للخرز المستخدم في صنع
المجوهرات الاصطناعية وغيره من الإكسسوارات، معان كثيرة في التقاليد الوثنية
التوغولية، بل إنّ الكثير منها مجهول لدى العديد من السكّان والسياح ممّن يأتون لإشباع فضولهم في اكتشاف أنماط عيش وحضارات مختلفة، من خلال زيارة
سوق العاصمة الكبير، الذي يعرض مجوهرات بأشكال وألوان مختلفة، لكلّ منها معانيها ورموزها الخاصّة.
سوق لومي الكبير هو عبارة عن أكبر ملتقى اقتصادي، في المنطقة بأكملها، للتجار والحرفيين الذين يقصدونه صبيحة كلّ يوم لعرض سلعهم، محاولين بشتى الطرق استقطاب العدد القليل من السياح الذين يدفعهم فضولهم لاكتشاف ما يعرضه التوغوليون للبيع. غير أنّ ما يلفت الأنظار حقيقة في تلك السوق هي ما يطلق عليها "الجواهر" الاصطناعية المعروضة التي تروي بصمت تفاصيل حقب تاريخية كاملة.
أقنعة وتماثيل منحوتة من الخشب، ولوحات وقلادات وأساور صنعت من الخرز البرّاق، وغيرها من القطع الجميلة التي تأسر روّاد السوق.. هذا الفضاء الذي يحتضن ويشهد على ثراء الصناعات اليدوية المحلّية، ويستعرض مهارات ومواهب قلّما وجد لها مثيل في العالم.
وتلقى المجوهرات المقلدة المحلية الصنع إقبالا كبيرا من قبل السياح، حيث تعدّ من البضائع الأكثر رواجا في السوق، والزوار غالبا ما ينجذبون إلى تلك القلادات والأساور الحمّالة لمعان كثيرة، وفقا للون الجوهرة التي تزيّنهما. هذا، بما أنّ الإنسان –بطبعه- ميّال إلى كلّ ما له علاقة بالماورائيات وبالمستور.
لوران هو أحد السكان الأصليين لمحافظة "فو" الواقعة في المنطقة البحرية لتوغو، قال موضحا، للأناضول، أبرز دلالات اللؤلؤ من خلال لونه: "بعض الأساور يمكن أن يرتديها المرء لحماية حياته، وحين يصاب طفل بمرض ما، يتعيّن عليه وضع نوع معيّن من اللؤلؤ لكي يشفى من علّته ولا يقع أبدا مريضا بعد تلك المرّة".
وخلال مراسم الفودو (مذهب ديني متأصّل في الغرب الأفريقي)، يقع اختيار ألوان "الجواهر" بدقّة بالغة، تبعا لاحتياجات الطائفة. وعادة ما كانت صناعة تلك الجواهر تعهد للأرامل اللاتي يتمتّعن بنوع من القوّة النافذة، وفقا للتقاليد الوثنية.
وسعيا نحو خلق نوع من الاختلاف أو التميّز، تحاول الحرفيات ابتكار تصاميم جديدة، من خلال الاعتماد على مواد أولية مختلفة، فالبعض منهن يستخدمن الطوب أو الطين أو حتى الزجاج المنفوخ، فيما تفضّل أخريات استعمال الأحجار وعظام البقر. وتختلف أسعار الجواهر حسب نوعية المواد المستخدمة، ومصدرها، والوقت اللازم لصنعها. وعموما، فإنّ الأسعار تتراوح بين 500 و10 آلاف فرنك أفريقي (0.85 دولار إلى 17 دولارا).
نشاط حرفي بسيط مستلهم من التقاليد الوثنية، غير أنّه تحوّل، بمرور الوقت، وتزايد الإقبال عليه، إلى مصدر عيش للكثير من الحرفيين، خصوصا وأنّ معتنقي الوثنية، الذين يمثّلون تقريبا نصف سكان توغو، يعتقدون بأنّ تلك الأساور تنضح بمعان خاصة جدّا، لا يقدر على فكّ شفرتها سوى المطّلعين على التاريخ المحلي التوغولي، والعالمين بأسرار التقاليد المتوارثة عبر الأجيال.
تقاليد تستبطن الكثير من الأسرار. البعض منها تلاشى عبر الزمن، والبعض الآخر ما زال متواجدا في بعض القرى البعيدة عن صخب العاصمة ومتطلّبات الحياة والتجار فيها، والذين يفضلون الطابع الجمالي للمجوهرات على أبعادها الرمزية. فـ"اليوم، يضع الناس أيّ نوع من الجواهر.. إنّها تجارة فحسب".. هكذا ردّ أحد الحرفيين على سؤال مراسل الأناضول حول تراجع الإقبال على الجواهر التقليدية، دون أن يكلّف نفسه رفع ناظريه عن رفوف متجره الصغير، أو الإفصاح عن هويته.
فمع تعدّد المسالك التجارية، لم تعد القرى التوغولية حيث تهيمن التقاليد الوثنية، المصدر الوحيد للمجوهرات، ذلك أنّ تنوّع الأدفاق التجارية في المنطقة، كان لا بدّ وأن ينجم عنه دخول مواد وتقنيات جديدة في صناعة هذه "المجوهرات"، وهو ما اضطرّ الحرفيين إلى بثّ روح العصر في منتجاتهم لحيازة الإعجاب من قبل الشباب، خصوصا وأنّ الطابع اليدوي لتلك المجوهرات يجعلها مرشّحة للاستيراد من قبل بلدان المنطقة بشكل أكبر.