس أشدَّ صيغه رداءة وانحطاطا والمعارضة بكل شقوقها  تعبث في الهامش الضيق  والبلد  على كف عفريت وعلم الاجتماع لا يؤمن بالمعجزة.

قريبا سيكون السؤال على أفواه الكثيرين خارج الوطن: هل بقي من تونس أمل الربيع العربي شيء يذكر في كتب التاريخ؟ 
0
التعليقات (0)

خبر عاجل