من
سوريا اليوم، وبعد أربعة أعوام من ثورة تحولت إلى كابوس، يعاني 11 مليون نازح سوري، منهم أكثر من سبعة ملايين نازح يجدون صعوبة في توفير أبسط حقوق: الغذاء والدواء والملجأ الآمن.
11 مليون ! هو العدد الإجمالي للاجئين في 16 دولة في وسط وشرق إفريقيا، حسب تقديرات مكتب
الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.
هي واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ، وواقع صادم، وأوضاع أقل ما توصف بالمأساوية، بهذه العبارات تفتتح التقارير الأممية التي تتحدث عن واقع
النزوح السوري، وأما ردات الفعل الدولية و العملية على هذه التقارير، فلم تتعد المطالبة بهدن قصيرة وتجميد الصراع في حارات أو شوارع أو أحياء، مشروط ببنود غير مقبولة – لإدخال المساعدات- تجد فيها المقاومة السورية الشعبية مزيداً من الفوضى والتدهور الأمني والاقتصادي على الشعب لا أكثر .
مشاريع سياسية تتخفى وراء عبارات إنسانية ، بحجة إدخال المساعدات الإنسانية أو إخراج النساء والأطفال والمسنين، من وراء جحيم حصار الموت و القهر إلى جحيم الخيمة وذلها ليصارعو موتاً من نوع آخر.
للأسف؛ لم ترق استجابة المجتمع الدولي إلى اليوم إلى مستوى فك حزام الجوع عن المحاصرين، وذلك على الرغم من التحذيرات المستمرة للمنظمات الإنسانية، والتنبيه إلى أهمية اتخاذ خطوات فورية وعاجلة لرفع المعاناة عن اللاجئين، و تخفيف الضغوطات عن الدول المضيفة، إلا أن أياً منها لم يلق إلى اليوم أذناً صاغية.
مساع شعبية كبيرة قامت بها منظمات إنسانية و إغاثية و خيرية، بجهود فردية مخلصة تهدف إلى جمع التبرعات وتقديم
المعونات والإغاثات للشعب السوري، لكن هل حقاً يمكن أن تغطي هذه الجهود احتياجات 11 مليون نازح، يعاني أكثر من سبعة ملايين منهم الجوع لنقص التمويل، وفقاً لمؤشرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وما يدفعنا للوقوف مطولاً قبل البحث في أي مفاوضات أو مبادرات سياسية تطرح على الطاولة، وتعنون بمانشيتات الحلول السلمية للصراع الدموي في سوريا، أو حلول الإنقاذ، أو موائد الحوار السوري – السوري، وما إلى ذلك من شعارات هو هذا التخاذل الأممي المعيب لإيجاد صيغ وأساليب للضغط على الأطراف المسلحة كاقة في سوريا، من أجل إقامة ممرات آمنة للمدنيين ومناطق عازلة تحمي من بقي منهم من همجية المطامع السياسية التي تستلهم كل ما هو وحشي و قمعي و لا إنساني، ليمارس على الشعب السوري ، دون أي محاسبة.
فعلاً واقع أقل ما يوصف بأنه صادم، فكيف تدعو الأمم المتحدة اليوم الشعب السوري ليؤمن بأنها اليد القوية التي ستحمي حقه كإنسان، وهي إلى اليوم لم تقدم خطوة حقيقية لحماية حقه في الحياة وضمان وصول الإغاثات الإنسانية التي تسد رمقه و تمنع عنه الموت جوعاً . منظمة العفو الدولي من جهتها أيضاً، قدمت تقريرا عما وصفته "بالتقاعس الدولي" تجاه قضية اللاجئين السوريين، ملقية الضوء على دول الخليج التي يعد بعضها من أثرى الدول في العالم، و التي امتنعت عن استضافة أي لاجئ سوري، و على العكس من ذلك شددت الحصار لمنع السوري من دخولها، و قد علقت بعض المطارات إعلاناً ( ممنوع دخول السوري).
الملايين بل المليارات اليوم تصرف على تمويل وتسليح الأطراف المتصارعة في سوريا ، ولكن عندما نسأل عن الإغاثة فهي مهددة بين الفينة والأخرى بالتوقف والسبب نقص التمويل !
وقد أدركت المقاومة الشعبية السورية، بألا أمل إلا بالاستعانة بالله، و الاعتماد على الذات ووضح ذلك من خلال شعاراتهم التي هتفت " يا الله ما لنا غيرك يا الله" كذلك أدرك النشطاء و العاملون في مجال الإغاثة، بأنه لا بد من العمل الجاد من أجل جمع الفتات لسد ما يمكن سده من احتياجات النازحين من الغذاء إلى الحذاء، وقد سيرت الحافلات المحملة بالدفء والأمل متوجهة إلى مخيمات السوريين ، لكن الطريق إليها لم يكن يوماً يسيراً ، فكم من شحنات أدوية فَسُدت و كم من أغذية سَوست قبل أن تصل إلى من يحتاجها ، والسبب الذي جاء على لسان ناشطين، إجراءات أمنية صارمة !
قد توقفها شهوراً حتى تصبح غير صالحة للاستهلاك في كثير من الأحيان، فهل الأمم المتحدة "حقيقة" عاجزة عن اتخاذ التدابير وسن الأنظمة و القوانين الملزمة لتسهيل مرورها و فتح معابر آمنة لإيصالها .
لا الروابط الدينية و لا اللغوية كان لها تأثير يذكر في سياسة الحكومات العربية إلا من رحم ربي، إذ لا نغفل دور المملكة العربية السعودية في نصرة الشعب السوري، أما تركيا التي أعلن ممثلها في الأمم المتحدة أنها أنفقت 6 مليار دولار على ضيوفها السوريين، فهي إلى اليوم الأكثر رفقاً بإنسانية السوري.
و ما نراه اليوم من مواقفها الداعمة للمعارضة السورية مقارنة بنظيراتها من الدول الإقليمية والإسلامية يجعلنا نتفاءل بأن يؤثر إيجاباً في مستقبل سياسة السلطات السعودية و يحفز الملك الجديد "سلمان" على دعم أكثر فاعلية للسورين سواء أكانوا نازحين أم مقاومين على الجبهات ، بحيث يشكل تغييراً حقيقياً في الواقع السوري الأليم، و خصوصا بعد لقاء أردوغان في زيارته الأخيرة الذي نتوقع أنه قدم التطمينات الكافية تجاه المخاوف المشروعة للعاهل السعودي، من الجبهات الإسلامية المعارضة التي تشكل النسبة الأكبر من المقاومة السورية الشعبية ، و بأنه في أغلب الظن أكد على وسطيتها واعتدالها ، التي لمسها جيداً في أثناء مراقبته لما يحادث في حدوده و أرض الجوار.
هذا وطرحت في الفترات الماضية قضايا أثارت الرأي العام العربي و الدولي ، كإجراءات منع الإقامة أو الزيارة أو دخول المطارات ، حتى ولو كان السوري يحمل جواز سفر أمريكي أو أوروبي ! و ترى أوساط شعبية أنه من المخزي أن توقف تأشيرات العرب السوريين الذين يعانون الأمريًن ، ثم تشرع الأبواب لما يقل عن 35 جنسية غربية دون قيد أو شرط ، بل تفرض على تنقل المقيمين بين دول الخليج قيوداً جديدة لم تكن موجودة قبل الثورة .
ليبقى التساؤل المشروع، إلى متى ستبقى السياسة عائقاً في وجه إنسانية الإنسان، غير عابئة بغضب الله وخطية المظلوم، فإذا كانت السياسة لا دين لها هل نقول أيضاً: السياسة لا أخلاق لها؟